على عتبة الاتحاد الأوروبي ـ محنة اللاجئين العالقين في صربيا
١٦ أغسطس ٢٠١٨بالقرب من محطة الحافلات يبدو الجو خانقا من شدة التلوث، وفي وسط العاصمة الصربية بلغراد تبنى بنايات شاهقة وفخمة. وبتحفيز من أموال المستثمرين العرب يتغير وجه حي الميناء القديم لعاصمة صربيا. وفيما كانت الحافلة تسير تقول امرأة مسنة لبنتها: "نحن ننجب طفلين وهم ينجبون 22. انتظري بعض الشيء سيحتلوننا". قالت ذلك وهي تشير من نافذة الحافلة إلى براكتين تستخدمان منذ عام 2016 من قبل منظمات غير حكومية كمأوى للاجئين. حيث يحصلون على بعض الراحة والطعام ومعلومات حول الإجراءات الإدارية.
وبعد سماع كلام المرأة المسنة وحكمها العشوائي الذي أطلقته على اللاجئين نزلت من الحافلة وسرت باتجاه البراكتين، حيث رأبت بعض الشباب يلعبون كرة الطاولة وآخرون يجلسون ويتحاورون.
سبع مرات إلى كرواتيا
أميرة م. منهكة، فالمرأة الكردية من العراق والبالغة 36 عاما، تسير في الطريق نحو أوروبا منذ خمسة أشهر مع أربعة أطفال وزوجها. وداخل مأوى اللاجئين تفضل التوجه إلى الغرفة الخاصة بالأمهات والأطفال. ثلاثة من الأطفال يلعبون في هدوء والرابع ينام.
أميرة تتكلم بإنجليزية مكسرة وتقول إنها عائلتها أُجبرت سبع مرات على مغادرة كرواتيا إلى صربيا: "الشرطة الكرواتية أخذت منا بطاقات الهواتف النقالة ونقلتنا إلى الحدود. من هناك أجبرونا على العودة سيرا على الأقدام". زوج أميرة يتحدث عن قريته التي تقع بين كركوك واربيل، المنطقة التي كانت مسرحا لمعارك في السنوات الأخيرة "في البداية جاء تنظيم داعش الذي أراد مقاتلوه المال منا. ولم يكن لدينا سوى بيتنا، ولذلك قالوا بأنهم سيقتلوننا".
شقيق زوج أميرة يعيش في أوروبا الغربية، وحول لهم مبلغا من المال دفعوخ لمقاتلي داعش لكي لا يقتلوهم. ثم جاءت الطائرات الأمريكية وقصفت المنطقة فاختبأ مقاتلو داعش في بيوت السكان الأكراد التي قصفها أيضا. فرت أميرة وزوجها مع أطفالهما عبر تركيا وبلغاريا في اتجاه أوروبا الغربية ووصلوا إلى صربيا. وهل سيلجأ زوج أميرة إلى مهربي البشر؟ يجيب "أنا رجل فقير. إما أن يأخذنا شخص ما معه بالمجان أو أن نمشي على الأقدام".
في الفراغ القانوني
ديجانا كوراتش مانديتش من المركز الإنساني هي المنسقة الرئيسية لمشاريع اللاجئين في منظمتها بصربيا. وهي تعتبر أن عدد اللاجئين في صربيا بعيد عن أن يكون منذرا بالخطر، لاسيما عندما نقارنه مع تدفق اللاجئين قبل ثلاث سنوات.
آلاف المهاجرين يريدون مواصلة طريقهم إلى أوروبا الغربية. "هم يأتون إلى بلغراد ويسجلون أنفسهم كلاجئين. هذا نسميه: إعلان نية لطلب اللجوء. لديهم 72 ساعة من الوقت للظهور في مركز اللاجئين. وإذا لم يقدموا طلب لجوء، فإنهم يكونون في فراغ قانوني". ومعلومات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تؤكد هذا الأمر. في يونيو/ حزيران 2018 تم تسجيل 739 لاجئا جديدا في صربيا، فقط 22 منهم قدموا طلبات لجوء. وجميع الباقين يترقبون في صربيا فرصة لمواصلة رحلتهم، فلا أحد يرغب في البقاء على عتبة الاتحاد الأوروبي.
العنف يزداد
أميرة وزوجها يؤكدان هذا الأمر، فهما يريدان السفر إلى ألمانيا حيث يمكن لهما الإقامة عند معارف، وبعض أفراد العائلة يعيشون في هولندا أيضا. وزوج أميرة لا يعرف ما إذا كان سيتوجه مرة أخرى ـ المرة الثامنة ـ عبر البوسنة إلى كرواتيا أو "ربما أعود إلى العراق حيث الحرب".
هل كانت له تجارب سيئة في البلقان؟ "لا الناس في صربيا لا يتسببون في مشاكل. وفي البوسنة الناس مستعدون لتقديم المساعدة. ربما لأنهم يفهمون ما معنى الحرب". ويضيف بأنه لم تكن لعائلته في كرواتيا فرصة التعامل مع مواطنين عاديين، لأنهم قابلوا فقط رجال الشرطة الذين كانوا يصرخون في وجههم.
عائلة أميرة كانت محظوظة، ففي التقرير السنوي المشترك لعدة منظمات غير حكومية صربية ومقدونية لعام 2017 يتم انتقاد عنف الشرطة ضد اللاجئين من مختلف البلدان. فبلغاريا تعامل اللاجئين بشكل أسوأ جدا وعنف الشرطة الجسدي يزداد في المجر وكرواتيا ورومانيا. وهناك أيضا حالات وفاة، كما حصل في مدينة روما التي تبعد نحو 50 كلم شمال غرب بلغراد، حيث تعرض مهاجران لإطلاق نار من قبل مجهولين.
"على الورق كل شيء على ما يُرام"
في صربيا يوجد 13 مركزا لاستقبال وإيواء اللاجئين، تديرها هيئة اللاجئين والهجرة، التابعة للحكومة الصربية. والتواصل مع الرأي العام منظم بشكل صارم. "على الورق يبدو كل شيء على ما يُرام. وفي الواقع نحن نتعامل مع موظفين حكوميين متعجرفين غير كفوئين "، تقول تانيا ب. التي ترعى مشروعا للاجئين بتمويل خارجي. وهناك محاولات في بلغراد لهدم البراكتين اللتين تستخدمان كمركز لإيواء اللاجئين في وسط بلغراد، فالمستثمرون الصرب والأمراء العرب الممولون للمشروع يريدون تشييد أبينة فخمة و"جوارا نظيفا"!
"هل تعلمون أنكم تطعمون وحوشا"
مركز استقبال وإيواء اللاجئين هذا (البراكتان) تمكن حتى الآن من تجاوز جميع المحاولات العدائية، ولحسن حظ أميرة وعائلتها تمكنت الاستراحة وقضاء بعض الوقت في هدوء هنا. وعلى الجدار الخارجي للمركز رسم فنان صربي مع لاجئين صورة كعكة بنجوم أوروبية محاطة بأسلاك شائكة.
تجدر الإشارة إلى أن عدد اللاجئين في صربيا ليس كبيرا، إنه حوالي 3500 لاجئ، وهو عدد بسيط جدا بالمقارنة مع أكتوبر/ تشرين الأول 2015 حيث تجاوز العدد 180 ألف لاجئ تم تسجيلهم في صربيا خلال سفرهم عبر طريق البلقان. وصحيح أن العدد قليل ولكن هناك شعور عام بأن عدد اللاجئين في صربيا كبير جدا، وهناك من يحرض ضدهم فعلى سبيل المثال كتب أحد المستخدمين تعليقا على موقع تانيا ب. الالكتروني، يعكس الكره والعداء للاجئين، جاء فيه " هل تعلمون بأنكم تطعمون وحوشا".
دراغوسلاف ديدوفيتش/ م.أ.م