عماد الدين حسين: ملامح فترة السيسي الثانية
٢٢ مارس ٢٠١٨بنسبة تفوق التريليون في المئة سيفوز الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات، التي بدأت خارج البلاد يوم الجمعة الماضي، وتنطلق في الداخل يوم 26 حتى 28 مارس/ آذار الجاري. وبالتالي، فمن المؤكد أنه سيتم إعلان السيسي رئيساً لمصر يوم الثاني من أبريل/ نيسان المقبل، لأنه لا يتخيل أحد أن تكون هناك جولة إعادة بين السيسي ومنافسه الوحيد موسى مصطفى موسى.
ربما يكون السؤال الذي يشغل الرئيس ونظامه ،هو نسبة المشاركة في الانتخابات، والطبيعي أن يسعى النظام لمشاركة لا تقل عن نسبة الانتخابات الماضية، التي كانت بنسبة "48 في المائة"، لأنه بناء على هذه النسبة يمكنه القول إنه يتمتع ليس فقط بالشرعية ولكن وهذا هو الأهم بالمشروعية والقبول الشعبي الواسع.
في انتخابات 2014 فاز السيسي بالرئاسة وحصل على 96.91 مقابل 3.1 بالمائة لمنافسه الوحيد حمدين صباحي وقتها. في هذا الوقت كان البعض يخشى تحول الانتخابات إلى استفتاء، واستمرار صباحي فيها هو الذي أنقذها من هذا المصير، في وقت كان هناك حصار إقليمي ودولي واسع النطاق بعد ثورة 30 يونيو/ حزيران التي عزلت جماعة الإخوان عن الحكم.
اليوم، الحال مختلف تماماً مقارنة بـ 2014 إذا قسناه بدرجة المنافسة، فعلى الأقل حمدين صباحي معارض وسياسي معروف منذ منتصف السبعينيات، في حين أن المنافس الحالي موسى مصطفى موسى أعلن عن تأييده للرئيس السيسي قبل ترشحه بأسبوع.
مرة أخرى السؤال المطروح في الشارع السياسي المصري الآن، ليس من الذي سيفوز، لكن ما هي نسبة المشاركة؟
وتأمل حملة السيسي أن تشهد الانتخابات حضوراً كثيفاً وطوابير على غرار ما حدث في تصويت المصريين بالخارج الذي شهد إقبالاً لافتاً في العديد من العواصم خصوصاً في الخليج وبالأخص في السعودية والإمارات والكويت. رأينا طوابير وصور في السفارات والقنصليات، لكن لم نعرف حتى الآن نسبة التصويت في الخارج.
المتابعون بدقة للشأن المصري تجاوزوا موضوع الانتخابات، وما يشغلهم هو توقعاتهم لما سيحدث في الفترة الثانية من ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسي.
غالبية من قابلتهم - خلال الأسبوع الماضي - سواء كانوا زملاء مهنة أو مواطنين أو مراسلين أجانب كان سؤالهم الرئيسي هو: ماذا تتوقع في السنوات الأربع المقبلة؟!
ما يشغل السياسيين والمجتمع المدني بصفة عامة، إضافة إلى الخارج، سؤال مفاده: هل يتجه النظام إلى إحداث بعض الانفراجة في ملف المشاركة السياسية قريباً؟
وهل سيكون هناك هامش أوسع أمام المجتمع المدني، بعد صدور القانون الذي أزعج غالبية المنظمات الحقوقية، خصوصاً تلك الناشطة في مجال حريات التعبير وحقوق الإنسان والمجتمع المدني بصفة عامة؟
أحد المراسلين الأجانب سألني قبل أسابيع هل تتوقع أي بادرة انفراج من الحكومة تجاه جماعة الإخوان؟!
إجابتي كانت قاطعة بالنفي، من خلال قراءة المؤشرات الراهنة، خصوصاً وأن السعودية تعلن كل يوم تقريباً أنها عازمة على القضاء علي فكر جماعة الإخوان، وهو المعنى الذي أعاد التأكيد عليه بقوة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في حواره المهم مع شبكة «سى. بى. سى» الأمريكية قبل أيام.
وما لم تحدث معجزة فظني الشخصي أيضاً أنه لن تحدث صدمات أو هزات أو تغيرات مفاجئة، فيما يتعلق بالتوجهات العامة للنظام سياسياً.
قد يحدث ذلك خلال مدى زمني أبعد، وبصورة تدريجية بطيئة جداً، وذلك عندما يتأكد النظام أن كل التهديدات الرئيسية قد زالت واختفت أو تم تحييدها.
أما السؤال الذي يشغل المواطنين خصوصاً الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى، فهو ما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية أو «لقمة العيش». هؤلاء ليسوا مشغولين بصورة أساسية بقضية التعددية أو الديمقراطية أو ملف حقوق الإنسان، - رغم أهميتها - هم مشغولون بسؤال كبير يؤرقهم كل لحظة وهو: متى ستنفرج الأزمة الاقتصادية، كي يشعروا بأن هناك بعض التحسن في مستوى معيشتهم؟
هذه الشرائح هي التي دفعت الثمن الأكبر من قرارات وتوجهات وإجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادي، خصوصاً بعد تعويم الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، ثم قرارات رفع أسعار الوقود واستحداث بعض أنواع الضرائب والرسوم، التي قادت إلى ارتفاعات قياسية في كل أسعار السلع والخدمات.
رأيي أن الحكومة لم يكن أمامها مفر من تنفيذ الإصلاح الاقتصادي، لأن البديل كان مخيفاً بالفعل، لكن المعضلة الحقيقية هي عدم قدرة الحكومة حتى الآن على توسيع مظلة الحماية الاجتماعية خصوصاً "للشرائح الفقيرة التي انسحقت تحت سنابك برنامج الإصلاح".
ظني الشخصي أيضاً أن النظام سيكون مهموماً بهذه الشرائح في الفترة المقبلة أكثر، من تفكيره في الانفتاح السياسي. سيحاول النظام إرسال رسالة واضحة للشرائح الفقيرة أنه يعرف أوضاعهم ويتعاطف معهم، ويحاول مساعدتهم. والمتوقع أن تكون هناك حزمة من الإجراءات والقرارات في الفترة المقبلة تصب في صالح هذه الشرائح.
السؤال المنطقي: ولماذا يستمع النظام لهموم المواطنين فيما يتعلق بالاقتصاد، بدلاً من الاستماع للمطالبين بالانفتاح السياسي «وفتح المجال العام»؟!
الإجابة ببساطة لأنه لو تمكن النظام من الحصول على رضاء الشرائح الفقيرة بأي صورة من الصور، فلن يكون مشغولاً كثيراً بما يطلق عليهم في وسائل الإعلام المقربة من الحكومة بـ«النشطاء أو النشتاء»، وحينها يمكن للحكومة السير في سياساتها الراهنة، طالما أرضت الغالبية العظمى من المواطنين عبر الإجراءات الاقتصادية.
وبالتالي يمكننا أن نتوقع أن الفترة المقبلة ستشهد استمراراً للجمود السياسي، ومزيداً من الإجراءات الاقتصادية لصالح الفقراء، مع استمرار الحرب ضد الإرهاب والمتطرفين بصورة لا هوادة فيها، بل وربما تشمل فئات أخرى غير كوادر جماعة الإخوان.
عماد الدين حسين
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.