عمال سوريون يلجؤون إلى لبنان بحثا عن ملاذ آمن

يعمل السوريون منذ مدة طويلة في مختلف المناطق اللبنانية وفي العديد من الأشغال، حيث جذبتهم السوق العقارية اللبنانية بشكل خاص بسبب ما يؤمنه من مدخول أعلى نسبياً مقارنة بما هو عليه الحال في سوريا. وشجعهم على ذلك قرب المسافة من بلدهم وبالتالي سهولة التواصل مع أسرهم في سوريا وحتّى زيارة الديار بشكل منتظم. الآن وبعد عام على اندلاع الحركة الاحتجاجية ضد نظام الرئيس الأسد ولجوء الآلاف من السوريين إلى لبنان طلباً للاستقرار والأمان، استطلعت DW أوضاع العمّال السوريين في لبنان ورصدت كيف تغيرت ظروف عملهم ومعيشتهم.

"تضخم العملة السورية يضمن مداخيل أكبر"

جابر من محافظة الرقة الذي يعمل في مشروع تطوره شركة عربية في إحدى ضواحي بيروت، يقول إنه جاء إلى لبنان منذ 6 سنوات. ويزعم أن ما يحصل عليه في لبنان خلال أسبوع يعادل أجرة شهر عمل في سوريا. وبالنسبة لوقع الأوضاع في بلاده على سوق العمل يوضح جابر "لم تتأثر أشغالنا بسبب وفود أناس جدد من مناطق النزاع السورية، فأنا شخصياً لدي علاقة ممتازة برب العمل هنا الذي يعتمد عليّ بشكل كبير. ومن جهة أخرى، المشاريع في لبنان كثيرة وبالتالي لكل شخص باب رزقه ولا أرى وجوداً لتنافس بيننا". لكنه يقّر أن اللاجئين الجدد في لبنان يجدون بعض الصعوبة في التأقلم وإيجاد عمل يوفر لهم استقراراً مادياً نسبياً بشكل سريع. ويعزو ذلك لقلة معارفهم ووصولهم إلى "مفاتيح" ضرورية من أصحاب الشركات والمصالح.

ويلفت جابر إلى أن التواصل موجود مع أهله في الرقة وهو يتصل بهم عبر الهاتف مرةً في الأسبوع. لكنه في المقابل يسرّ لنا أنه قلّل زياراته للديار خشيةً من المشاكل الأمنية، والخوف من عدم العودة إلى عمله في بيروت الذي يشكل مورد الرزق الوحيد لعائلته.

من جهته، صرح أبو خالد لDW وهو من دير الزور "أحوّل الأموال إلى عائلتي حسب حاجتهم للمال وليس بشكل منتظم. وبعد الأحداث استشرى الغلاء والتضخم في سوريا. وبالرغم من أن فرق العملة الناتج عن تدهور قيمة الليرة السورية جاء لصالحنا، فقد تآكلت قدرة الناس الشرائية في الداخل على نحو غير مسبوق. فمثلاً كان مبلغ ألف ليرة سوري يشتري كمية معتبرة من الحاجيات أما حالياً فلم يعد لذلك من قيمة. وهذا يدفعنا للبحث عن عمل إضافي وطلب المزيد من ساعات الشغل من الشركة أو تعهد أعمال حرّة في لبنان. وبعد هذه الفوضى في الأسعار، نسعى هنا لتأمين مدخول معقول لأسرنا ومضاعفة جهودنا".

علاقة أرباب العمل مع العمال السوريين

يشرح لنا السيد ج. حريق وهو مالك مقاولات عقارية في محفظتها أكثر من 60 مشروع بناء، أن العامل السوري لم يتغير في نشاطه وحماسه للعمل لكنه أصبح أكثر طلاقة في التحدث في الموضوعات السياسية. لقد زال هاجس الخوف. وكمطلع بشؤون العمال وسوق العمالة يقول إن الأحداث في سوريا ساهمت في خلق جو من المنافسة بين العمال، وكثير منهم يفضلون البطالة في لبنان على العودة إلى ديارهم. ويعرضون خدماتهم بأسعار أقل من المعدل. ويشدد حريق أن قطاع العقار في لبنان لا يزال ناشطاً ولو خمد الطلب نسبياً على الشقق الفخمة، فإن السوق ما زالت تطلب الوحدات المتوسطة والصغيرة ما يؤكد لحاجة المستمرة والمتزايدة لليد العاملة السورية.

وينفي حريق أي تغيير طرأ على أجور العمال السوريين، ويقرّ أنه بحاجة دائمة لحرفي البناء أصحاب الخبرة، والمتمرسين في السوق اللبنانية الذين يستقطبون عروضاً كثيرة ويفرضون الأجر الذي يريدونه. وعن نظرته للعمال السوريين في مشاريعه، يقول المقاول اللبناني "نحن نتعاطف مع العمّال السوريين وعائلاتهم، وقد مررنا بمحنة شبيهة ليس من زمن بعيد. ونحاول تقديم المستطاع من خدمات لهؤلاء كالسكن والكهرباء وكل ما يحتاجونه حتّى يشعروا بالراحة النسبيّة، ولا يضطروا للرجوع إلى مناطقهم التي تشهد الصراعات والاضطرابات الأمنية".

المهندس طوني بخّاش من شركة مقاولات هندسية في بيروت يثمن عالياً جهود العاملين السوريين الذين يقومون بغالبية أشغال الورش الذي ينفذه. ويقول إنه يسعى لمعاملتهم بطريقة إنسانية ويراعي الظروف الصعبة التي يمرون بها. "ندفع للعامل السوري أجره من دون إبطاء فهو حرّ طليق لكنه ليس مسجلاً في الضمان الاجتماعي، ومورده الوحيد هو الأجر الذي يتقاضاه مقابل عمله المضني. لا نلاقي صعوبة في إيجاد عمال لكننا نبحث عن العامل الماهر والأمين بغض النظر عن المنطقة أو المحافظة التي ينتمي لها. فالعامل السوري يمتلك مهارات مميزة في البناء وتكلفة تشغيله أقل من نظيره اللبناني" يختم بخّاش.

300 ألف عامل سوري؟

ومن جانبه أشار السيد عدنان هلال المسؤول في وزارة العمل اللبنانية أن لبنان مرتبط باتفاقيات استثنائية مع بعض الدول ومنها سوريا فيما يخص العمالة الأجنبية. ويعتبر هلال أن هناك بعض الإحصائيات غير الدقيقة عن عدد السوريين العاملين في لبنان حيث تحصي الوزارة عددهم بـ300 ألف شخص وهذه البيانات غير ثابتة بسبب استمرار تدفق السوريين في ظل الأحداث. وتسجل الإحصائيات لدى الوزارة ارتفاعاً في أعداد طالبي العمل القادمين من الداخل السوري بعد اندلاع الاحتجاجات. وفي المحصلة يركز عدنان هلال على أهمية معاملة العمال السوريين بشكل يرقى للأوضاع الاستثنائية التي تشهدها بلادهم في ظل علاقة خاصة تربط الشعبين.

شربل طانيوس - بيروت

مراجعة: حسن زنيند