عندما تكون لاجئة مثلية الجنس!
١٩ ديسمبر ٢٠١٥تزداد حدة مشكلة المثليين في المجتمعات العربية عموما عندما يكون المثلي الجنسي شاب، فهو في سلوكه وتصرفاته ومظهره يكون أكثر تشبهاً بالإناث، لذلك تحقيره واهانته يتعاظمان. في المقابل فإن وجود فتاة مثلية الجنس يوصف بالعرف العربي على أنه "استرجال" وبالتالي فإن الفتاة مسترجلة، وغالبا ما تنحصر النظرة إليها ضمن هذه الحدود الا اذا أعلنت هي عن مثليتها، عندها ستصبح في مرمى الاستحقار من قبل المجتمع المحيط بها، لكن مع اللاجئة السورية "إنانا" اختلف الوضع نوعا ما، هناك من تقبلها كما هي، وهناك من تحفظ على إبداء رأيه، وبالتأكيد كان هناك من اختلف معها واستحقرها، حتى والدتها قاطعتها، ووفقا للإبنة، فإن مشكلة الأم تكمن في نظرة المجتمع لها ولأسرتها كون ابنتهم مثلية الجنس.
"وضعي خارج عن إرادتي، كيف يعاقبني الله الذي خلقني هكذا، فهو أرحم وأعدل من البشر، "، قالت "إنانا" -21 عاما- التي تركت دمشق مضطرة بعد أن تعرضت للاستحقار ممن علموا بمثليتها، فلم يتردد أحدهم بالتعرض لها بالضرب المبرح وهي في طريقها لجامعتها. وها هي اليوم تعيش في برلين، وتتعامل مع الموضوع على أنه إجازة ستنتهي يوماً ما، فهي وبعد أقل من ستة أشهر على اللجوء، إلا أنها تشتاق للشوارع والحارات في الشام، وللناس والأهل، إلى والدها الذي تركته وحيداً هناك، فكان شوقها سبب في انهمار دموعها.
في ألمانيا، تشعر "انانا" التي اكتشفت مثليتها في سن الخامسة عشرة بقوة أكبر، فهي باتت تستطيع الدفاع عن حقوقها، وهي بالأصل شخصية متمردة، تفرض وجودها أينما حلت، متحررة بكل تصرفاتها، في سوريا تطوعت للعمل في المسرح والتلفزيون، في الدراما والدوبلاج، وكانت تلعب في صفوف منتخب دمشق لكرة السلة للناشئات، تركت جميع أحلامها وطموحاتها وجاءت إلى برلين.
تخبط في الآراء
كيف ينظر اللاجئون السوريون الذي وصلوا ألمانيا إلى أقرانهم مثليي الجنس؟ وللإجابة على هذا السؤال، كانت هذه الجولة الاستطلاعية لـ DWعربية في أحد مراكز اللجوء في العاصمة الألمانية برلين.
ردينة وهي سيدة ثلاثينية، كانت في طريقها للحصول على لعبة لطفلتها ابنة الأربع السنوات، والتي أصرت على والدتها راغبة بالحصول على ما تسلي به نفسها بعد أكثر من سبع ساعات تنتظر مع أمها للحصول على الإعانة المادية. استغربت ردينة سؤالنا وردت بسؤال آخر: "هو في ناس هون هيك؟" وأردفت: "بالتاكيد سأرفضهم، هؤلاء مرضى نفسيين، يجب أن يتعالجوا، أنا أرفض المجاهرة بالعلاقة الجنسية بين أشخاص عاديين، أما المثليين فطبيعي أن أستحقرهم، لن اعتدي عليهم، لكن إذا كانوا من أقاربي فسأنصحهم".
ورجل بدا في أواسط الخمسينيات رفض ذكر اسمه، كان ينتظر دوره في إحدى العيادات الطبية داخل المركز، شدد بدوره وملامح العصبية تظهر على وجهه على رفضه للمثليين، مستذكراً قوم لوط الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم في آية تحرم اللواط، ومؤكداً على أن المجتمع غير ملزم بل عليه رفض تقبلهم".
أما علاء صديق "إنانا" والعالم بمثليتها فقال: "في سوريا كانت هذه الفئة تعاني من الكبت وليس لديها القدرة على المجاهرة بمثليتها، حينها لم أكن أتقبل الفكرة بل كنت أحتقرهم أحيانا، وأحيانا أخرى أشفق عليهم، فهؤلاء فئة مختلفة عنا، وهم أقلية مضطهدة، لكن اليوم وبعد وصولنا إلى ألمانيا حيث أصبح نطاق الحرية أوسع بدأت باحترامهم، بالرغم من ملاحظتي احتقار غيري من اللاجئين لهم".
في حين علق يزن وهو أيضا صديقها بالقول: " في البداية أنا إنسان، أتعامل مع المقابل لي كإنسان بغض النظر عن الدين والمذهب، كل شخص له الحرية فيما يعمل، وأنا كذلك، سواء بقيت في سوريا أو انتقلت إلى هنا، سأتقبل المثليين، لا أستطيع فرض رأيي عليهم، علماً أنني شخصياً لن أسمح لنفسي أو لأحد من أقاربي بأن نكون مثليين!".
المثلية ما بين التحليل النفسي وغياب العلاج
وفي تحليل الطب النفسي للمثلية الجنسية عامة وعند اللاجئين على وجه التحديد، يشير اختصاصي الطب النفسي في مشفى الشاريتيه في برلين جهاد عبدالله، إلى أن المثلية الجنسية ومنذ منتصف السبعينيات خرجت من قائمة التصنيف الدولي للأمراض/ ICD، وفي حالة المثليين السوريين وغيرهم من العرب فلا توجد تصنيفات عربية أو إسلامية للمثلية، لذلك يمكن أن نصف وضعهم بمعاناة مردها إلى المجتمع المحيط الذين يعيشون فيه، والذي يرفض هذا السلوك ويعتبره خارجاً عن المألوف.
المثلية كمعاناة تحتاج إلى العون، فالمثلي وفقاً للطبيب عبدالله لا يعاني من ميوله، بل من انتقاد المجتمع له، في المجتمع المحافظ يبقى المثلي مكبوت غير قادر على الافصاح عن مثليته، فيلجأ إلى الإدمان أو الاكتئاب الذي يؤدي أحياناً إلى التفكير بالإنتحار.
"لا يوجد علاج سحري للمثلية الجنسية، غير أن نصائح وإرشادات الطبيب النفسي تساعد على الحل"، يقول الدكتور عبدالله مضيفا: "نستخدم العلاج في حال أصاب المثلي أو المثلية اكتئاب أو إدمان، نعالج الأشخاص المكتئبين سواء مثليين أو غير مثليين بنفس الطريقة، لكننا نأخذ المثلية بعين الاعتبار إذا كانت هي المسبب الأكبر للاكتئاب، فالعلاج يكون داخل إطار الأحداث المسببة، وهناك ما يسمى بالطب النفسي الثقافي الذي يراعي الفروقات الحضارية في العلاج".
ووفقاً لأخصائي الطب النفسي، فإنه وفي حالة المثليين من اللاجئين السوريين فإن الأحداث السياسية في بلدهم والتي أدت إلى الإنفلات الأمني وتمزق الروابط الاجتماعية، التي تزامنت مع انفلات الغرائز بشكل أكبر، فأصبحوا أكثر عرضة للخطر في مجتمع يعتبر المثلية من المحرمات الدينية والغير مقبولة اجتماعياً.
ويضيف الدكتور عبدالله، بأن رغبتهم بالهجرة وطلبهم العيش بأمان هو حق لهم، فهم يريدوا التواجد في مجتمع يتقبل هذه التوجهات المثلية، وفي ألمانيا وجدوا البيئة والقانون الذي يحميهم، لكنهم بحاجة لوقت أكبر ليصلوا إلى مرحلة الأمان، فهم وبالرغم من مثليتهم يبقوا في سلوكهم ومشاعرهم أبناء البيئة العربية المحافظة. لكن مع تقدم مراحل الاندماج سيتحرروا شيئاً فشيئاً من هذه الضغوطات والمشاعر المتناقضة.
استمرار الحياة
بالمجمل، وبعد رحلة اللجوء التي ترسخ في الذاكرة الانسانية بمآسيها، يمر اللاجؤون بمراحل متعددة في سعيهم للاندماج في المجتمع الجديد الذي وصلوا إليه، وفي البداية تجدهم يحاولون التمركز في نقاط معينة قريبين من بعضهم ومن مجتمعهم الأصلي، ومع مرور الوقت يبدأ كل شخص بوضع خطة للحياة التي سيكملها، ويرافق التقدم في مراحل الاندماج من تعلم للغة وتشكيل الأصدقاء والعمل وغيرها من أمور الحياة، تغيّر سلوكي ونفسي.
اليوم، تحلم "إنانا" صاحبة الصوت الجميل، بالوصول إلى نجومية هوليوود، تريد إحداث نقلة نوعية وهي التي كانت في سوريا وفي ظل الثورة تحلم بعدم انقطاع الكهرباء كأحد أساسيات الحياة اليومية، وفي معرض حديثها تقول: "لا يوجد شيء بعيد، كنت أحلم بتوفر الكهرباء ليوم كامل دون انقطاع، واليوم صرت في ألمانيا".