عودة السيجارة إلى بعض البرامج الحوارية تثير الجدل في ألمانيا
١٠ يونيو ٢٠١٢بموجب قرار منع التدخين الذي اعتمد في ألمانيا عام 2007، بات التدخين محظورا في الأماكن العامة، وفي المقاهي والحانات وفي المصالح الحكومية والخاصة وغيرها من مرافق الحياة العامة. وشكل التلفزيون والسينما الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة، حيث يسمح للبطلة أو البطل إشعال سيجارة والاستمتاع بها بدون رقيب؛ عدا في البرامج الحوارية التلفزية التي يمنع فيها بتاتا التدخين، شريطة أن لايكون الضيف المستشار السابق هلموت شميث، الذي ومن فرط استهلاكه للسجائر، لايعرفه الجمهور إلا وفي فمه سيجارة. وهو الوحيد المسموح له التدخين وقت ماشاء وأينما يشاء.
ويبدو أن حالة هلموت شميث في طريقها إلى التعميم داخل القطاع التلفزي، بعدما أدرجت القناة التلفزية الرسمية الثانية ZDF برنامجا حواريا في قناتها الثقافية يسمح للضيوف من المشاهير والمثقفين التدخين أثناء تسجيل حلقاته. وبرر القائمون على البرنامج في التلفزيون الألماني خطوتهم هذه بالقول "إن المشاهد يرغب في رؤية مدخنين"، وبحكم أن القناة تمول "من قبل أموال المشاهدين، فلا يمكن إلا النزول عند رغباتهم".
ولقي برنامج "خوخه وبوميرمان" (نسبة لأسماء مقدميه) ردود أفعال متباينة. فبعض الضيوف من المدخين رحبوا بالفكرة وهرعوا لإشعال سجائرهم فور انطلاق البث، بينما رفض آخرون كفارين أورلاوب Farin Urlaub من فرقة "الأطباء" الغنائية المشاركة فيه، بدعوى أن البرنامج يشجع على التدخين.
وهناك ضيوف آخرون فضلوا عدم التدخين أثناء حلقات البرنامج، لكي "لا تهتز" شعبيتهم بين الجمهور. من جهتها قدمت جمعية "من أجل فضاء من دون تدخين"، شكاية إلى إدارة القناة وقدمت لدى السلطات الأمنية بلاغا ضد شركات الانتاج. فالجمعية عازمة على وقف هذا السلوك في البرنامج مهما كانت التكلفة. لكن مدير القناة ماركوس شيشتار عللّ اختيارات البرنامج بالقول، إن التدخين وسيلة فنية تذكرنا بجمالية البرامج الحوارية في العقود الماضية.
السيجارة والفن
ومنذ خمسينيات القرن الماضي كانت السجائر حاضرة في جميع البرامج الحوارية بما في ذلك برنامج "دردشة صباحية" والذي يستضيف عند صباح كل يوم أحد، خمسة صحفيين يشربون ويدخنون ويتحدثون عن القضايا السياسية الداخلية والعالمية. حينها يقول الفيلسوف النمساوي روبرت بفالار من جامعة فيينا، كان التدخين "مثله مثل المظهر الجميل والسلوك الحضاري من أحد مقومات الحياة المتمدنة". وهذا ما انعكس أيضا على التلفزيون.
وبعيدا عن الأضرار التي تسببها لجسم الانسان، حظيت السيجارة في التلفزيون والسينما بقيمة جمالية كبيرة، فسواء في الفيلم الكلاسيكي "كازابلانكا (الدارالبيضاء)"، أو "الجيد والسيئ والقبيح"، لم يظهر البطل، إلا وهو يدخن سيجارة، كانت رمزا للرجولة والثقة في النفس وحب المغامرة. المرأة من جهتها، استبعدت عن السيجارة وكان من المعيب أن تقوم الأخيرة بتدخينها.
لكن الصورة سرعان ما تغيرت في خمسينيات القرن الماضي ومع بداية حركات التحرر، إلى رمز للحرية والإثارة. وأودري هيبرون Audrey Hepburn بطلة فيلم "إفطار عند تيفاني"، بسيجارتها المشتعلة تحولت إلى قدوة بالنسبة لنساء الغرب. بل وفي الوقت الذي لم تكن السينما تجرأ على إظهار مشاهد إباحية، كان كتاب السيناريو يلجأون إلى الجملة السحرية "هل لديك قداحة؟"، ليجعلوا منها مدخلا لعلاقة غرامية بين البطل والبطلة.
بدأت الرحلة في هوليود، وانتهت أيضا في هوليود. فبعد القيمة الفنية والجمالية التي حظيت بها السيجارة هناك، لم تعد اليوم تجد لها مكانا في عدد من الأفلام وبذات الإطار المثير. ويرى الفيلسوف بفالار أن ذلك "يكمن في أن المجتمعات الغربية تتجه اليوم نحو نبذ الملذات، وذلك أكثر من أي وقت مضى"، موضحا أنها "باتت بحاجة إلى إطار يشرع أفراحها"، كذلك الأمر بالنسبة للشامبانيا التي لا تفتح إلا عند الاحتفال بحدث اجتماعي معين.
(ميشائيل هلارتليب/ وفاق بنكيران)
مراجعة: حسن زنيند