عيد الميلاد في العراق..مظاهرالاحتفال به تتزايد لدى المسلمين
٢٥ ديسمبر ٢٠٢١قبل ست سنوات، أثارت العراقية خلود خرطوم ضجة في قريتها قرب مدينة كربلاء ذات الأغلبية الشيعية عندما قدمت لأهالي قريتها شجرة عيد ميلاد صغيرة من مادة البلاستيك وقدمت في حينه بعض الهدايا للأطفال الصغار.
وبعد هذه الأعوام، تتذكر خلود وهي أيضا صحافية تعيش حاليا في بعداد، هذه الواقعة بقولها "كان الأمر في البداية غريبا بعض الشيء. ظل الناس يسألونني ما هذه الشجرة؟ لقد كانوا يشاهدون مثل هذه الأشياء على شاشات التليفزيون".
وفي مقابلة مع DW، قالت "لاقى الأمر استحسانا من الأطفال بسبب شكل الزينة والأضواء والهدايا، ثم جاء جيراني وأعجبهم الأمر".
بيد أنه بعد مرور الأعوام أصبح الاحتفال بعيد الميلاد في العراق مشهدا مألوفا إذ تقول خلود إن جيرانها ينظمون حفلات الكريسماس وأيضا يضع الكثير منهم شجرة عيد الميلاد أمام منازلهم.
تزايد مظاهر الاحتفال
ولم يتوقف الاحتفال بعيد الميلاد على جيران خلود وأقاربها، بل لاحظت الصحافية العراقية تزايد احتفاء المسلمين في بلاد الرافدين بعيد الميلاد.
وفي ذلك، قالت "قبل بضع سنوات، كان يمكن رؤية زينة عيد الميلاد من أشجار الكريسماس وغيرها وهي تُباع في المحلات التجارية في أحياء يقطنها مسيحيون مثل حي الكرادة أو الجادرية في بغداد، بيد أنه أصبح الآن الأمر مشاعا في أنحاء المدينة."
وأضافت أن الاحتفال بعيد الميلاد تزايد في المناطق الشيعية في جنوب العراق، مشيرة إلى أن ابن أخيها يلعب مع زملائه في المدرسة بمدينة كربلاء أمام شجرة عيد ميلاد كبيرة وضعها مدرسو المدرسة. وشددت على أن هذا الأمر لم يكن ليحدث في الماضي.
ويبدو أن حديث خلود بات مترجما على أرض الواقع إذ قام مجلس مدينة بغداد بوضع أشجار عيد الميلاد عند تقاطع الشوارع فيما تم تزيين الفنادق والمطاعم الكبيرة بزينة أعياد الميلاد.
وقد أفاد موقع "شفق نيوز" العراقي بأن مبيعات أشجار عيد الميلاد وبابا نويل هذا العام "غير مسبوقة" مع وجود إقبال "ملحوظ" إذ ذهب الموقع إلى القول بأن احتفال عيد الميلاد هذا العام في العراق أكبر من وقت مضى".
عطلة رسمية
يشار إلى أنه في عام 2018، قررت الحكومة العراقية اعتبار عيد الميلاد الموافق 25 ديسمبر/كانون الأول من كل عام عطلة رسمية.
ورغم تزايد مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد في العراق، إلا أن هذا لا يعد دليلا على زيادة أعداد المسيحيين إذ لا يزال مسيحيو العراق يمثلون أقلية مهددة في وجودها.
وفقا لآخر تعداد سكاني أجرته الحكومة العراقية عام 1987، فقد بلغ عدد سكان العراق من المسيحيين قرابة 1.4 مليون نسمة، بيد أنه على مدار الأعوام، أخذ عدد المسيحيين في العراق في الانخفاض جراء تزايد موجات الهجرة سواء بسبب الاضطهاد أو الأزمات السياسية والمخاوف الأمنية.
وإزاء ذلك، يعتقد البعض أن ما بين 200 ألف إلى 300 ألف مسيحي قد غادروا العراق فيما يرى البعض أن هذا الرقم غير حقيقي.
الكريسماس..عيد بنكهة سياسية
ومع كل هذه المعطيات، طُرحت الكثير من التساؤلات حيال سبب تزايد شعبية الاحتفال بعيد الميلاد في العراق وأيضا لماذا الآن؟
يُمكن أن يُعزا ذلك بشكل جزئي إلى العولمة وانتشار منصات التواصل الاجتماعي فضلا عن تزايد تسويق ألعاب الأطفال والأفلام المرتبطة بأعياد الميلاد.
وفي ذلك، ذهب عمرو علي - عالم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في القاهرة - إلى القول بأن عيد الميلاد مثله مثل عيد الحب أصبح ظاهرة عالمية.
وفي مقابلة مع صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية، قال إن الاحتفال بهذه المناسبات بات أيضا طريقة يحتفل الشباب العربي بما يرونه تقليدا أوروبيا تقدميا أو احتفالا رومانسيا.
بيد أنه في العراق اتخذ الاحتفال بعيد الميلاد منحى سياسيا فبعد هزيمة داعش عام 2017، نقلت وسائل إعلام محلية عن عراقيين قولهم إنهم يحتفلون بعيد الميلاد لإظهار التسامح والتضامن مع الأقليات التي عانت وتعرضت للاضطهاد على يد التنظيم المتطرف.
أما المطران بشار متي وردة - رئيس أساقفة أبرشية أربيل الكلدانية – فيرى أن كل هذه الأمور جميعا قد تكون وراء تزايد شعبية الاحتفال بأعياد الميلاد في العراق.
وفي مقابلة مع DW، قال المطران "لكن كعراقي، أعتقد أن الأمر قد يرجع إلى فحوى ومضمون رسالة عيد الميلاد وهي رسالة مليئة بالفرح. لقد مر الشعب العراقي بالكثير من الأوقات الصعبة على مدار العقود الماضية. هذه طريقة ليست فقط للاحتفال بعيد الميلاد وإنما أيضا لمحاربة حالة اليأس".
وأشار المطران إلى أنه خلال زيارة بابا الفاتيكان البابا فرانسيس العراق في يوليو / تموز الماضي شارك في استقباله والاحتفال بقدومه العديد من المسلمين، مضيفا "لقد رأينا الكثير من الناس يشاركون، ليس فقط المسيحيين. إن الأمر يتجاوز إظهار التسامح إلى الرغبة في البحث عن أي أمر قد يبعث على الفرح".
انتقادات رجال الدين
ورغم تزايد شعبية الاحتفال بعيد الميلاد في العراق، إلا أن هذا الاحتفال من قبل المسلمين يتعرض لانتقادات من بعض رجال الدين المحافظين.
وتتباين أشكال هذه الانتقادات من التسامح الضمني لوضع زينة وإعطاء هدايا لكن شريطة ألا يدخل في طيات الأمر أي طقوس دينية وإلى إلقاء اللوم على مشاركة المسلمين حفلات عيد الميلاد حيث تقدم بعد الكحوليات وحتى المنع والحظر التام لأي شي قد يرتبط بالمسيحية باعتبار ذلك يعني إظهار حماس أقل للاحتفال بأعياد المسلمين.
وقد أصدر بعض رجال الدين المحافظين فتاوى ضد الاحتفال بعيد الميلاد إذ أعلن مفتي الديار العراقية مهدي الصميدعي خلال خطبة الجمعة عام 2018 عدم جواز الاحتفال بأعياد رأس السنة وعيد الميلاد، معتبرا أن من يحتفل بها كأنه يعترف بـ"عقيدة دينية لدى المسيحيين".
بيد أن هذا التصريح أثار حالة غضب من العراقيين ومن السلطات الدينية سواء الإسلامية أوالمسيحية إذ أكدوا أن المسيحية جزء من النسيج الاجتماعي في العراق منذ زمن بعيد.
المزيد من التسامح
أما الصحافية العراقية خلود فترى أن الأوساط العراقية المحافظة تنظر بعين الريبة إلى هذه المناسبات، مضيفة أن احتفال الأسر العراقية بعيد الميلاد يتباين من أسرة إلى أخرى.
وقالت "أنا كمسلمة ملتزمة بالدين الإسلامي، لا أعتقد أنه يهم أن تكون مسلما أو مسيحيا. ما يهم هو أننا جميعا نؤمن بالله. هذا هو الشيء المهم بالنسبة لي."
وبالنسبة للمطران بشار متي وردة - رئيس أساقفة أبرشية أربيل الكلدانية - فهو يعتقد أن تزايد احتفال العراقيين بعيد الميلاد يعد أمرا إيجابيا وقد يصب في صالح تحسين وضع الأقلية المسيحية.
وأضاف "يحدوني الأمل أن يكشف (الاحتفال بعيد الميلاد) للمجتمع العراقي أنه لديه أقليات تتميز بأشياء مثل أعياد وأغاني وغيرها ..لتكون الرسالة للجميع في نهاية المطاف مفادها أن هذه الأقليات هي جزء هام من المجتمع العراقي ويجب أن تبقى في العراق ولا ترحل".
كاثرين شاير / م ع