غزةـ صدى الاحتجاجات يتجاوز جامعات أمريكا في عام انتخابي حاسم
٩ مايو ٢٠٢٤يسأل الكثير من الأمريكيين أنفسهم عما يحدث داخل الحرم الجامعي، للعديد من الجامعات العريقة، خلال الأسابيع القليلة في تكرار لسؤال كان محور أغنية تعود لحقبة سبعينيات القرن الماضي لأسطورة الغناء الأمريكي مارفن غاي تحت عنوان "ماذا يحدث؟".
ويتردد في الوقت الراهن داخل الجامعات الأمريكية صدى هذه الأغنية التي صدرت إبان حقبة الاضطرابات المدنية التي أشعلتها الحروب والعنصرية وخيبة الأمل من الساسة الأمريكيين في فترة السبعينيات في وقت كان يشعر فيه طلاب الجامعات الأمريكية برغبتهم في إحداث تغيير كبير.
وبعد أكثر من 50 عاما، تخرج احتجاجات طلابية في جامعات أمريكية عديدة ضد ما يصفه البعض بـ "إبادة جماعية تُبث حيا على هواتفهم وضد رئيس ديمقراطي يدعم ذلك بالكامل"، وفقا لتعبير لي رايفورد، أستاذة الدراسات الأمريكية-الأفريقية بجامعة كاليفورنيا في بيركلي.
ففي مقابلة مع DW، قالت إن "هناك جيل كامل من الناس لن يصوتوا للحزب الديمقراطي ولن يصوتوا لصالح (الرئيس الأمريكي) جو بايدن"، مشيرة إلى أن معاملة إسرائيل للفلسطينيين ستؤثر على قرار الكثير من الناخبين خلال الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نوفمبر / تشرين الثاني المقبل.
ويأتي ذلك في تناقض صارخ مع ما وقع خلال انتخابات عام 2020 عندما تمكن المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي آنذاك جو بايدن من هزيمة الرئيس الحالي آنذاك لمنافسه دونالد ترامب حيث حصل بايدن على دعم من الشباب الذين انخرطوا في حركة "حياة السود مهمة" الاحتجاجية.
ورغم اختلاف السبب بين تلك الاحتجاجات والمظاهرات الحالية، إلا أن القاسم المشترك يتمثل في السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية بالتزامن مع عام انتخابي بامتياز يشهد تكرارا لسباق عام 2020 حيث يدخل ترامب وبايدن في منافسة انتخابية جديدة.
وبغض النظر عما تتحدث عنه نتائج استطلاعات الرأي، فقد حاول بايدن إظهار التوازن بين دعمه العسكري الثابت لإسرائيل من جهة وبين الرغبة في التقليل من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين وهو ما تجلى في دعوته المتكررة خلال الأسابيع الأخيرة للتوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار.
مطالب الاحتجاجات الطلابية في أمريكا؟
وشهدت العديد من الجامعات الأمريكية موجة مظاهرات اُطلق عليها "وقفات احتجاجية مناهضة للإبادة الجماعية" حيث دعا المتظاهرون إلى وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة المستمرة منذ سبعة أشهر والتي جاءت ردا على هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي أسفر عن مقتل أكثر من 1160 شخصًا، معظمهم مدنيّون، حسب حصيلة أعدّتها وكالة فرانس برس تستند إلى أرقام رسميّة إسرائيليّة.
ويذكر أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وأسفرت العمليات العسكرية في غزة عن مقتل أكثر من 35 ألفا حتى الآن، بحسب السلطات الصحية التابعة لحماس في غزة. وتفيد الأمم المتحدة أن الأطفال يشكلون نصف حصيلة القتلى.
ورغم تباين مطالب الطلاب والطالبات، إلا أن الكثيرين منهم يرغبون من الولايات المتحدة باعتبارها المورد الرئيسي للأسلحة لإسرائيل، أن تُقدم على إنهاء التزامها الصارم تجاه إسرائيل بحسب وصف بايدن. وفي تعليقه، قال بايدن إن الاحتجاجات الطلابية لن تغير موقفه رغم أن إدارته أوقفت شحنة ذخيرة أمريكية الصنع إلى إسرائيل لأول مرة منذ السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، بحسب موقع "أكسيوس" الإخباري الأمريكي.
ويريد عدد من الطلاب المنخرطين في الاحتجاجات الحالية، من مجالس إدارة جامعاتهم التخلص من الأصول المالية في الصناعة العسكرية وأيضا إنهاء الارتباط بإسرائيل. ومع اقتراب موسم الامتحانات وتحت ضغط من المانحين الأثرياء والسياسيين الذين لديهم حساسية تجاه انتقاد إسرائيل، قررت العديد من الجامعات استدعاء الشرطة للحفاظ على السلامة داخل الجامعات.
وجرى اعتقال 2300 متظاهر على خلفية الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية فيما أفادت تقارير باستخدام الشرطة القوة المفرطة لتفريق المحتجين. وتعرضت الشرطة لانتقادات في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بسبب عدم اتخاذهم تدابير قوية عندما هاجم متظاهرون ملثمون مؤيدون لإسرائيل مخيما احتجاجيا مؤيدا للفلسطينيين داخل الحرم الجامعي أزالته الشرطة لاحقا. وأظهرت لقطات مصورة على منصات التواصل الاجتماعي ترديد المتظاهرين هتافات منتقدة للشرطة مثل "أين انتم أمس؟"
"تشويه" سمعة الحركات الاحتجاجية؟
وقال عمرو شبيك، المدير القانوني لفرع "مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير" في لوس أنجلوس، إن ما يحدث في الجامعات الأمريكية يعد "مثالا جديدا على قمع الكليات والجامعات للخطاب الطلابي المؤيد للفلسطينيين".
ومع وضع في الاعتبار مقتل نحو 1200 شخص - العديد منهم من المدنيين - خلال هجوم حماس الإرهابي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، استدل مؤيدو إسرائيل بمضايقات أو تهديدات موجهة ضد الطلاب اليهود مع تقديمهم أدلة غير قاطعة تزعم وجود صلة بين الحركة الاحتجاجية الحالية ومنظمات أجنبية مثل حماس.
بيد أن العديد من اليهود أعربوا عن تضامنهم مع المتظاهرين بل وانضموا إلى مخيمات الاحتجاجات الطلابية المعسكرات وقدموا وجبات في عشية عيد الفصح الشهر الماضي.
وكانت شرطة مدينة نيويورك قد ذكرت أن ما بين 71 إلى 40 بالمائة من الاعتقالات طالت أشخاصا ينتمون إلى الجامعات، فيما قالت لي رايفورد التي تتواجد حاليا في ألمانيا بسبب التزاماتها في الأكاديمية الأمريكية في برلين، إن هذا النوع من "دعوات التحريض الخارجي خطير ومخادع".
وأشارت إلى أن هناك "تقليد طويل يتمثل في محاولة تشويه سمعة المنظمات النشطة" في الولايات المتحدة بداية مما أُطلق عليه "الذعر الأحمر" في رمزية لحالة الخوف من الشيوعية إبان مطلع القرن العشرين وحتى المظاهرات المناهضة للحرب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
وقالت إن التاريخ أنصف هذه الحركات إذ اُتهم "مارتن لوثر كينغ بأنه محرض خارجي" من قبل أنصار الفصل العنصري الذين عارضوا المساواة في الحقوق بالولايات المتحدة في تلك الفترة. وكانت تقارير نشرتها مجلة "ذا نيشن" الأمريكية وقناة "الجزيرة" القطرية قد كشفت عن "محاولات منسقة" بين جماعات مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة وحركات إسرائيلية بهدف "قمع الأصوات" المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة خاصة داخل الجامعات.
حرية التعبير مقابل الأمن
ومجددا، وجدت الجامعات الأمريكية نفسها بين حجري الرحى، إذ تتمتع حرية التعبير بحماية دستورية في الولايات المتحدة أكثر مقارنة بالعديد من الدول الغربية، لكن الحفاظ على السلامة والحصول على التعليم يدخلان في نطاق الحقوق المضمونة.
وفي رسالة مفتوحة إلى مسؤولي الجامعات، قال المدير التنفيذي لاتحاد الحريات المدنية الأمريكي أنتوني دي روميرو، إنهم يمتلكون "التزامات قانونية لمكافحة التمييز مع مسؤولية الحفاظ على النظام، لكن من الضروري عدم التضحية بمبادئ الحرية الأكاديمية بما في ذلك حرية التعبير التي تعد جوهر المهمة التعليمية لمؤسستكم الموقرة."
وقالت رايفورد إنه يدخل في نطاق هذه المهمة تدريس القيم الاجتماعية والأخلاقية للطلاب حتى يتمكنوا من "تغيير العالم" وهو الأمر الذي يتعارض مع منظومة التعليم العالي في الولايات المتحدة التي غالبا ما تكون بمثابة "أداة لتعزيز قوة النخبة".
وتستفيد الجامعات الكبرى مثل جامعة كولومبيا وجامعة شيكاغو من السمعة التي اكتسبتها هيئتها الطلابية فيما يتعلق بالانخراط في الحركات التي تدعو إلى التغيير الاجتماعي والسياسي وهو ما بات موضع انتقاد مع بدء الاحتجاجات الطلابية، رغم أنه أضحى موضع إشادة لاحقا، لكن بعد فوات الأوان، بحسب مراقبين.
وقالت رايفورد إن مشهد قيام شرطة مكافحة الشغب باقتحام "قاعة هاميلتون" داخل حرم جامعة كولومبيا الأسبوع الماضي يشبه ما وقع قبل 56 عاما إبان الاحتجاجات المناهضة للحرب والحقوق المدنية عام 1968.
دروس من التاريخ
وفي مقابلة مع DW، قال غريغوري باين، رئيس قسم دراسات الاتصال بجامعة إيمرسون بولاية بوسطن الأمريكية، إننا "نعاصر فترة انقسام كما حدث عام 1970 حيث نعاني من فشل في القيادة من القمة إلى القاع".
ورغم أن جامعة إيمرسون تعد واحدة من أصغر الجامعات في الولاية، إلا أنها شهدت احتجاجات متضامنة مع الفلسطينيين فيما اعتقلت الشرطة أكثر من مئة شخص قرب الحرم الجامعي أواخر الشهر المنصرم فضلا عن قيامها بإزالة مخيم احتجاجي قالت الشرطة إنه أُقيم على ممتلكات عامة ما يمثل انتهاكا للقوانين المدنية.
ويقول مراقبون إن الوضع قد يتصاعد في جميع أنحاء الولايات المتحدة خاصة مع تعرض بايدن وحكام الولايات لضغوط من أجل استدعاء الحرس الوطني لمواجهة المتظاهرين.
وكان ترامب قد اقترح على بعض حكام الولايات استدعاء الحرس الوطني لمواجهة مظاهرات، فيما رفض أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي مقترحا طرحه رئيس مجلس النواب مايك جونسون لاستدعاء الحرس الوطني إلى حرم الجامعات.
ويشير المراقبون إلى أن احتمالية استدعاء الحرس الوطني تحمل في طياتها بعدا تاريخيا إذ في مايو / آيار عام 1970، فتحت قوات الحرس الوطني في ولاية أوهايو النار على مظاهرة مناهضة للحرب في جامعة ولاية كينت، مما أسفر عن مقتل أربعة طلاب وإصابة تسعة آخرين.
ورغم أن تلك الواقعة لم تكن التصادم الدموي الوحيد بين المتظاهرين والسلطات في تلك الحقبة، إلا أنها بقيت راسخة في الأذهان. وفي ذلك، قال بايدن إن "الحوار يعد الشيء المهم والمطلوب في الوقت الراهن".
أعده للعربية: محمد فرحان