هل يطرق الانفتاح باب المؤسسة الدينية السعودية؟
١٥ فبراير ٢٠١٨"أكثر من تسعين في المائة من المسلمات الملتزمات في العالم الإسلامي، لا يعرفن العباءات ونحن نراهن في مكة والمدينة. هناك نساء ملتزمات حافظات القرآن ومن الداعيات إلى الله، لكن ما عندهن (ليس لديهن) عباءات"، مشدداً، على أن المرأة ليست ملزمة بارتداء العباءة. "كانت هذه هي فتوى الشيخ عبد الله المطلق، ، عبر أثير نداء الإسلام، والتي فتحت الباب أمام نقاش جديد في السعودية حول قضية المرأة ولباسها، حسب ما تناقلته مجموعة من المواقع.
لم تمر ساعات كثيرة بعد انتشارها ضمن برنامجه الأسبوعي، حتى أمطر رواد موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بهاشتاغ: المطلق-العباية-غير الزامية. وقد تجاوز عدد التغريدات في هذا الإطار 40 ألف تغريده.
لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل اصطف إلى جانب الهاشتاغ الأول إثنان آخران، جاءا على لسان مواطنين عاديين ومهتمين بالمجال الديني في البلد، قرأ الأول "توضيح- الشيخ- المطلق" فيما غرد الثاني" لا تجعلوا-من العادات-عبادة".
توضيح الشيخ المطلق
حاول المطلق التخفيف من فتواه، فبعد ساعات من إثارة الجدل الواسع، أصدر بياناً رسمياً يوضح فيه أكثر ما جاء في جوابه عن سؤال وُجِه إليه عبر الأثير. وأكد في توضيحه على أن الأمر يخص مسلمات العالم، وليس السعوديات لوحدهن. وفي توضيحه هذا، نفى المطلق أن يكون الهدف من فتواه الدعوة إلى خلع الحجاب وإشاعة السفور والتبرج، كما زعم البعض.
وجاء في البيان: "كل لباس يحصل به الستر، وتتوافر فيه الشروط الشرعية، هو حجاب مقبول، ما دام ساتراً جميع البدن وفضفاضا، ولا يبين تفاصيله"، وأضاف: "فلا ينبغي حمل جميع نساء المسلمين في جميع العالم- بمختلف بلدانهم، ومذاهبهم- على لبس ما تعارف عليه في مجتمع ما من أنواع العباءات، على أنه هو الحجاب دون غيره؛ فلكل مجتمع خصوصيته".
العباءة، عادة أم عبادة؟
"قل للمليحة في الخمار الأسود- ماذا فعلت بناسك متعبد"، بيت شعري شهير يكاد يتذكره كل مستمعي الأغنية العربية، والشعر أيضا. لكن لا يعرف الجميع حقيقة قصته مع الشاعر مسكين الدرامي، حيث تحكي قصص التاريخ عن تاجر عراقي قدم إلى المدينة المنورة لبيع الخُمُر (جمع خمار) فاستطاع أن يقنع زبائنه بكل الألوان عدا الأسود. وفي تلك الرحلة، يلتقي التاجر القادم من الكوفة بالشاعر الدرامي، فيخلصه من الخُمر السودعن طريق نظمه لهذه الأبيات.
قد تبدو القصة عادية جدا، لكن ثناياها تحمل تاريخا يفصح عن نوع اللباس والألوان المعتمدة من طرف النساء، كما يشي بعدم ارتداء السعوديات ( الحجازيات) السواد من قبل. وهو الأمر الذي جعل كثير من رواد "تويتر" يطلقون هاشتاغ: لا تجعلوا-من العادات-عبادة. حيث تساءلوا عن مدى ارتباط هذا اللباس بالدين وعن إمكانية استنباطه من العادات والتقاليد.
وبهذا الخصوص، كانت أميمة الخميس، الصحافية والباحثة النسوية السعودية، قد ذكرت في مقال بحثي لها، في صحيفة الوطن السعودية بعددها الصادر في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2014: " الآن مع انحسار المد الصحوي والخواء الفكري الذي من الممكن أن يحل بديلاً للطروحات السابقة، وقعت العباءة ضحية مد استهلاكي وأحد تجليات ثقافة الصورة الفاقعة،" وأضافت مفسرة: "وباتت سوقا استهلاكية للنساء سواء كمستهلكات أو مصممات، بشكل يجعلنا نتأكد أن العباءة السوداء ترسخت كجزء من المكون الثقافي لدينا، وهي أيضا تستجيب بحساسية بالغة للمتغيرات الاجتماعية... بشكل قد يصور المرأة ماكرة وحساسة."
المؤسسة الدينية جزء من التغيير!
فتوى عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، لم تقف عند الزامية ارتداء العباءة أو عدمها، وإنما تجاوزتها، فربطها كثيرون بالمؤسسة الدينية، متسائلين عما إذا كان المخطط الاستراتيجي" رؤية 2030 " للبلد يتعدى الجانب السياسي والاقتصادي ليشمل الديني كذلك.
عادل اللطيفي، الأستاذ بجامعة السوربون والخبير في الشأن السعودي، أجاب عن هذا السؤال في تصريح خص به DWعربية. معتبراً أنّ من الضروري الوقوف عند نقطتين أولاهما: توقيت إطلاق الفتوى، والذي يأتي ضمن السياق الجديد الذي تريد السلطات السعودية من خلاله أن تبدو دولة منفتحة نسبيا أمن خلال إرادة سياسية فعلية لتغيير الواقع. أما النقطة الثانية، فقد ربطها اللطيفي، بكون مسألة العباءة تدخل في مجال التقاليد الاجتماعية اكثر من المجال الديني.
مبادرة ذاتية أم ضغوط خارجية؟
تعتبر فتوى المطلق، من أهم الفتاوى التي أصدرها عضو في هيئة كبار العلماء، التي تعرف باعتمادها على المذهب الحنبلي "المتشدد"، حسب ما غرد به البعض، بل وصل بهم التفكير إلى أن التغييرات التي تطرأ في البلد وفي المؤسسة الدينية بالتحديد قد تكون نتجية ضغوط خارجية وليست مبادرة نابعة من داخل المملكة.
في هذا السياق، يقول اللطيفي: "هناك توجهات جديدة نحو الانفتاح... وهي مفروضة من طرف الواقع السعودي والحراك السعودي خاصة فيعالم وسائل التواصل الاجتماعي" وواصل حديثه: "ومن جانب آخر يوجد ضغط عالمي. وهذا الضغط يشكله الإعلام أكثر منه السياسة."
اللطيفي تحدث أيضا عن كون المؤسسة الدينية ملزمة بإيجاد حل وبالتالي إطلاق فتاوى من هذا النوع، وصفها بـ"المتناقضة أحيانا."
مريم مرغيش