فضيحة تدنيس جثة أفغانية تثير موجة استياء عارمة في ألمانيا
٢٥ أكتوبر ٢٠٠٦نشرت صحيفة ألمانية اليوم صورا لما وصفتهم بجنود ألمان في أفغانستان وهم يعبثون بجماجم بشرية مما أثار استياء وإدانة الأوساط العسكرية والسياسية في ألمانيا. وزعمت صحيفة "بيلد" الألمانية الصفراء واسعة الانتشار التي نشرت الصور اليوم الأربعاء بأن هذه الصور هي لجنود ألمان من قوات "إيساف" الدولية المعسكرة في أفغانستان. وأظهرت الصور جنودا وهم يرفعون جماجم بشرية أمام الكاميرا بأيديهم. وفي منظر أخر يجلس الجنود على سيارة جيب عسكرية ويعرضون رأس إنسان على سيارتهم بعد أن غرسوا الجمجمة على سيخ حديدي. وبينما اخذ احد الجنود وضعا أمام الكاميرا لالتقاط صورة له مع الرأس البشري، ظهر اخر وهو يجذب الجمجمة صوب قضيبه العاري.
هذا ولم تشر الصحيفة الى كيفية تيقنها من أن الصور حقيقية كما انها لم تذكر كيف حصلت على الصور التي تقول إنها أخذت الجنود أثناء جولة روتينية صباحية حول العاصمة الأفغانية كابول. وأضافت نقلا عن عضو بالجيش لم تذكر اسمه أن الصور التقطت خلال ربيع عام 2005. كما إنه من غير المعروف حتى الآن مصادر هذه الرؤوس البشرية التي تعتقد الصحيفة بأنها ربما ترجع لقتلى في مقبرة جماعية بالقرب من كابول، وليس من المعروف أيضا ما إذا كانت الجماجم تعود لرفاة أفغان أو جنود روس قضوا أثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان بين عامي 1980 و 1989.
موجة استياء عارمة و وزارة الدفاع تبدأ التحقيق
وأثارت هذه الحادثة موجة من الاستياء في الأوساط العسكرية والسياسية التي أجمعت تقريبا على إدانة هذا العمل وطالبت بسرعة التحقيق وكشف الحقيقة ومعاقبة الفاعلين. وسارع وزير الدفاع الألماني فرانتس يوزيف يونج إلى القول بأن هذه الصور "تثير الاشمئزاز". وأضاف الوزير الألماني "دون شك لا يمكن أن يكون هناك مبرر لمثل هذا السلوك (...) على أي حال من الأحوال". ووعد يونج، التي أعلنت وزاراته بدء التحقيق حول هذه الصور، باتخاذ إجراءات تأديبية وقانونية إذا لزم الأمر، حسب تعبيره. من جانبه قال رئيس رابطة الجيش الألماني، بيرنهارد جيرتز بأن هذه الصور "التي تبدو فعلا لجنود ألمان ولا يوجد سبب منطقي للشك في ذلك" هي "بشعة و مثيرة للاشمئزاز" مطالبا بضرورة توضيح الحقيقة واتخاذ الإجراءات العقابية والتأديبية، لأن "مثل هؤلاء الناس لسنا بحاجة لهم في صفوف جيشنا". ودانت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل سلوك الجنود بشدة ووصفت الصورة بانها "صادمة وفظيعة." وقالت ميركل "كلنا رأينا الصور اليوم علينا ان ننظر اليها وهي صادمة وفظيعة ولا تغتفر. الحكومة الالمانية ستقوم بالتحقيق ضد الجنود الذين لعبوا دورا في ذلك وتتخذ اشد الإجراءات صرامة. مثل ذلك السلوك لايمكن الدفاع عنه."
أما ممثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي في لجنة الدفاع في البرلمان الألماني، راينر ارنولد، فقال: "مثل هؤلاء الجنود ليس لديهم مكان في الجيش الألماني". كما طالب البرلماني الألماني بإجراءات قاسية معتبرا أن هذه الصور "ألحقت ضرراً كبيراً بصورة الجيش الألماني". ومن جانبها أعربت ممثلة حزب اليسار الجديد المعارض، بيترا باو، عن "صدمتها" من هذه الصور، وطالبت بتوضيح ملابسات الحادثة للرأي العام. أما فينفريد ناختفاي، المسئول في حزب الخضر المعارض فاعتبر هذه الصور بمثابة "عار".
توقيت حساس بالنسبة للمؤسستين السياسية والعسكرية
يأتي نشر مثل هذه الصور في وقت حساس، ليس فقط للحكومة الألمانية فقط، بل أيضا لوزارة الدفاع الألمانية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد من شدة المعارضة للسياسة الأمنية التي تنتهجها الحكومة الحالية. فهناك من جهة مزاعم من قبل أحد المواطنين الأتراك المقيم بصفة دائمة في ألمانيا بتعرضه للإساءة من قبل جنود ألمان عقب القبض عليه في باكستان قبل إرساله إلى قاعدة غوانتينامو الأمريكية. ويجري حاليا التحقيق في صحة هذه المزاعم.
ومن جهة أخرى تصادف نشر هذه الصور مع عزم الحكومة الألمانية مناقشة تمديد فترة عمل قواتها المعسكرة في أفغانستان مما قد يزيد من أيضا من المعارضة داخل البلاد للتواجد الألماني فيها. وتتمثل حساسية الوضع من ناحية ثالثة بتوجه الحكومة الألمانية نحو إقرار ما يعرف بـ "الكتاب الأبيض" حول صياغة سياسة أمنية ألمانية جديدة ودور ومسؤولية الجيش الألماني في المشاركة في مهام خارج البلاد في ظل معارضة داخلية لإقحام المؤسسة العسكرية الألمانية في مناطق الحروب والأزمات. الجدير بالذكر ان هذه السياسة الجديدة تمثل خطوط عريضة لدور الجيش الألماني خلال الخمس السنوات القادمة في ظل توجه الحزب الديمقراطي المسيحي، وهو القطب الرئيسي في الحكومة الحالية، إلى توكيل مهام بوليسية للجيش الألماني رغم أن الدستور الألماني يحظر ذلك.