فنانو مصر: حيرة بين البهجة وحدود الإسلام السياسي
١٥ ديسمبر ٢٠١١"اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا "، هكذا تقول عبارة الافتتاح في الصفحة الرسمية لحزب الحرية والعدالة على موقع فيس بوك. الصفحة حاولت أن تطمئن المخاوف من نهج الإخوان المسلمين ضد الأنشطة الفنية لو أحرزوا الأغلبية في مجلس الشعب برسالة قصيرة مطلعها: "لمن يقول إن الإخوان ضد الفن: حنان ترك صوتت للإخوان"، دون أن يذكر الموقع أن الفنانة حنان ترك اختارت الحجاب عام 2006 زيا لها ونشطت في تنظيم محلات بيع الحجاب ومراكز تجمع المحجبات.
الفنانون المصريون ( السينمائيون والمطربون منهم على وجه الخصوص) منقسمون بشدة بشأن تصوراتهم عن وضع الفن، هذا الانقسام في مجمله يدور في محورين: الفرح بالتغيير المفعم بالتفاؤل، وهواجس ومخاوف من تغيير استهلته الأصوات السلفية برفض تام للفن كمفهوم باعتباره " عبث يلهي عن ذكر الله"، على حد وصفهم.
"لا أريد أن أكون جزءا من مؤسسات ثقافية تنهار"
هذه المخاوف بلغت مدى بعيدا في نفس مؤسس فرقة الرقص المسرحي الحديث بدار الأوبرا المصرية، الفنان اللبناني الأصل وليد عوني، الأمر الذي دفعه إلى تقديم استقالته من منصبه في وزارة الثقافة قبل بضعة أسابيع. دويتشه فيله تحدثت إلى الفنان وليد عوني، الذي درس الفن ومارسه سنوات طويلة في بلجيكا قبل أن ينتقل إلى مصر مطلع تسعينات القرن الماضي ليستأنف مسيرته الفنية فيها. عوني بدا في حديثه بشأن مستقبل الفن في مصر سوداويا، و يصف مشاعره بالقول" الفن سيضمحل في مصر وقد قدمت لذلك استقالتي من وزارة الثقافة قبل نحو شهر بعد أن لم اعد أطيق التفكير بالعمل في هذه الأجواء، لكن هذا الأجراء من جانبي يأتي من باب الحذر مما قد يفرزه المستقبل الذي أراه معتما في هذا الجانب، أنا لا أريد أن أكون جزءا من مؤسسات ثقافية تنهار، ومؤسسات اقتصادية تنهار هي الأخرى، كما لا أريد أن أكون جزءا من عقلية تنهار فكريا ، طبعا قد ينطبق هذا الوصف على خمسين بالمائة من الناس الذين يتغيرون بسرعة في هذه المرحلة مغيرين مبادئهم في مسعى للتمسك برجعية ترفض الفن الذي كرست كل عمري له".
"الإسلام الوسطي المصري يختلف جذريا عن الإسلام الصحراوي"
هذه الرؤية المعتمة لمستقبل الفن في مصر لا تروق لكثير من المهتمين بالمشهد الثقافي المصري، وهم يرون أن مصر لا تصلح أن تكون جمهورية إسلامية وفق النموذج الإيراني لأسباب تتعلق بالقاعدة التي سيعتمدها الأخوان في الحكم والتي تختلف جذريا عن نظرية ولاية الفقيه المعتمدة في إيران، وهذا يعني أن الأخوان لن يمتلكوا السلطة الدينية التي تتمتع بها النخبة السياسية في إيران، وهذا ما ذهب إليه المحرر الثقافي في صحيفة الأهرام القاهرية الصحفي سيد محمد في حديثه مع دويتشه فيله مشيرا إلى " وجود مخاوف عند البعض من الإسلام السياسي في مصر، وهذه المخاوف مستندة إلى مؤشرات واضحة، لكننا يجب أن لا نغفل حقيقة تصور المصريين عن الدين، فالإنسان المصري العادي هو مسلم وسطي مهما بلغت درجة تدينه، ومؤسسة الأزهر تسعى اليوم إلى إحياء دورها من خلال التأكيد على الإسلام الوسطي المصري. وهو يختلف جذريا عما يسمى بالإسلام الصحراوي، وهو النموذج السلفي الوهابي الموجود في بعض دول الجزيرة العربية والذي وفد إلى مصر من خلال المصريين الذين عملوا في دول الخليج وجلبوا معهم هذه النسخة من الإسلام".
ويبدو أن مخاوف الفنانين على مستقبلهم تنبع في الأساس من عدم وجود موقف معلن واضح للقوى الإسلامية التي توصف ب"المعتدلة" من قضية الفن. و هذا ما يؤكده الصحفي سيد محمود بالقول" المشكلة الأساسية إلى الآن هي انه لم يصدر بيان واضح من الأخوان المسلمين بشأن مستقبل تعاملهم مع المسائل المتعلقة بحرية الرأي والتعبير. وهو أمر يفزع المثقفين على نحو واضح مما دفع "أتيلييه القاهرة" إلى عقد ندوة موسعة لمناقشة كل الهواجس". ومضى المحرر الثقافي في صحيفة الأهرام إلى القول" أنا بطبعي متفائل بشأن المستقبل، وعلينا أن نذكر واقعة حدثت قبل أيام، حين قام القائد السلفي عبد المنعم الشحات بسب أدب نجيب محفوظ من على شاشة التلفزيون قبل 48 ساعة من التصويت، فتلقى هزيمة ساحقة في قاعدته الأقوى الإسكندرية ولم يفز بمقعد برلماني مع انه كان من أقوى قادة السلفيين في منطقته، وهذا يعني أن الوعي الشعبي الذي شاهدناه في مدينة تمتاز بحضور سلفي قوي سوف يمتد إلى مناطق مصر الأخرى، وبالتالي فإن القوى الدينية لو تولت السلطة فلن تستطيع أن تمس تفاصيل الحياة اليومية في مصر وهي تفاصيل تقوم على البهجة، وفي اعتقادي أن الشخصية المصرية قادرة على الدفاع عن مكتسباتها الثقافية وعن ذاكرتها".
" مستحيل أن يضع حزب الحرية والعدالة حدودا للفن"
أعرب نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور، في حديث مع صحيفة اليوم السابع المصرية، عن اعتقاده بأن الإسلاميين لن يتعاملوا مع الفن برجعية، مشيرا إلى أن منهم مستثمرين ورجال أعمال وأنهم منخرطون في المجتمع منذ سنوات ومارسوا العمل السياسي والاجتماعي طوال عقود.
وهذا يتفق مع رأي الذين يدعون إلى التفريق بين التوجه السلفي وبين التوجه الإسلامي ( ممثلا بالإخوان المسلمين)، معتمدين على أن الأخوان يمتلكون إرثا سياسيا يمتد إلى نحو 80 عامل اكتسبوا خلالها تجربة وخبرة في التعامل مع القضايا المفصلية والمصيرية في مصر وفي طليعتها الثقافة. وهذا ما أشار إليه المخرج السينمائي أكرم فريد الذي تحدث من القاهرة إلى دويتشه فيله مؤكدا " أقول على مسؤوليتي الشخصية : مستحيل ، مستحيل، مستحيل أن يضع حزب العدالة والحرية شروطا وحدودا على الفن، على الأقل في المرحلة الأولى أي السنتين أو السنوات الثلاث المقبلة، لأنه إن فعل ذلك سيكسب عداء جزء كبير من الشعب المصري الذي لن ينتخبه في المرة القادمة، ومثال عبد المنعم الشحات وما جرى له ما زال حاضرا في الأذهان، و أقول هنا أن الوضع في مصر لن يكون بأي حال مثل الوضع في إيران مثلا، ففي مصر ملايين الأقباط ولن يمكن لأي حكومة أن تفرض عليهم ارتداء الحجاب الإسلامي ، وإذا شاء الإسلاميون أن يتخذوا النموذج الإيراني مثالا فستقوم ثورة أخرى ".
الكاتب: ملهم الملائكة
مراجعة: حسن ع. حسين