فوبرتال: مدينة القطار المعلق في أجواء عريقة
لا يسيرالقطار في مدينة فوبرتال على السكة الحديدية، بل هو معلق بها. وبفضل هذا القطار يمكنك عبور نهر فوبر Wupper، والذي سميت المدينة نسبة إليه، دون أن تتبلل قدماك. وقد تم تدشين سكة القطار المعلق عام 1900 على يد القيصر الألماني فيلهلم الثاني. أما الشاعرة الألمانية إلزه لاسكر شولر فوصفت رمز مدينتها أي القطار المعلق بأنه تنين فولاذي برؤوس كثيرة (المحطات التي يقف فيها)، وعيون تقدح شرراً (كشافاته الأمامية) وهو يحلق ويلتوي فوق النهر الأسود. ولم يشارك كل المواطنين هذه الشاعرة الكبيرة حماسها في البداية، حتى أن مخترع هذا القطار كان يسميه بتحفظ ملموس "ذلك الشيء".
سقوط الفيلة
قد تصلح وسيلة النقل المعلقة هذه لنقل أشياء كثيرة، لكن ليس لنقل الفيلة. "توفي" على سبيل المثال، هو فيل صغير أراد منه صاحبه أن يقوم بالترويج للسيرك الذي يقيمه في مدينة فوبرتال، فقام باصطحابه في جولة صغيرة في القطار المعلق، لكن الفيل الصغير فزع وقام بدفع باب العربة بساقه، ثم هوى وسقط في نهر "فوبر". وما كان لهذا الفيل الصغير، إلا أن أضاف إلى خدوشه بعض الخدوش، وإلى قصص فوبرتال قصة فكاهية أخرى. وتجد اليوم في فوبرتال معملاً للألبان يحمل اسم "توفي"، ولا يخلو رف من رفوف التبريد في المتاجر من لبن "توفي" وجبن "توفي". وكما ترى هنا، فكل شيء في فوبرتال يدور في النهاية بطريقة أو بأخرى حول القطار المعلق.
لا تقع في حبها من أول نظرة ...
ربما تكون مدينة فوبرتال من المدن التي قد لا تعشقها من النظرة الأولى، فهي تبدو لك للوهلة الأولى مدينة عصرية تفتقر لبلدة تاريخية قديمة. مما قد يبعث على الحيرة في تحديد نقطة انطلاق لاستكشاف هذه المدينة. ولكن ربما يعود ذلك إلى تاريخها في حد ذاته. فلقد ظلت أحياء فوبرتال وحتى بداية القرن العشرين عبارة عن ستة مدن قائمة بذاتها وجميعها تقع على نهر "فوبر"، ولم يتم لم شملها إلا عام 1929. وما زال أهالي تلك الأحياء يفتقدون حتى اليوم الإحساس بالانتماء المشترك.
...لكن من النظرة الثانية !
لكنك ما تلبث أن تقوم بجولة في أحياء هذه المدينة المختلفة لتشعر بجمال هذا التنوع التي حافظت عليه هذه الأحياء، حتى بعد اتحادها لتكون مدينة فوبرتال. فطرق التسوق الحديثة في حي "البرفلد" تختلف كلياً عن بيوت البورجوازيين الفخمة في حي "بريل". وما زالت واجهات البيوت المنمقة بالزخارف الجصية في شارع "بريلّر شتراسه" تشهد على الازدهار الاقتصادي الذي عاشته المدينة في أواخر القرن التاسع عشر، حين راجت صناعة المنسوجات في المنطقة بشكل لم تعرفه إلا مناطق قليلة أخرى. ويختلف كل حي في فوبرتال عن غيره من خلال محافظته على خصوصياته وروعته المميزة.
ترايخ صناعي
رغم كل الفوارق، إلا أن هناك شيئاً يوحّد كافة سكان فوبرتال ، ألا وهو تاريخهم الصناعي المشترك. فقد بقي الناس ومنذ أواخر العصور الوسطى يمارسون تقصير الغزل على مروج نهر "فوبر" لنسجها وضفرها فيما بعد في منازلهم، إلى أن حطت في نهاية القرن الثامن عشر، وفي ظل التصنيع، الآلات والمصانع رحالها على ضفاف نهر "فوبر". وأسفر هذا عن ثراء القليلين وفقر وبؤس الكثيرين.
لقد شاهد "فريدريش إنغلس (1820 ـ 1895) الذي أصبح فيما بعد صديقاً ومشجعاً لـ"كارل ماركس (1818 ـ 1883) هذا البؤس الاجتماعي الذي عاشه عمال الغزل والنسيج في فوبرتال وهو في سن الصغر، وكان لانطباعاته أثر على فكرة الماركسية النظرية. ويوجد اليوم في فوبرتال "متحف لفجر التصنيع" يحمل اسمه، ألا وهو "بيت إنغلس".