في مرمى النيران الصديقة.. ماذا يجري بين السعودية والإمارات؟
١٧ نوفمبر ٢٠٢١تشهد السعودية في الآونة الأخيرة تغييرات متعددة على المستوى الاقتصادي، كان أبرزها تعديل التعرفة الجمركية على المنافذ الحدودية السعودية. على أن أكثر من أثار الأمر استغرابهم هم الإماراتيون، الحليف الأهم للسعودية.
سبق ذلك القرار قرار آخر اتخذته الرياض في وقت سابق من العام الجاري ويقضي بالتوقف عن منح عقود حكومية للشركات والمؤسسات التجارية العالمية والتي توجد مقراتها الرئيسية في أي دولة أخرى بالشرق الأوسط.
وبناء على ذلك بدأت على سبيل المثال شركات الإعلام السعودية المملوكة للدولة التي توجد مقراتها في دبي في نقل الموظفين إلى الرياض، وذلك في الوقت الذي يمضي فيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قدما في خططه لتحويل المملكة إلى مركز أعمال إقليمي.
وعلى الرغم من كونهما حليفين مقربين، تتنافس السعودية والإمارات المجاورة على جذب المستثمرين والشركات وتتبنيان خططاً لتنويع اقتصاديهما لمرحلة ما بعد النفط. جاء ذلك وسط وتيرة متسارعة من تباعد مصالح البلدين خلال السنوات القليلة الماضية، وكذلك وجهات نظرهما حول قضايا في المنطقة مثل العلاقات مع إسرائيل وتركيا.
انتقال.. بالإكراه!
مؤخراً، قالت السعودية إنها منحت تراخيص إلى 44 شركة دولية لإنشاء مقرات إقليمية في العاصمة الرياض، في إطار سعي المملكة إلى أن تصبح مركزا تجاريا إقليميا والتنافس على جذب رؤوس الأموال والمهارات الأجنبية.
وذكر بيان صحفي أن هذه الشركات تشمل شركات متعددة الجنسيات في قطاعات منها التكنولوجيا والأغذية والمشروبات والاستشارات والتشييد، ومنها يونيليفر وبيكر هيوز وسيمنس. وقالت السعودية إنها ستمنح الشركات الأجنبية فرصة حتى نهاية 2023 لتأسيس مقرات لها أو المخاطرة بخسارة عقود حكومية.
تأتي هذه الخطوة في إطار جهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط عن طريق فتح مجالات جديدة تخلق أيضا فرص عمل للسعوديين وتضع المملكة في مكانة تنافسية مع الإمارات، إلى جانب تعزيز تطلعاته لتحويل السعودية إلى المركز الاقتصادي المهيمن في المنطقة، وجذب استثمارات ورؤوس أموال وخبرات أجنبية، بحسب ما أشارت صحيفة فاينانشال تايمز.
وقال فهد الرشيد الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض في بيان إن المقرات الجديدة ستضيف 67 مليار ريال سعودي (18 مليار دولار) إلى الاقتصاد وستوفر نحو 30 ألف فرصة عمل بحلول 2030. أضاف الرشيد أنه يتوقع أن تنتقل الشركات الـ 44 إلى الرياض في غضون عام، مضيفاً أن بعضها اتخذ هذه الخطوة بالفعل. وذكر أن الهدف هو انتقال 480 شركة بحلول 2030، بحسب ما نشرت وكالة رويترز.
وفي الوقت الحالي تدور نقاشات محتدمة داخل الشركات الدولية الكبرى لمعرفة ما إذا كانت ستستجيب لـ "دعوة" بن سلمان بنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض، وما قد يتطلبه الأمر من تعديل أنماط حياة المديرين التنفيذيين المريحة في دبي، فيما تزايد الضغط على الشركات لتوقيع تراخيص تضفي الطابع الرسمي على خططها، على الرغم من أن الإطار التنظيمي لهذا الانتقال لا يزال غير واضح، حسبما قال أحد المسؤولين التنفيذيين لصحيفة فاينانشال تايمز.
هزة عنيفة
بالعودة الى قرار السعودية بتعديل قواعدها الخاصة بالواردات من دول الخليج المجاورة، تقول صحيفة فاينانشال تايمز إن القرار السعودي المفاجئ أدهش المديرين التنفيذيين بإحدى الشركات الإماراتية، حيث فوجئت الشركة بأن سائقي شاحناتها عندما وصلوا إلى الحدود السعودية طلب منهم تعبئة أوراق تتعلق بكل شيء تقريباً بدءًا من عبوات الكرتون إلى المنصات المعدنية.
كما اتصل مسؤولون إماراتيون على وجه السرعة بالعملاء في المملكة ليسألوا عما إذا كانوا سيقبلون بالتكلفة المتزايدة للإنتاج التي أضافتها التعريفات الجديدة وذلك بنسبة تتراوح بين 5 في المائة و 15 في المائة على المنتجات التي كان يتم شحنها من الإمارات إلى السعودية وكانت معفاة من الرسوم الجمركية لسنوات.
وبسبب القرار السعودي، تعطلت التجارة عبر الحدود لمدة أسبوع في يوليو/ تموز قبل أن يوافق عملاء الشركة الإماراتية في السعودية على تحمل "الضربة المالية" والمضي قدمًا. لكنه كان تحذيرًا قويًا من أن العلاقات الحميمة التي تمتعت بها الإمارات مع السعودية - السوق الرئيسي للعديد من الشركات الخليجية - تتعرض للاهتزاز.
مسؤول سعودي رفيع المستوى قال للصحيفة إن "العملاق يستيقظ".. وتابع: "في حين أن هذه الإجراءات ليست ضد الإمارات مطلقاً، لكن الأمر يبدو كما لو كنت نائمًا والغبار يتراكم على جسدك. ثم تستيقظ وتتخلص منه ".
وفي بداية العام أرسل ولي العهد السعودي إنذاراً نهائياً للشركات الأجنبية بنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض بحلول عام 2024 أو نسيان العقود الحكومية المربحة. بعد ذلك، غيرت الرياض لوائحها على الواردات من دول مجلس التعاون الخليجي - الإمارات والكويت وقطر وعمان والبحرين.
هذه التعديلات سحبت امتيازات التعرفة الجمركية التي كانت تحظى بها دول مجلس التعاون الخليجي خاصة السلع المصنعة في المناطق الحرة، والتي تُعفى من اللوائح بما في ذلك شرط أن تكون مملوكة بالأغلبية لمواطن خليجي، أو التي تنتجها الشركات التي يشكل الموظفون الخليجيون فيها نحو 25 في المائة من القوة العاملة.
كما علقت الرياض السفر إلى الإمارات وعدة دول أخرى، بسبب "مخاوف من فيروس كورونا"، لكن الإماراتيين فسروا ذلك على أنه رسالة أخرى "غير خفية". تم رفع الحظر بعد يومين من حديث هاتفي دار بين الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد في سبتمبر/ أيلول.
رؤية ضبابية ومنافسة محتدمة
بعض الحاضرين في قمة مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض، والتي صدر خلالها الإعلان، تحدثوا لرويترز بشرط عدم ذكر هوياتهم وأشاروا إلى استمرار الضبابية بشأن القواعد التنظيمية والضرائب والتكاليف التشغيلية المرتفعة ونقص القوة العاملة المحلية الماهرة.
وقال بعضهم إن أحد الأمثلة هو قرار المملكة المفاجئ في مايو/أيار 2020 رفع ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها. وأضافوا أن الأمور المتعلقة بالتفاوض بشأن رسوم الكهرباء ستجعل انتقال شركات الصناعات التحويلية أكثر صعوبة من الشركات المالية.
وتضع السلطات السعودية حالياً اللمسات الأخيرة قبل إطلاق مركز الملك عبد الله المالي في قلب الرياض، وهو مشروع ضخم يضم عدة ناطحات سحاب بلغت قيمته مليارات الدولارات وتم الإعلان عنه في 2006.
ويرى خبراء أنّ السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي، منخرطة بالفعل في منافسة اقتصادية محتدمة مع دبي. لكنّ وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح تحدث عن "تكامل" مع الإمارات، قائلاً إنه "إن كانت هناك منافسة فهي منافسة خلاقة مفيدة للطرفين. الكل سيستفيد من النمو والانفتاح".
وتابع الوزير السعودي أنّ "الإمارات ستستفيد من نمو المملكة. في الإمارات هم سبّاقون وناجحون وسيستمر نجاحهم وتألقهم في مجالات كثيرة بما فيه مجال اجتذاب الشركات"، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية.
تاريخ من العلاقات المتوترة
ولدى السعودية والإمارات تاريخ من العلاقات المتوترة. ففي عام 2009، أُبطلت خطط إنشاء بنك مركزي لدول مجلس التعاون الخليجي وإطلاق عملة مشتركة عندما انسحبت الإمارات، لأن المؤسسة كان مقرها الرياض وليس أبو ظبي.
ومع تولي محمد بن زايد ولاية عهد أبو ظبي ازدهرت العلاقات الثنائية حتى أصبحت الإمارات تلعب دور "الحليف الداعم" بل يقول البعض إن بن زايد أصبح المرشد الروحي لبن سلمان. لكن محللين يقولون إن العلاقة بدأت في الفتور بعد اغتيال جمال خاشقجي في 2018 ، مع قلق قادة الإمارات من آثار الواقعة عليها وعلى السعودية.
وعادت ابو ظبي لتزعج الرياض مجدداً بسحب قواتها من اليمن في عام 2019. وفي الآونة الأخيرة، اختلف الطرفان لفترة وجيزة حول حصص إنتاج النفط أوبك.
ويقول مراقبون إن ولي العهد السعودي يتفق مع نظيره الإماراتي على قضايا أساسية، مثل التهديد الإيراني وخطر حركات الإسلام السياسي، لكن كان من الواضح أن الأمير السعودي لا يريد أن تكون المملكة شريكًا صغيرًا في العلاقة.
في يوليو/تموز - الشهر الأول بعد فرض السعودية للتعريفات الجمركية الجديدة - تراجع حجم واردات الإمارات إلى المملكة بنحو الثلث. وبلغت حجم التجارة بين البلدين في عام 2019 24 مليار دولار بفائض 2.8 مليار دولار لصالح السعودية، وفقًا لإحصاءاتها الرسمية.
وتشير بيانات الإمارات إلى أن إجمالي التجارة، بما في ذلك إعادة التصدير، بلغ 30 مليار دولار في ذلك العام، مع فائض إماراتي بنحو 17 مليار دولار.
في الرياض، يصر المسؤولون على أنهم لا يستهدفون الإمارات، بل يحاولون فقط تحقيق أهدافهم الخاصة. وسواء حدث ذلك بقصد أو دون قصد، فإن الإمارات أصبحت اليوم في مرمى "النيران الصديقة".
عماد حسن