فيسترفيله: الإسلام السياسي ليس متساويا مع الإسلاموية المتطرفة
١٦ يناير ٢٠١٢هناك ثلاثة مخاطر تهدد "الربيع العربي": أولهم الإرجاع، وهو استقواء الأنظمة المُسقطة الأوتوقراطية من جديد. الخطر الثاني هو الفشل الاقتصادي المحتمل الذي سيؤدي إلى تصعيد التوترات الاجتماعية وحدوث اضطرابات جديدة. أما الخطر الثالث فهو اختراق الحركات المتطرفة الأصولية الإسلاموية للحراك الديمقراطي وانقلابها عليه.
يجب علينا دعم عمليات التحول في شمال أفريقيا والعالم العربي سياسيا واقتصاديا. يمكننا تحقيق الكثير في سبيل تحسين التوقعات الاقتصادية وفرص الحياة الشخصية للناس عبر الاستثمارات والشراكات التعليمية وفتح الأسواق بشكل أكبر.
على الصعيد السياسي يجب علينا الدفع إلى إرساء المؤسسات والعمليات الديمقراطية إلى جانب المشاركة والتعدد. كيف نتعامل في هذا الإطار مع المجموعات السياسية التي تستقي أجنداتها السياسية من المنظومات المبدئية والأخلاقية للإسلام؟ فهناك أغلبية للقوى ذات التوجه الإسلامي اتضحت في الانتخابات التي أجريت أو التي تجرى. كيف نتلاقى مع الإسلام في السياسة؟
من المهم أن تكون النظرة نزيهة وحيادية. فالإسلام السياسي ليس متساويا مع الإسلاموية المتطرفة. والتوجه الإسلامي لا يمثل في حد ذاته فكرا رجعيا معادي للحداثة والديمقراطية والحرية.
يجب علينا أن نتعلم التدقيق في النظر والتمييز. فقد دخلت أيضا مجموعات متطرفة، أي بالفعل "إسلاموية" السباق السياسي لن يكون للحوار معها أي نجاح. لكن في تونس أو المغرب على سبيل المثال نرى أنه حتى الآن كانت المجموعات الحاصلة على الأغلبية أحزابا وسطية ذات توجه إسلامي معتدل.
إنه من الضروري أن نسعى إلى الحوار مع هذه القوى المعتدلة حول علاقة الدولة بالمجتمع والسياسة بالدين. فالأحزاب المستلهمة من القيم الإسلامية والتقاليد الوطنية هي التي تمتلك أكبر فرصة في الوقت الحالي للتطور لكي تصبح على المدى الطويل أحزابا شعبية قادرة على الحصول على أغلبيات في المنطقة. ويجب علينا التحلي بالاحترام إذا ما أرادت الأحزاب في بلدان شمال أفريقيا صياغة السياسة استنادا إلى القيم الإسلامية كما أنه من البديهي أن الكثير من الأحزاب في أوروبا تشعر بالتزام بالقيم المسيحية وتسعى لتحقيق رؤياتها السياسية على هذا الأساس.
يجب أن يكون السؤال الحاسم بالنسبة لنا هو موقف الأحزاب السياسية الإسلامية من الديمقراطية. هل هي أحزاب إسلامية ديمقراطية، كما هو الحال مع خريطة الأحزاب الأوروبية التي يتواجد عليها بشكل بديهي جدا أحزاب مسيحية ديمقراطية؟ إنني على قناعة بأن العلاقة بين التوجه الإسلامي والمعتقدات الديمقراطية، بين الإسلام والديمقراطية ممكنة.
يمكن لبلدان التحول في شمال أفريقيا أن تبرهن على ذلك بشكل عملي. فعلى الأقل يشير الكثير من ممثلي القوى الإسلامية المعتدلة في شمال أفريقيا من الآن إلى تشابه خططهم مع التطورات في تركيا. فهناك أصبح حزب العدالة والتنمية – رغم كل الأمور التي يتوجب انتقادها – أقوى قوة سياسية في البلد، وهو حزب لديه جذور إسلامية قوية وفي الوقت ذاته شعور بالالتزام بالمبادئ الديمقراطية.
يجب علينا التمعن في برامج الأحزاب الإسلامية، وعلينا بشكل خاص قياس الأحزاب بأفعالها. فالأمر الهام هو الاعتراف بالديمقراطية ودولة القانون والمجتمع التعددي والتسامح الديني وكذلك بالحفاظ على السلام الداخلي والخارجي. هذه هي المقاييس الستة التي نضعها ونطالب بها. ومن يلتزم بها يمكنه الاعتماد على دعمنا.
لقد حصل حزب النهضة في تونس على الأغلبية في انتخابات المجلس التأسيسي. وأعلن ممثلو الحزب عن هدفهم المتمثل في مصالحة التقاليد والهوية الإسلامية على تحديات المجتمعات الحديثة، ولكنهم ذكروا أيضا الديمقراطية والتعددية كإطار سياسي لعملهم. وبعد الانتخابات تحالف حزب النهضة مع أحزاب علمانية، أي أحزاب ليس لديها توجه ديني. وهي إشارات مشجعة في الطريق نحو خريطة أحزاب تتخذ الأحزاب الإسلامية الديمقراطية عليها موقعا هاما. يجب علينا القيام بواجبنا من أجل الدفع بتطورات إيجابية، وهذا من خلال عرضنا للحوار والدعم للتغير المستدام في سبيل الوصول إلى مجتمع ديمقراطي تعددي.
هناك نقطة واضحة في هذا الإطار: لا يمكن التخلص من الماضي الأوتوقراطي بين يوم وليلة. فالأمر يحتاج إلى صبر ونفس طويل وهذا على الناحيتين من البحر المتوسط. لقد أطلق الربيع العربي عمليات تحول اجتماعي وتغير سياسي جذرية وعميقة. وبانتهاء الحاكم الأوتوقراطي والديكتاتوري في كل من تونس وليبيا ومصر انتهت المرحلة الثورية الأولى. أما طريق إعادة البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي - وهو أطول كثيرا – فقد بدأ لتوه.
هناك فرصة قائمة أن تستطيع القوى الإسلامية المعتدلة حفظ مكانها على المدى الطويل كأحزاب إسلامية ديمقراطية. ولدينا اهتمام كبير بتثبيت نموذج الأحزاب الإسلامية الديمقراطية. ولذلك يتوجب علينا أن ندعمه بكل ما أوتينا من قوة.
(م.س/ دويتشه فيله)
ترجمة المقال للمركز الألماني للإعلام التابع لوزارة الخارجية الألمانية