قانون جديد في ألمانيا يسمح بإقامة مقابر إسلامية
٢ يونيو ٢٠١٣إنه يوم الخميس، وهناك عمل كثير في مركز دفن المسلمين في مدينة إيسن غرب ألمانيا. فلم يتم بعد إتمام إجراءات ترحيل جثمان مسلم إلى مصر. فما العمل؟! الوقت أصبح ضيقا وموعد الرحلة اقترب. لكن، وقبل أن يهتم بالأمر، على أكرم سازور أولا، المشرف على الدفن وفق تعاليم الدين الإسلامي في مقبرة هيلو بمدينة إيسن، ترتيب مراسيم دفن ميت آخر، طالبت عائلته بدفنه على وجه السرعة .
بالنسبة للمسلمين، يتوجب دفن الميت فور وفاته. غير أن هناك قوانين وعقبات إدارية في ألمانيا تعرقل ذلك. ويوضح أكرم سازور أنه "من المستحيل دفن المسلم في نفس يوم وفاته. لأن على إدارة المقابر حفر القبور، وهذا ما يجعلها تضع يوما إلى يومين كحد أدنى لاستقبال الموتى". ولهذا لا مجال لتحقيق رغبة العائلات المسلمة في تسريع عملية الدفن. غير أن رجل الدين إيرول بورلو يشير إلى أن رغبة العائلات هذه مستقاة من السيرة النبوية، "لأن النصوص القرآنية لا تشير سوى إلى طريقة الدفن".
في تلك الأثناء، كان أهالي الميت قد اجتمعوا أمام مسجد مولانا بمدينة إيسن الألمانية، وبات بالإمكان البدء بغسل الميت. ولا يسمح سوى للإمام ولأقارب الميت من نفس جنسه، بدخول قاعة غسله. "جرت العادة لدينا نحن المسلمون، أن يشارك أقارب الميت في غسله"، يقول أكرم سازور. والعديد منهم يرغبون في ذلك أيضا، "المهم أن يوفر لهم الماء الدافئ والجاري"، كما يضيف سازور. وبعد غسل الميت، يكفن ويوضع في تابوت ثم يشيّع إلى المقبرة. ونزولا عند رغبة العائلة ستتم الصلاة عليه في المقبرة.
ولأن الدين الإسلامي يقتضي دفن جثة الميت بدون التابوت، تم تغيير قانون الدفن في ولاية شمال الراين ويستفاليا غرب ألمانيا. ويشار إلى أن أمور الدفن شأن خاص بالولايات، ولا تدخل ضمن اختصاصات الحكومة الاتحادية. واعتبارا من عام 2014، تريد الولايات السماح للمسلمين بدفن موتاهم وفق الشعائر الدينية. وقامت وزيرة الصحة باربرا شتيفنس من حزب الخضر، هذا الشهر بتقديم مشروع قانون، يسمح بإنشاء مقبرة إسلامية مستقلة، "عوض الاكتفاء بزوايا داخل مقابر البلديات، كما جرت العادة حتىالآن"،حسبما أفادت به الوزيرة.
ارتباط أقوى بالوطن الجديد
وإذا جرت العادة حتى الآن بترحيل الموتى المسلمين إلى بلدانهم الأصلية ودفنهم هناك، فإنه في السنوات الأخيرة سجل ارتفاع ملحوظ في أعداد المسلمين الذين دفنوا في ألمانيا. وأوضح رشيد حسين من عائلة الميت أن عائلته قررت دفن أخيه بإيسن، لأنها تعيش في ألمانيا، ولكي تستطيع زيارة قبره عندما ترغب في ذلك. وفي حين كان الجيل الأول يوصي بدفنه في موطنه الأصلي، يشعر الجيل الثاني بارتباط أكبر بألمانيا.
كما أن هناك نقطة أساسية أخرى تحظى بأهمية كبيرة لدى المسلمين، كما اليهود، تتمثل في أن المفهوم الذي يعطى للقبر كمكان "أخير" للانتقال إلى "دار البقاء"، أو على الأقل لمدة تكفي لـ "انحلال الجسد" كما يقول رجل الدين إيرول بورلو.
لكن مدة استئجار المقابر في ألمانيا لا تتعدى عشرين عاما، من الممكن عمليا تمديدها. بيد أن التجربة المعتمدة أثبتت أن ذلك لا يسري سوى على مقابر بسعر مرتفع. ومن المفترض أن يفي القانون الجديد بهذا المطلب.
اجتمع نحو عشرين شخصا في مقبرة هيلو بإيسن. النساء في الصف الخلفي، والرجال بالقرب من القبر. بعد الصلاة والدعاء للميت، نزل ثلاثة رجال إلى القبر، وأخذوا الجثمان المكفن، ليضعوه داخل القبر ووجهه باتجاه الكعبة، كما تنصّ على ذلك تعاليم الدين الإسلامي. ورغم أن مهمة دفن هذا الميت انتهت بالنسبة لأكرم سازور، إلا أن الأخير لن يتنفس الصعداء إلا بعد إتمام أوراق ترحيل جثمان ميت آخر إلى مصر.