قبرص.. المزيد من الإجراءات للتضييق على المهاجرين الوافدين
٢ سبتمبر ٢٠٢٣على مدى الأشهر السبعة الماضية وصل أكثر من 700 مهاجر إلى قبرص على متن حوالي 33 قاربا أبحروا انطلاقا من السواحل اللبنانية والسورية، ما يثير حفيظة سلطات الجزيرة المتوسطية، التي تسعى جاهدة للحد من توافد المهاجرين إليها.
قبرص أضحت بشكل متزايد وجهة جذابة للفارين من الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في لبنان وسوريا، وباتت بوابة عبور إلى أوروبا في ظل قلّة خيارات "الهجرة الآمنة"، لا سيما وأنها تبعد أقل من 200 كيلومتر عن سواحل طرابلس اللبنانية وطرطوس السورية.
بحسب الأرقام الرسمية، ازداد عدد الوافدين إلى الجزيرة المتوسطية بنسبة 60% في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2023 مقارنة بالعام الماضي. لكن هذه الزيادة في أعداد الوافدين جعلت الحكومة تتخذ موقفا أكثر تشددا، ساعية لتنفيذ خطوات من أجل أن تحد من وصول المهاجرين إلى قبرص من جهة، وتقليص عدد طالبي اللجوء المتواجدين على أراضيها، من جهة أخرى.
الحد من توافد القوارب وسلسلة توقيفات
أمس الأربعاء، أكد رئيس الجمهورية نيكوس خريستودوليدس خلال مؤتمر صحفي، على بث رسالة تهدف إلى "منع وتغيير هذه الصورة السائدة خاصة بين تجار (البشر) بأن قبرص وجهة جذابة"، مضيفا "لدينا مشكلة كبيرة مع الهجرة، ولن يكون هناك تسامح".
بقرار من وزير الداخلية، تشكلت مجموعة تضم أعضاء من دوائر حكومية مختلفة "لمراجعة السياسة المتعلقة بالمواطنين السوريين، الموجودين في جمهورية قبرص، والمتورطين في أنشطة غير قانونية لا سيما شبكات الاتجار بالمهاجرين، وذلك من أجل منع المزيد من التدفقات".
على مدى الأسابيع الماضية، استمرت السلطات بالإعلان عن توقيف مهاجرين متورطين بتنظيم رحلات هجرة غير نظامية. وكثير من هذه الاعتقالات تستهدف الأشخاص الذين يتولون مهمة قيادة القارب.
بعد ظهر أول أمس الثلاثاء، وصل قارب يحمل 27 مهاجرا، بينهم امرأتان وطفلان إلى قبرص، وبناء على شهادات الوافدين، احتجزت السلطات في اليوم التالي شابا يبلغ من العمر 23 عاما بتهمة مساعدة أجانب على الدخول غير القانوني إلى الأراضي القبرصية.
ويومي الأحد والإثنين، وصل قاربان يحملان ما مجموعه 104 مهاجرين بينهم 29 طفلا، وأغلبهم من السوريين الذين أبحروا من سواحل لبنان. ولم تمض ساعات قليلة حتى أن احتجزت السلطات قبطان القارب الأول الذي يبلغ 23 عاما من العمر إضافة إلى أربعة أشخاص كانوا على متن القارب الثاني ساهموا بقيادة وتوجيه القارب، وتتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاما، حسب بيان الشرطة.
تعاون مشترك مع لبنان
لم تقتصر حملات التوقيف على المهاجرين الوافدين عبر القوارب، وإنما أنشأت قبرص بالتعاون مع لبنان مجموعة تبادل معلومات، تشكّلت بعد الرحلة الأخيرة لوزير الداخلية كونستانتينوس يوانو إلى بيروت في 27 تموز/يوليو الماضي، ولقائه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومسؤولين آخرين.
وأعلنت أمس الأربعاء وسائل إعلام محلية عن توقيف "أربعة أشخاص من أصل عربي"، بناء على معلومات وفرتها هذه المجموعة الجديدة، فيما "يجري البحث عن أربعة آخرين على الأقل".
كما أفضى اللقاء إلى إنشاء شبكة من نقاط الاتصال بين لبنان وقبرص، و"التعاون الوثيق على صعيد منع التدفقات غير النظامية"، مثل تسيير دوريات مشتركة لمنع عمليات المغادرة. وشددت الحكومة القبرصية على تطبيق الاتفاق الذي يسمح لقبرص "بإعادة" المهاجرين إلى لبنان باعتبارها "دولة ثالثة آمنة".
ونفذت بالفعل السلطات القبرصية خلال الشهر الماضي عمليات ترحيل عدة إلى لبنان، لكن ذلك أثار غضب السلطات اللبنانية التي استنكرت نقل السلطات مهاجرين لم يغادروا من السواحل اللبنانية وإنما من سوريا، إذ كانت أشارت في وقت سابق دائرة الهجرة بأن عدد كبير من القوارب انطلقت من سواحل طرطوس السورية. واشتدت حدة التوتر بين البلدين وصلت إلى إعلان لبنان رفضها استقبال أي مهاجر غير لبناني مهما تكن نقطة انطلاقه.
تضييق الخناق على المهاجرين المتواجدين في قبرص
على المستوى الداخلي، لا يبدو الوضع أقل تعقيدا بالنسبة للمهاجرين المتواجدين في الجزيرة المتوسطية.
خلال العام الماضي، رفضت السلطات القبرصية أغلب طلبات اللجوء، وتشير الأرقام الرسمية إلى أن نسبة الرفض تجاوزت الـ93%. وأثنى مسؤولون على تصريح وزارة الداخلية بأن عدد المغادرين من قبرص يتجاوز الوافدين، ويشمل هذا العدد الأشخاص الذين رحلتهم السلطات أو من الذين غادروا طوعيا أو بفضل برامج إعادة التوطين. وكانت أوضحت وزارة الداخلية أنه بين نيسان/أبريل وحزيران/يونيو، طلب 2,381 شخصا اللجوء، بينما غادر 2,714 مهاجرا البلاد في الفترة ذاتها.
واتخذت السلطات قرارا جديدا الشهر الماضي ينص على استبعاد الواصلين إلى قبرص اعتبارا من كانون الثاني/يناير 2023 من برنامج إعادة التوطين في دول أوروبية أخرى، معتبرة أن ذلك "سيكون بمثابة رادع للوافدين في المستقبل".
من ناحية أخرى، يعاني طالبو اللجوء وحتى الحاصلين على الحماية الدولية من أوضاع معيشية صعبة، في ظل قلة المساعدات وصعوبة إيجاد سكن وبطء الإجراءات الإدارية.
أول أمس الثلاثاء 22 آب/أغسطس، بدأت الشرطة عملية إخلاء مجمع سكني مهجور بعد احتجاج السكان على تواجد المهاجرين ومزاعم بسرقة الكهرباء، وأخرجت السلطات بالفعل 600 طالب لجوء، حسب تصريح المتحدث باسم شرطة المدينة ميخاليس نيكولاو.
وقالت الحكومة إنها سترحل من يثبت إقامته على الجزيرة بشكل غير قانوني، في حين سيمنح المقيمون الشرعيون مهلة أسبوعين لإيجاد سكن بديل. رغم أن حوالي 100 مهاجر كانوا نظموا احتجاجا الأسبوع الماضي لمطالبة الدولة بإيجاد مساكن لهم، لكن السلطات ردت عليهم بفض الاحتجاج عبر استخدام الغاز المسيل للدموع.
وأعلنت السلطات بدء تشييد مركز استقبال واحتجاز يتسع لحوالي ألف شخص في قرية مينوجيا جنوب مدينة لارنكا. ووفقا للسلطات، "سوف يستوعب مركز ما قبل المغادرة مواطني الدول الثالثة الذين رفض طلبهم للحصول على الحماية الدولية في المرحلة الابتدائية والذين لم يستأنفوا أمام المحكمة الإدارية للحماية الدولية، أو من رفض استئنافهم أمام المحكمة الإدارية للحماية الدولية"، إضافة إلى المتحدرين من "بلدان آمنة" والذين تكون دراسة ملفاتهم ضمن إجراءات مسرعة وبالتالي، "سيكون من الأسهل تحديد مكانهم في حالة اتخاذ قرار نهائي، وينبغي تسريع عملية عودتهم".