قبضة "داعش" – سر صعوده وربما سر انهياره!
١١ مارس ٢٠١٥تواترت الأنباء في الأشهر القليلةالماضيةعن حالات انشقاق وتمرد في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف المعروف إعلاميا بـ"داعش"، كان آخرها عملية فرار عشرات السجناء من سجن تابع للتنظيم في بلدة الباب شمال سوريا، قيل إنها قد تكون تمت بمساعدة عناصر من داخل "داعش". وقبلها بيومين وفي نفس المنطقة حاول عشرة من عناصر "داعش" الفرار إلى بلدانهم عبر الحدود التركية قبل أن يقتل عدد منهم ويعتقل البقية.
وبالإضافة إلى حالات الهروب والانشقاق المتزايدة في صفوفه، يرى مراقبون أن تنظيم "داعش" خسر جزءا من المتعاطفين معه بعد هزيمته في كوباني وبعد حادثة إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا، فهل تشكل حالات الانشقاق والهروب هذه بالفعل تهديدا له ؟ أم أنها مجرد حالات تمرد فردية؟
تراجع شعبية داعش
خلال محاولة هروب عدد من سجناء التنظيم في بلدة الباب السورية حدثت اشتباكات بين العناصر الفارة وبين عناصر أخرى من التنظيم، أسفرت عن مصرع 5 من الفارين، و4 آخرين من عناصر التنظيم الذين حاولوا اعتقالهم، فيما اعتقل البقية ويرجح أنهم لقوا مصيرا مشابها لمصير أكثر من 120 عنصرا من التنظيم أعدموا العام الماضي لدى محاولتهم الفرار والعودة إلى بلدانهم. وإلى جانب حالات الهروب والانشقاق تناقلت بعض التقارير أن تنظيم "داعش" يفرض حظر التجول بعد العاشرة ليلا في بعض المناطق الخاضعة له ليتأتى له مراقبة السكان بشكل أفضل والتصدي لمحاولات الهرب.
ونقلت صحيفة "وول ستريت" الأمريكية عن مقاتلين تمكنوا من الفرار من "داعش" مؤخرا، انتشار الوحشية والفساد داخل التنظيم وتمييز في التعامل بين مقاتليه. إذ يحظى الأجانب منهم بمناصب وأجور أفضل من غيرهم. كما كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن "التنظيم بدأ فيما يبدو بالتآكل من الداخل"، حيث أسهمت الانشقاقات وعمليات الهروب من صفوفه إلى جانب الهزائم والنكسات في المعارك في إصابته بالضعف والوهن وتقويض الهالة التي حاول رسمها لنفسه كتنظيم "لايقهر" في أعين الذين يعيشون تحت حكمه الاستبدادي في المناطق التي ينتشر فيها.
لكن حسن أبو هنية الخبير الأردني في قضايا الإرهاب يقلل من أهمية هذه المعطيات ويرى أن "داعش" مازال تنظيما متماسكا يملك جهازا أمنيا وعسكريا واستخباراتيا قويا، وحالات الانشقاق هذه تبقى حالات تمرد فردية. ويقول "التمييز بين المهاجرين في صفوف التنظيم سواء كانوا من أصول غربية أم لا موجود داخل داعش رغم أن المقاتلين العرب خاصة الخليجيين منهم حاضرون بقوة في الصفوف القتالية الأولى وينفذون الهجمات الانتحارية، لكن النقاش حول التمييز حاضر دائما في تاريخ هذه الجماعات" ويضيف أبو هنية في حوار مع DWعربية التنظيم في النهاية لديه شيء أهم يعوض به هذه الانتقادات وهو سيطرته على مناطق شاسعة وقدرته على التجنيد في ظل غياب حل سياسي في المناطق التي ينشط فيها".
أما الصحافي والخبير الألماني في شؤون الإسلام والشرق الأوسط فيليب هولتمان فيرى أن معظم الخلافات الداخلية التي تدور حول المحاباة والتفضيل لا تخرج إلى العلن. ولكن إذا حصل ذلك، فإن التنظيم يبررها بالدور الخاص الذي يلعبه أنصاره الأجانب في نشر إيديولوجيته في الخارج، مثلا في أوروبا. ويضيف في حديثه لـDW عربية "قد يساهم ذلك في إضعاف داعش على أرض الواقع، لكننا لن نشهد تراجعا لإيديولوجية التنظيم في المستقبل القريب".
الطائفية تسهل مهمة داعش
ويسيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" على مساحات واسعة في العراق وسوريا، وهي مناطق فيها عدد من المدن المهمة والإستراتيجية منها الموصل وتلعفر في العراق ومدينة الرقة السورية التي يتخذ منها التنظيم عاصمة لدولة الخلافة كما يطلق عليها.
ويعتبر الخبير الألماني أن الانشقاقات وقتل العناصر التي تحاول الفرار قد يؤدي إلى إضعاف "داعش" لكن على المدى الطويل وليس في الوقت الحالي والسبب هو أن المنطقة ككل تعيش حالة حرب أهلية عنيفة وهو ما يساعد التنظيم على تعويض الانشقاقات الداخلية جزئيا عبر انضمام مجندين جدد، حسب اعتقاده.
ويضيف هولتمان "علاوة على ذلك لم يكن داعش أبدا تنظيما موحد الصف بالشكل الذي يروج له فهو عبارة عن مزيج من ميليشيات وجماعات بعيدة عن التوافق والانسجام بين كل مكوناتها لكنها تثير الانطباع بأنها موحدة بسبب اشتراكها في مبايعة الخليفة البغدادي المعادي للغرب". وهو ما يتفق معه أبو هنية بالقول "هناك سوء فهم لهوية التنظيم فالـ 15 ألف مقاتل الذين نتحدث عنهم هم الحلقة الضيقة من مقاتلي النخبة والجهاز الإداري البيروقراطي للتنظيم، لكن منذ استيلاء داعش على الموصل أصبح التنظيم يضم جماعاتكثيرة مختلفة وهناك حديث اليوم عن وجود 120 ألف مقاتل على عدة جبهات وسيطرة التنظيم على 7 ملايين شخص يفرض عليهم الأجندة التي يريد". حسب قول الخبير الذي لم يوضح مصادر الاحصائيات التي ذكرها.
ويضيف الخبير الأردني أن هذه الجماعات ليست منسجمة فيما بينها بشكل كامل أيديولوجيا لكن وضع السنة في بعض المناطق شجع من انضمام سكانها لـ"داعش" ويفسر ذلك قائلا "لا شك أن بعض المعطيات مثل حرق الكساسبة تركت ندوبا على صورة داعش لدى بعض المتعاطفين معه لكنه يبقى تأثيرا محدودا لأن جزءا كبيرا من مؤيدي التنظيم على قناعة بأنه يمثل نوعا من الهوية السنية التي يعتبرها البعض منتهكة في بعض المناطق خصوصا في العراق" لذا يعتبر أبو هنية أن عدم احتواء السنة في العراق سهل مهمة "داعش" في ضم مجندين جدد لها، منهم حتى تيارات قاتلت التنظيم المتطرف في السابق.