قبلة على فيسبوك.. وانقسام المغاربة بين الحرية والالتزام
٢٢ نوفمبر ٢٠١٣تجري محاكمة قاصريّن يوم (22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013) بسبب قبلة. الحكاية بدأت بعد نشر صورة لهما وهما يقبلن بعضهما على الفايسبوك، ليتم متابعتهما من طرف النيابة العامة بتهمة الإخلال بالحياء العام، ولتنتقل حمى قبلة الناظور إلى الرباط، بعدما قررت مجموعة من الشباب تنظيم مظاهرة بالقبل أمام البرلمان تضامنا مع القاصريّن. هذه المظاهرة أشعلت الجدل القائم حول مصير الحريات الفردية في المغرب.
ابتسام لشكر صاحبة فكرة مظاهرة القبل قالت في لقاء مع DW عربية، بأن هذه المظاهرة جاءت للتأكيد على "حرية الشباب وحماية الحرية الفردية لأفراد المجتمع التي أصبحت مهددة اليوم أكثر من أي وقت سابق وتحرير العقول من التقاليد المقيدة لحريته"، هذا التحرير يعتبره مصطفى الشكدالي الباحث في علم النفس الاجتماعي "لن يأتي عن طريق مظاهرة كيفما كان نوعها، ولكن يكون عن طريق تحرير العقول".
دعوة للتحرر أم زوبعة في فنجان
اختلفت الآراء حول إقدام شباب مغربي على التظاهر بالقبل، بين من رأى فيها تمردا على القيود التي تفرضها التقاليد، ومن اعتبر أن القضية أعطيت أكثر من حجمها، مثلما هو رأي غسان بن الشيهب، الناشط الاجتماعي ومدير إذاعة إلكترونية. غسان قال لـ DW عربية إن "نشر صورة القبلة والمظاهرة بالقبل وكل الجدل الدائر حولها هو نتاج التفكير في قضايا ضيقة بدل البحث عن إبداع تكنولوجي، أو تغيير سياسي و اجتماعي و سياسي، أن يقبل الولد الفتاة كل سيحكم على ذلك من توجهه، لكن أن نجعل منها قضية وطنية، هذه طامة كبرى، انطلاقا مما أومن به، الخطأ الجسيم بدأ بالإعتقال، وانتهى بوقفة تنديدية بلاشيء وبدون هدف".
لكن هذا النقاش الذي يعتبره غسان نقاشا خاطئا ولا يستحق كل هذا الاهتمام، ترى فيه ابتسام لشكر، الوسيلة الوحيدة القادرة على فتح النقاش حول مسألة الحريات الفردية في المغرب، "لأنه في مجتمع يتجه نحو الظلامية يجب تحريك الأشياء بمثل هذه الخطوات التي تستفز المجتمع وتفتح باب النقاش وخاصة في القضايا التي تعتبر من التابوهات المحرمة". تقول ابتسام، التي دعت لهذه المظاهرة وقبلها كانت صاحبة مبادرة الإفطار العلني.
وأمام هذا الخلاف في الرأي الذي يلخص حالة الانقسام التي يعيشها المجتمع المغربي مع كل قضية من قضايا الحرية الفردية سواء حرية المعتقد أو الإفطار العلني يجد المواطن المغربي نفسه بين خطاب يدعو إلى التمرد على كل التقاليد والقيم وخطاب يدعو إلى التمسك بالهوية الإسلامية للمغرب.
وهذا ما يفسره مصطفى الشكدالي بكون "الإعلان عن قيم بديلة للقيم المتعارف عليها هو في العمق مؤشر قوي على التحول القيمي داخل المجتمع والذي أصبح يخرج من الصراع المضمر والمتواطئ عليه إلى الصراع المعلن بين ما نسميه في علم الاجتماع بحارس القيم والأقليات". ثم يضيف "لابد من الإشارة هنا أن من خصائص المجتمعات التي تعيش حركية التحول القيمي ظهور قضايا مماثلة لقبلة الناظور وتخلق ردود أفعال متضاربة إلى حد التطرف في هذا الجانب أو ذاك
فبقدر ما تكون جاذبية التحول إلى قيم جديدة لدى البعض تكون كذلك وبنفس القوة الرغبة في المحافظة على القيم القديمة لدى البعض الآخر وهذا ما يفسر كل هذا التجاذب الذي يعرفه المجمع المغربي.
المجتمع المغربي نحو التحرر أم الانغلاق
وإذا كان النقاش حول قبلة بين قاصريّن لا تستحق كل هذا الجدل الذي أثير حولها فإن ردود الفعل سواء كانت الرسمية أو الشعبية تشي بأن المجتمع المغربي يعرف تحولا عميقا على مستوى قيمه.
هذا التحول ترى ابتسام لشكر أنه يتجه في اتجاه الانغلاق والتعصب "ذلك أن كم الهائل من السب والشتم الذي تعرضت له دليل على أننا أصبحنا مجتمعا أكثر من محافظ مع الأسف، حتى الشباب لم يعد لديهم أي تسامح مع قضايا الحرية الجنسية وحرية المعتقد، الكل أصبح لا يعرف سوى لغة العنف للحوار وعندما تكون صاحبة الفكرة امرأة فهذا يزيد من حدة الهجوم عليها نحن الآن نعيش ردة حقيقة على الحريات الفردية".
الدكتور مصطفى الشكدالي يرى بأنه " لا يمكن النظر لقضية "قبلة الناظور" إلا في إطار ردود الفعل على اعتبار أن اعتقال ومحاكمة المراهقين لا تعدو أن تكون مجرد رد فعل على نشر الصورة. وكذلك المظاهرة العلنية للقبل في الرباط هي رد فعل على الاعتقال". وبالتالي فانه لا يمكن أن نبني تحرير المجتمع بواسطة ردود الأفعال. حسب قوله، ويضيف "إن المسألة تشبه إلى حد بعيد البركان في بداية نشاطه والذي لم يلفظ بعد كل ما بداخله. فأن قضية "قبلة الناظور" ما هي إلا نقطة صغيرة ضمن نقط أخرى أصبحت تحول الاختلاف في قضايا قيمية إلى خلاف".
الفايسبوك يخلق الحدث
كثيرون اعتبروا، أنه لولا أن القبلة تم نشرها الفايسبوك لما أخذت كل هذا الاهتمام ذلك أن الفايسبوك هو من أعطى لهذه الصورة كل هذا الانتشار، كما أن مظاهرة القبل تم الإعلان عنها عبر الفايسبوك، لذلك فقد أصبح الفايسبوك هو ساحة المعركة بين مؤيدي فكرة القبل العلنية ومعارضيها وفي هذا الصدد يقول غسان بنشيهب إن " هذا الحراك الإلكتروني لم ينج من التحريف ، فكما نجد الاستعمال الجيد لهذه التكنولوجيات هناك السيئ، لذا وجب أخذ الاحتياط مما يروج من دعوات للخروج هنا وهناك، وجب تحكيم العقل قبل العاطفة، المهم في نظري أن يستمر هذا الحراك لكن توجيهه من الطرف الفئة الواعية".