قرار محكمة العدل الدولية .. حلفاء إسرائيل في "موقف صعب"؟
٢٧ يناير ٢٠٢٤في الوقت الذي كان يستعد فيه 17 قاضيا داخل محكمة العدل الدولية لإصدار حكمهم الأول في القضية التي أقامتها جنوب أفريقيا تتهم فيها إسرائيل بمزاعم ارتكاب إبادة جماعية، تجمع قرابة مئة متظاهر مؤيدين للفلسطينيين خارج قصر السلام، مقر المحكمة الأممية، لمشاهدة القرار على شاشة كبيرة.
وكُتب على لافتة تحمل العلم الفلسطيني: "لا للإبادة الجماعية ولا للتطهير العرقي في أي مكان".
وعلى مقربة من مبنى المحكمة، لوح متظاهرون بالأعلام الإسرائيلية والهولندية، حاملين صور الرهائن الذين اختطفتهم حماس عقب هجومها على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي.
وعلى وقع هجوم حماس الإرهابي، شنت إسرائيل عمليات عسكرية مدمرة على قطاع غزة، إذ أعلنت أن هدفها يتمثل في القضاء على حماس والدفاع عن سكان الدولة اليهودية. لكن مع قرب دخول العمليات شهرها الخامس، أسفرت الغارات الجوية عن مقتل أكثر من 26 الفا، بحسب بيانات وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة.
وشعر أنصار أحد الطرفين – وربما كليهما- ممن تجمعوا خارج مقر محكمة العدل الدولية بخيبة أمل بعد صدور القرار، الذي تسبب في حالة استياء ضمنية من الجانبين رغم أن كثيرين توقعوا ميلان كفة الموازين إلى حد كبير ضد إسرائيل.
يشار إلى أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
المحكمة تأمر إسرائيل بتخفيف الحصار الإنساني
وباعتبارها دولة موقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن الإبادة الجماعية، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ "خطوات لمنع أعمال الإبادة الجماعية بما في ذلك منع وقوع أضرار لا يمكن إصلاحها لسكان غزة بما يشمل تخفيف الحصار شبه الكامل على المساعدات الإنسانية"، لكن القرار لم يدعو إلى وقف كامل للعمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع.
وبذلت رئيسة المحكمة القاضية الأمريكية جوان دونوغو قصارى جهدها للتأكيد على أن قضاة المحكمة لم يحكموا بأي حال من الأحوال على ما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية أم لا، لأن صدور قرار من هذا القبيل سوف يستغرق سنوات.
ووضعت القضية التي أقامتها جنوب أفريقيا قبل شهر نيابة عن سكان غزة، محكمة العدل على المحك إذ طالبتها باتخاذ أوامر قضائية طارئة.
ومع ارتفاع حصيلة القتلى في غزة إلى 26 ألفا وتشريد قرابة مليونين آخرين، وجدت المحكمة أن الوضع خطير بما يكفي لفرض تدابير مؤقتة في انتظار الحكم النهائي المرتقب.
ويرى مراقبون أن قرار محكمة العدل الدولية سوف يضع الكثير من الضغوط على إسرائيل وحلفائها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، الذين جادلوا بأن القضية لا أساس لها على الإطلاق.
إجراءات فورية وفعالة
وفي قرارها، قالت دونوغو إن "العملية العسكرية التي أطلقتها إسرائيل بعد السابع من أكتوبر / تشرين الأول قد أسفرت، ضمن جملة أمور، عن عشرات الآلاف من القتلى والجرحى فضلا عن تدمير منازل ومدارس ومرافق طبية وغيرها من البنى الأساسية الحيوية فضلا عن عملية نزوح واسعة النطاق".
وأضافت أن غالبية قضاة المحكمة أمروا إسرائيل "باتخاذ كافة التدابير التي في وسعها" لمنع قتل الفلسطينيين باعتبارهم "مجموعة محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بما في ذلك منع التسبب في أذى جسدي أو عقلي خطير"، مشيرة إلى أنه يتعين على الحكومة الإسرائيلية ضمان عدم قيام جيشها بتنفيذ أعمال قد تشكل "إبادة جماعية" وأيضا "منع وكذلك معاقبة" التحريض على الإبادة.
وقالت القاضية إن على إسرائيل اتخاذ "إجراءات فورية وفعالة للسماح بتوفير خدمات أساسية ومساعدة إنسانية يحتاج إليها الفلسطينيون في شكل منح لمواجهة ظروف العيش غير الملائمة"، مشيرة إلى تحذير أصدرته منظمة الصحة العالمية من أن نحو 93٪ من سكان قطاع غزة يواجهون مستويات غير مسبوقة من الجوع.
واستغرقت القاضية بعض الوقت لقراءة العديد من التصريحات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليينرفيعي المستوى مثل الرئيس إسحاق هرتسوغ ووزير الدفاع يوآف غالانت، والتي وصفها مسؤولو الأمم المتحدة بأنها تظهر "لغة تجريد من الإنسانية". وأمرت المحكمة إسرائيل بتقديم تقرير حول كيفية امتثالها لإجراءات محكمة العدل الدولية في غضون شهر.
وبالنظر إلى حماس، التي لا تشارك في إجراءات المحكمة لأنه لم يَجرِ تعريفها على أنها جهة فاعلة تابعة لدولة، أوضحت دونوغو أن "جميع أطراف النزاع في قطاع غزة يجب أن تلتزم بالقانون الإنساني الدولي".
وطالبت القاضية نيابة عن المحكمة بإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين في غزة، حيث تعتقد إسرائيل أن أكثر من 100 رهينة ما زالوا على قيد الحياة من إجمالي 253 رهينة تم اختطافهم.
رفض إسرائيلي
وأثار قرار المحكمة غضب إسرائيل، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عقب النطق بالحكم إن تهمة الإبادة الجماعية الموجهة لإسرائيل في محكمة العدل الدولية "مشينة".
بدوره، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن التزام إسرائيل بالقانون الدولي "ثابت بغض النظر عن الإجراءات أمام محكمة العدل تماما مثل حقها في الدفاع عن مواطنيها ضد إرهابيي حماس الذين يرتكبون إبادة جماعية".
يشار إلى أنه قبل أسبوعين طالب عدد من المحامين الإسرائيليين من محكمة العدل الدولية إسقاط القضية التي أقامتها جنوب أفريقيا باعتبارها "لا أساس لها من الصحة ومشوهة بشكل صارخ"، قائلين إن اتفاقية الإبادة الجماعية جرى وضعها عقب الهولوكوست، وهي جرائم قتل جماعية جرى التخطيط لها مليا ضد ملايين اليهود الأوروبيين على يد النظام النازي الألماني خلال الحرب العالمية الثانية.
حكم "تاريخي"
في المقابل، رحب مساعد وزير الخارجية الفلسطيني عمار حجازي بحكم المحكمة العدل الدولية الذي اعتبره "تاريخيا"، مضيفا في مقابلة مع DW أنه "للمرة الأولى في تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل الاستقلال والحرية، يُجرى محاسبة إسرائيل المعتدية أمام أعلى محكمة في العالم".
وأعرب عدد من أنصار الدعوى عن سعادتهم بقرار المحكمة وقالوا إنه يحمل في طياته "أمرا فعليا لإسرائيل بضرورة إخماد السلاح"، فيما لاقى القرار عند النطق به صيحات إشادة من حشد تجمع خارج قاعة المحكمة.
وقال معن البرش، أحد المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، في مقابلة مع DW إنه فقد الكثير من أفراد عائلته في غزة، وكان "حزينا للغاية" بشأن قرار محكمة العدل الدولية لأنه كان يأمل في أن يشمل القرار على طلب وقف لإطلاق النار.
وقال إن الحكم "يتماشى مع ما كانت تريده أمريكا وإسرائيل".
حلفاء إسرائيل .."صعوبة تجاهل القرار"
ولا يتفق في هذا الرأي ريتشارد جوان، المحلل بمجموعة الأزمات الدولية في الأمم المتحدة، قائلا: "ستؤكد الآن الكثير من الدول والكثير من الخبراء القانونيين أنه يتعين على إسرائيل أن تُقدم على تغيير تكتيكاتها بشكل جذري أو إنهاء الأعمال العدائية بشكل أساسي".
ومتحدثا إلى DW، أضاف جوان أنه في الوقت الذي كانت تتوقع فيه إسرائيل صدور مثل هذا الحكم، فإنه سيكون من المبالغة وصف عدم شمول القرار على طلب وقف لإطلاق النار بأنه انتصار.
لكنه قال إن القرار سوف يضع حلفاء إسرائيل الدوليين في "موقف صعب"، مضيفا: "سيبلغ المسؤولون في واشنطن ولندن نظرائهم في إسرائيل بهدوء أنه يتعين عليهم كبح الحملة (العسكرية في غزة) بشكل كبير الآن بسبب تصاعد الغضب الدولي".
يشار إلى أنه يُطلق على محكمة العدل الدولية اسم "المحكمة العالمية" وتعد أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة حيث تأسست عام 1945.
وتتعامل محكمة العدل الدولية مع النزاعات بين الدول وذلك على النقيض من المحكمة الجنائية الدولية التي تنظر في التهم والمسؤولية الجنائية الموجهة ضد الأفراد، لكن محكمة العدل الدولية لا تمتلك وسائل كثيرة لتنفيذ أحكامها.
وأوضح جوان أن الكرة عادت مجددا إلى ملعب الأمم المتحدة، قائلا: "يتوقع الكثير من الدبلوماسيين في نيويورك أن تقدم الجزائر الأسبوع المقبل، باعتبارها العضو العربي الحالي في مجلس الأمن، مشروع قرار يطلب من إسرائيل الالتزام بإجراءات التي أمرت بها محكمة العدل الدولية".
وقال جوان إن الولايات المتحدة ستجد صعوبة في الموافقة على أي شيء من شأنه أن "يعطي بعض المصداقية - ولو بشكل مترفق - لفكرة أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، لكن ورغم ذلك، فإن إسرائيل وحلفاءها سيجدون صعوبة في تجاهل حكم محكمة العدل الدولية".
ويتفق في هذا الرأي خالد الجندي، المحلل السياسي في معهد الشرق الأوسط البحثي ومقره واشنطن، قائلا: "ستجد الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، وهي الدول التي دعمت بشكل صارخ وغير مشروط العمليات العسكرية الإسرائيلية، صعوبة في رفض قرار المحكمة وما دعت إليه من إجراءات أولية من دون تحجيم دور محكمة العدل الدولية وتقويض التزامهم المعلن بنظام يرتكز بقدر أكبر على قواعد".
وفي مقابلة مع DW، أضاف: "لا أرى طريقة يمكن لإسرائيل أن تمضي قدما في نهجها الحالي بغزة بالتوازي مع الامتثال لقرار المحكمة".
أعده للعربية: محمد فرحان