قصة راقص كوريوغرافي سوري لاجئ في برلين
٢٠ أغسطس ٢٠١٧قاعة شاسعة ذات جدران عارية رمادية اللون. أما في الأعلى على سقف القاعة فتمتد عدة مصابيح كبيرة سوداء اللون تلقي بأضوائها البيضاء الساطعة على أرضية القاعة السوداء. إنها قاعة الرقص التي يزورها شاب سوري ثلاثيني في العمر بانتظام. إنه مدحت الدعبال الذي يعيش في مدينة برلين منذ حوالي ثلاثة سنوات على غرار أبناء وطنه فرارا من الحرب الدائرة في وطنه سوريا.
"كم أنا سعيد بتعاطي المهنة التي درستها في المعهد العالي للمسرح في دمشق في المعهد العالي للفنون المسرحية". هكذا استهل الشاب الدمشقي حدثه معنا مبتسما وفخورا بما يقوم به هنا في برلين. سعادة مدحت ذي اللحية السوداء لا تقتصر فقط على وصوله إلى برلين سالما معافى من الحرب التي ذهب ضحيتها الآلاف من المدنين العزل، بل أيضا بانضمامه إلى فرقة مصمم الرقص التعبيري الذائع الصيت أوروبيا ودوليا، "ساشا فالتز".
رب صدفة خير من ألف ميعاد
وحول لقائه بهذه الشخصية العملاقة في عالم تصميم الرقص "الكوريوغرافي" يقول الشاب الدمشقي محدقا بأعين متعطشة: "سكنت في الوهلة الأولى حينما وصلت مدينة برلين في مسكن جماعي في وسط المدينة وبمقربة من المبيت رأيت صدفة لافتة علقت على جانب بناية كتب عليها اسم الفنان الألماني الشهير ساشا فالتز". لم يصدق الراقص السوري ما رأى ولم يتجرأ دخول البناية للتعرف عليه. ثم يضيف مدحت يقول في مجرى حديثه أنه بعد أيام قلائل تمكن من التغلب على خجله وقرع باب المصمم بكل ثقة في النفس معربا له بإعجابه بشخصيته وأعماله الفنية: "قلت له إني من الوافدين السوريين وإني درست فن الرقص التعبيري في مختلف مجالاته في المعهد الأعلى السوري وإني أتقن هذا النوع من الرقص".
بهذه العبارات شد الشاب الثلاثيني التفات المصمم الألماني الذي طلب منه أن يعرض لوحة فنية ثم استمر مدحت يقول لـ DW عربية: "حينها غمرتني فرحة لا مثيل لها واغتنمت الفرصة لأقدم له رقصة تعبيرية جسدية في أحلى صورها". لقد كان إعجاب المصمم الألماني كبيرا طلبا منه القدوم إلى مكتبه للتعرف عليه أكثر ولصقل مواهبه".
تألق وتميز وإبداع
"لقد أعجب ساشا ببراعة وحذق مدحت لما درسه في سوريا من رقص تعبيري كما أن إعجابه بانفتاح وحسن أخلاق الراقص اللاجئ". هكذا قالت السيدة إيميلي غيرين المسؤولة في قسم الإنتاج والتسويق، ثم استطردت قائلة: "طلب ساشا من مدحت جمع ثلة من الراقصين التعبيريين السورين في المدينة للبدء في مشروع فني أطلق عليه اسم أمل"، وتابعت السيدة الفرنسية إيميلي غيرين تقول لـ DW عربية إن المشروع الفني الذي شارك فيه مدحت مع زملائه في الرقص لقي نجاحا كبيرا. هذا ما زاد في حفز مدحت على التعطش من أجل المزيد من التعرف على فنيات الرقص الجسدي في برلين من أجل تحقيق المزيد من النجاحات.
وترى السيدة غيرين في مدحت شخصية الراقص السوري الذي سيمثل يوما ما همزة وصل بين وطنه سوريا وألمانيا وأنه لا محالة يمثل مثالا يحتذي به لدى السوريين في برلين وألمانيا. وفي نفس الصدد أكد لنا مدحت في حديثه أنه يريد يوما ما يحمل تجاربه وكل ما تعلمه في هذا الفن الجسدي إلى الطلبة الراقصين في وطنه سوريا ويستمر يقول مداعبا لحيته القصيرة: "هنا بإمكان المرء الاحتكاك بكبار الفنانين والغوص قي عالم الرقص والإبداع وتعلم التقنيات الحديثة".
يرى الشاب الثلاثيني باحتكاكه بكبار الفنانين والتمرينات المنتظمة والعروض في كبريات المدن الألمانية في قلب الحدث وأنه ليس كأولئك الذين يتمترسون في عالمهم بعيدا عن الحياة الألمانية، حيث يقول: "على السوريين أن يدخلوا الحياة الألمانية من بابها الواسع، فهنا في هذا العالم الحر تتفتق مواهبهم وقدراتهم في شتى الحقول". ويستمر الشاب السوري النحيف يقول إن التموقع في الحياة اليومية الألمانية تساعد على إتقان اللغة التي تمثل مفتاح الاندماج في المجتمع الألماني.
نير دي فولف أشهر مصمم للرقص الجسدي يسهر على صقل مواهب مدحت
"كَم آز يو آر"، عبارة إنكليزية معناها باللغة العربية "تعالَ مثل ما أنت". هذه العبارة هي عنوان العرض الفني القادم الذي يعمل عليه الفنان الإسرائيلي الذائع الصيت نير دي فولف مع مدحت وثلة من الفنانين ذوي الجنسيات والثقافات المختلفة. العمل هنا على قدم وساق ويتطلب من المرء دقة التعبير بلغة الجسد كما يقول مدحت.
نير دي فولف يعطي مدحت دورا أساسيا في العرض الفني الذي سيقدم في شهر نوفمبر القادم 2017. يرى مصمم العرض الإسرائيلي في مدحت فنانا ناجحا وشجاعا لا يخشى التحديات لكن عليه المزيد من الانضباط، ثم يضيف دي فولف يقول: "مدحت شاب وفنان طموح يريد الوصول إلى ما هو أفضل إنه متعطش إلى المزيد، لقد تمكن هنا في برلين من تحسين قدراته الفنية من خلال التمارين والتجارب التي يخوضها في معترك الحياة الفنية".
مدحت من ناحيته يؤكد لنا باختلاف مجال الرقص التعبيري في سوريا بمثيله في ألمانيا: "الاحتكاك والتنافس مع كبار الفنانين في هذا المجال ينقصنا في سوريا وهذا ما أود استغلاله وامتلاكه". ويواصل في كلامه قائلاً إن التوصيات والنصائح التقنية التي يحصل عليها باستمرار من قبل نير دي فولف هامة جدا وإن جنسيته الإسرائيلية لا تزعجه بالمرة ويقول في هذا الشأن: "أحترم كثيرا هذا المدرب إنه إنسان مسالم ومبدع يعمل من أجل الفن والإنسان. أنا أيضا إنسان مثله أحمل المبادئ الإنسانية التي يحملها".
دي فولف يرى في شخصية مدحت شخصية الرجل المشرقي البشوش والودود بسلبياته وبإيجابياته وهو "القادم من إسرائيل من منطقة الشرق الأوسط الذي يحمل نفس الخصال"، كما يقول.
شكري الشابي – برلين