قضية أوزيل .. ضربة لنموذج الاندماج في ألمانيا؟
٢٣ يوليو ٢٠١٨لطالما حظي اللاعب الدولي مسعود أوزيل باهتمام ومديح الإعلام الألماني، خاصة في العام 2014 من خلال دوره البارز في صناعة "فرحة ألمانيا" و تتويج المنتخب الألماني بكأس العالم في البرازيل سنة 2014. وكان أوزيل من أكثر اللاعبين، الذين سلطت عليهم الأضواء خلال تلك البطولة، وذلك بسبب أصوله الأجنبية واعتباره نموذجاً لاندماج المهاجرين في المجتمع الألماني.
اليوم انقلبت الآية و تحول الحديث عن أوزيل من "صانع للفرحة" ونموذج للاندماج في المجتمع الألماني إلى "كبش فداء". و تطور الجدل حول ما بات يعرف في وسائل الإعلام الألمانية بـ قضية "أوزيل"، خاصة بعد إعلان لاعب كرة القدم الألماني والتركي الأصل يوم أمس (الأحد 22 يوليو/ تموز) من خلال حسابه على موقع "تويتر" عن اعتزاله اللعب دولياً مع المنتخب الألماني بسبب "العنصرية" و سيل الانتقادات الحادة التي وجهت له منذ لقائه مع الرئيس رجب طيب أردوغان في أيار/ مايو في لندن. هذا القاء، الذي جاء في توقيت زمني حساس قبيل انطلاق كأس العالم في روسيا والانتخابات الرئاسية في تركيا.
انتقل النقاش حول أوزيل من الجانب الرياضي إلى السياسي وانطلقت تساؤلات عدة حول انعكاس قضيته على ملف الاندماج في ألمانيا في ظل النقاش الدائر حالياً حول وضع المهاجرين واللاجئين واندماجهم في ألمانيا. فما دلالات هذا الجدل على مدى انفتاح ألمانيا على اندماج المهاجرين واللاجئين في مجتمعها؟
ألمانيا أقل انفتاحاً على الاندماج من قبل
مع بداية موجهة اللجوء التي عرفتها ألمانيا في السنوات الأخيرة، بدأ يسلط الضوء بشكل مكثف على قضايا المهاجرين واللاجئين ومدى اندماجهم في المجتمع، اليوم يرى الخبير في شؤون الاندماج، سامي شرشيرة أن هذه الموضوعات وبالأخص مع النقاش الحالي حول قضية أوزيل، بدأت تتتخذ منحى سياسي خطير. وعن السبب في ذلك، يقول الخبير في حديثه لـDW عربية:" منذ عام 2015 لحد اليوم نلاحظ وجود تحول جد خطير وسريع لآراء ومواقف تميل لليمين المتطرف في المجتمع الألماني والعواقب لن تنحصر على أوزيل كآخر ضحية وإنما سيكون له تأثير جد كبير ومتطاول على فئات أخرى من المجتمع الألماني". ويضيف شرشيرة بأن قضية أوزيل تفضح تناول موضوع المهاجرين في ألمانيا بالأخص المهاجرين المتجنسين.
يؤكد الناشط الاجتماعي والخبير في شؤون الاندماج بأن ألمانيا أصبحت في السنوات الأخيرة أقل انفتاحاً على الاندماج ويقول:"في السنوات الأخيرة بات الوضع أصعب من حيث المشاركة السياسية والاجتماعية للمهاجرين في ألمانيا عن ذي قبل. من جهة أخرى نلاحظ أن المشهد السياسي في ألمانيا يتحول بشكل فعلي إلى اليمين وصولاً إلى اليمين المتطرف". ويذكر شرشيرة بأنه حتى بعض الأحزاب الكبرى التي كانت تعد من الأحزاب الديموقراطية الألمانية باتت تنحاز بشكل ملحوظ إلى تبني مواقف متطرفة إلى جد متطرفة في ما يخص قضايا المهاجرين واللاجئين واندماجهم في ألمانيا.
"ضربة لنموذج الاندماج"
بحسب التقديرات فإن أكثر من 30 في المائة من السكان الألمان تحت 20 عاماً هم من ذوي أصول مهاجرة، ما يعكس مدى أهمية قضية مثل قضية أوزيل التركي الأصل على موضوع الاندماج في ألمانيا وتداعياتها. ومن جهته يرى شرشيرة بأن قضية أوزيل ستكون من القضايا التي ستدخل كتب التاريخ في المستقبل كبداية لتحولات اجتماعية وخيمة العواقب في ألمانيا من جهة، ومن جهة أخرى، فهي ترسل رسائل خطيرة، كما يمكن توظيفها بشكل خاطئ و يقول:" أوزيل كرمز للاندماج الناجح في ألمانيا، هذا الرمز تم تحطيمه وتكسيره والتعامل معه بعنصرية وهذا يرسل رسالة خطيرة جداً إلى كل الشباب المهاجرين واللاجئين، بأن المجتمع الألماني يركز دائماً على انتمائك العرقي والديني والثقافي ولن يعترف بكفاءتك". ويضيف شرشيرة بأن القضية قد توظفها الكثير من الجماعات المتشددة، والتي تهدف إلى استقطاب الشباب من باب: لماذا تندمج في المجتمع الألماني، فأنت في نهاية المطاف شخص منبوذ؟".
اكتسب الاندماج عن طريق الرياضة في ألمانيا أهمية متزايدة مع موجة اللاجئين الأخيرة، إذ يتم توظيفها من أجل تسهيل عملية الاندماج بالأخص على الوافدين الجدد من المهاجرين واللاجئين. وعن مدى انفتاح الرياضة في ألمانيا على موضوع الاندماج، بالأخص بعد قضية أوزيل يقول محمد الوهابي، مدرب الاندماج عن طريق الرياضة لدى الاتحاد الرياضي بولاية برلين بأن ألمانيا تملك برامج رياضية كثيرة تشجع فيها المهاجرين واللاجئين على ممارسة الرياضة وبذلك تسهل عملية اندماجهم بشكل سهل و سلس في المجتمع ويضيف: "الرياضة كانت ولا زالت مفتاح الاندماج وطريقة سهلة وغير مكلفة فهي الوسيلة المثلى لإنجاح اندماج أشخاص منحدرين من ثقافات مختلفة". ويتابع الوهابي بأن أهم قواعد وأسس الاندماج عن طريق الرياضة، تجسدت في ألمانيا بطلة العالم 2014، والتي تكمن في التعرف على الآخر والتعلم منه وتقديره واحترامه والثقة فيه والعمل على تحقيق الفوزكفريق وتناسي الاختلافات، وهذا ما يمز الرياضة وانفتاحها على الآخر.
من جهة أخرى يرى مدرب الاندماج عن طريق الرياضة بأنه بغض النظر عن حيثيات قضية أوزيل والنقاش الدائر حولها والذي قد أساء بشكل أو بآخر إلى صورة ألمانيا في الداخل والخارج كبلد للانفتاح، فإنه وجب التعامل مع مثل هذه المواضيع بحكمة وتريث أكبر وذلك بسبب تاريخه الكوروي و أيضاً باعتباره رمز للاندماج:" أوزيل له أكثر من 90 مباراة دولية وهو بطل لأوروبا تحت 21 وبطل لكأس العالم 2014، وهو من أكثر اللاعبين الذين حملوا القميص الوطني ويمثل نموذج إيجابي للاندماج في ألمانيا ولهذا وجب التعامل مع هذه المواضيع بحكمة وتريث أكثر لأنه من المؤسف أن الشعبويين هم الفائز الوحيد من هذه القضية".
إيمان ملوك