قضية دارفور تعود إلى واجهة الأحداث بقوة
١١ ديسمبر ٢٠١٠يعدُّ خروج كبير مساعدي رئيس الجمهورية ورئيس حركة جيش تحرير السودان مني مناوى عن مسار اتفاق سلام أبوجا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فبعد أن تراجعت الحكومة عن تعيينه في منصب كبير مساعدي رئيس الجمهورية دون أسباب واضحة، التحق مناوي بعدد من قادة الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة فى جوبا عاصمة الجنوب، الأمر الذي اعتبرته الحكومة خروجاً عن اتفاق السلام. وفى حديث مع دويتشه فيله اعتبر الدكتور ربيع عبد العاطي، مسؤول الإعلام في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وجود قادة الحركات في جوبا غير شرعي. "إن الحركة الشعبية تحتضن هذه الحركات في هذا التوقيت بالذات، كي تستخدمها كورقة ضغط في حال عدم الاعتراف بالانفصال." وأكد أن الحركة غير مخولة ببحث الأزمة مع قادة الحركات المسلحة، " لهذا يعتبر تصرفها تجاوزا وتحركا عكس تيار السلام واستفزازا لا يتفق مع مسار السلام." وأظهرعبد العاطي التفاؤل في حل مشكلة دارفور خلال أسابيع، لأن الحركات المسلحة "ممزقة ومشتتة" حسب رأيه.
إعادة إنتاج الأزمة
لكن قادة الحركات المسلحة الموجودين في عاصمة الجنوب، يؤكدون أنهم متواجدون في جوبا بغرض توحيد الحركات، وخلق موقف تفاوضي موحد، وينفون صحة ما يتردد من الحكومة في الشمال من أنهم يسعون لإشعال الحرب بالتنسيق مع حكومة الجنوب. وينفى عادل محجوب حسين، الناطق الرسمي باسم حركة تحرير السودان، أن تكون حركته موجودة في جوبا. وقال "إن قوات حركته متمركزة فى مواقعها في دارفور". أما وجود مناوي في جنوب السودان فهذا وجود طبيعي، حسب رأيه، مشيرا إلى أن الحكومة رفضت تعيينه في منصب كبير مساعدي الرئيس و بذلك لا تقع على كاهله أي مهام للقيام بها في الخرطوم. وتساءل: "ما الداعي إذن لوجوده في الخرطوم؟"
وأشار محجوب إلى أهمية الاتعاظ من تاريخ التجارب السياسية فى السودان "إن اتفاقية أبوجا كان من المفترض أن تكون عبرة لنا" وأضاف أن النظام رفض وقتها مطالب حركات مسلحة أخرى، كحركة العدل والمساواة بقيادة خليل ابراهيم، وحركة تحرير السودان التي يقودها عبد الواحد نور، ووقع اتفاق أبوجا مع أركو مناوي. ثم عبر عن رأيه بأن "الحكومة ستعيد نفس إنتاج أزمة أبوجا من خلال إصرارها على توقيع اتفاق سلام في نهاية هذا الشهر مع حركة التحرير والعدالة في غياب الحركات الرئيسية الأخرى."
" الحسم العسكري ليس بتلك السهولة"
من جهته يجد الناشط في الشأن الدارفوري، صالح محمود المحامي، أن من المشكوك فيه أن يتم توقيع اتفاق سلام قبل التاسع من يناير/ كانون ثاني، وقال إن فرص مثل هذا السلام قد أصبحت ضئيلة. وأشار إلى أن الحركات الرافضة للتوقيع مثل حركتي تحرير السودان بقيادة عبد الواحد، والعدل والمساواة بقيادة خليل ابراهيم أبدت بعض الاستجابة للانخراط في العملية السلمية في مفاوضات الدوحة، وبالتالي فإن الوساطة الدولية يجب أن تمنحهم الفرصة للانضمام إلى عملية السلام. وأضاف محمود أن سياسة الحكومة المبنية على الاستراتيجية الجديدة القائمة على الحسم العسكري ليست بالسهولة التي تتحدث عنها الحكومة. وعلى عكس موقف الحزب الحاكم يرى محمود أن تجمع الحركات في جوبا لا يعرض محاولات السلام إلى الخطر، ويقول إنه على العكس من ذلك فان "اجتماع الحركات في جوبا من شأنه أن يوحد الموقف التفاوضي ويسهل مهمة الوساطة الدولية في الوصول إلي سلام ترضاه كل الأطراف."
حرب بالوكالة
غير أن المراقب والمحلل السياسي محجوب محمد صالح يرى أن طرفي اتفاقية نيفاشا، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، في طريقهما إلى مواجهة قريبة، لأن كل واحد منهما يحاول استنهاض شركائه وحلفائه، وقال إن هذه عملية قديمة في السياسة السودانية تعود إلى فترة الخمسينيات وقال إن الحزب الحاكم يستقطب قوى جنوبية مؤثرة لتحارب له بالوكالة في الجنوب. وكذلك الحال مع الحركة الشعبية، فهي تستقطب شماليين ليحاربوا لها الحزب الحاكم بالوكالة. "هذه حرب بالوكالة وسياسة بالوكالة."
ويشير محجوب إلى أن بعض الناشطين في دارفور يعتقدون أنهم أقرب للجنوب، "وهم عرضة الآن لاستقطاب حكومة الجنوب"، وفقا للمنطق الذي يجعل حكومة الشمال تستغل جنوبيين ليحاربوا لها حكومة الجنوب بالوكالة، أمثال الجنرال جورج أتور، الذي تمرد على حكومة الجنوب وأعلن الحرب عليها. ويقول محجوب إن الحكومة الآن تحاول الإسراع في حل مشكلة دارفور "قبل أن تصبح بؤرة للجنوب"، وفى هذا السياق "فإن كل طرف مستعد للتضحية بحلفائه فيما إذا تم التوافق على حل سياسي."
وحسب رأي المحلل السياسي محجوب لن تتمكن الحكومة من إنهاء الأزمة من خلال إصرارها على التوقيع على اتفاق نهائي في دارفور بين من يحضر نهاية الشهر، "فهذه سياسة ليست جديدة من الحكومة، ونتائجها كانت معروفة للجميع، فاتفاقية أبوجا نفسها كانت بين من حضر، واتفاقية الخرطوم للسلام كانت بين من حضر. وكلاهما فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي سلام." ويقول محجوب إن هذا الأسلوب المتبع الآن يمكن التخلي عنه فيما لو اتفق الشريكان وتوصلا إلى تسوية كبيرة بخصوص استفتاء الجنوب. لكن حتى في حال التوصل إلى مثل هذه التسوية فان الشمال سيواجه أزمة دارفور، "فالمسالة تتوقف على التطورات السياسية المرتبطة باستفتاء جنوب السودان."
عثمان شنقر – الخرطوم
مراجعة: منى صالح