قطع الغاز ـ من سيدفع فاتورة عواقب القرار الجزائري؟
٣ نوفمبر ٢٠٢١توقفت (الاثنين الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2021) واردات إسبانيا من الغاز الطبيعي الجزائري عبر الخط المار بالمغرب، وذلك بعد انتهاء أجل اتفاقية نقله دون أن يتم تجديدها. وبرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عدم تجديد الاتفاقية، بـ "الممارسات ذات الطابع العدواني للمملكة المغربية" تجاه بلاده. وكانت الجزائر قررت في 24 أغسطس / آب الماضي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بسبب مجموعة من الاتهامات وجهتها للرباط. القرار الجزائري يتزامن مع مواجهة أوروبا أزمة طاقة غير مسبوقة، حيث ارتفعت أسعار الغاز بشكل خاص لمستويات قياسية. الحكومة الإسبانية عملت على خفض الضرائب لتخفيف العبء على المستهلكين الذين يعانون الأمرين. هذا الوضع أدى أيضا إلى ارتفاع نسبة التضخم، وهو ما سيؤثر بدوره على دينامية التعافي الاقتصادي التي تراوح مكانها بسبب جائحة كورونا.
صحيفة "فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ" الألمانية سبق وأن نوهت في (العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2021) لهذه المخاطر وكتبت "يبدو أنه لا يمكن وقف الارتفاع الحاد في أسعار الكهرباء في إسبانيا. ويرجع ذلك أيضًا إلى سعر الغاز الطبيعي، الذي قد يصبح قريبًا أكثر ندرة في شبه الجزيرة الإيبيرية. لأن الجزائر ستخفض شحناتها في أكتوبر/ تشرين الأول. وهذا يضرب إسبانيا بشدة بشكل خاص، لأنها تحصل حاليًا على حوالي 45 في المائة من غازها الطبيعي من الجزائر التي كانت تعتبر لحد الآن مزودا موثوقا به. لكن الآن بدأت تظهر آثار الأزمة الدبلوماسية الخطيرة بينها وبين جارتها ومنافستها الإقليمية المغرب". الصحيفة الألمانية سألت خبير الطاقة الإسباني غونزالو إسكريبانو الذي حاول تهدئة المخاوف معتبرا أنه "لن تكون هناك مشاكل في الإمداد بالنسبة لإسبانيا لأن لدينا منشآت كافية لتسييل الغاز الطبيعي، ولكن بالنظر لوضع سوق الغاز، فقد يكون لذلك ضغط إضافي على الأسعار". يذكر أن العقود الآجلة للغاز الأوروبي حطمت الأرقام القياسية عدة مرات هذا العام مع وقف روسيا للغاز المتجه إلى أوروبا وتحول شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى آسيا. وتسببت أسعار الطاقة في ارتفاع معدل التضخم في منطقة اليورو خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم إلى أعلى مستوى له خلال 13 عاما، مما عزز المخاوف بشأن شبح ركود اقتصادي سيتضرر منه الجميع.
أية مكاسب للجزائر من قطع أنبوب الغاز؟
نقلت وكالة الأنباء الجزائرية (الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني) عن وزير الطاقة محمد عرقاب تشديده "على طموح الجزائر لتعزيز تواجدها في السوق الأوروبية بشكل أكبر، من خلال اقتراح كميات إضافية أي أكثر من الحصة الحالية البالغة 30 بالمئة" حسب الوزير. غير أن الأرقام التي يتداولها معظم الخبراء لا تتجاوز 11 بالمئة بشأن حصة الجزائر في السوق الأوروبية، فيما تستحوذ روسيا على المركز الأول بنسبة 40 بالمائة. عرقاب أكد أيضا أن بلاده ستفي بكل التزاماتها لتوريد الغاز إلى إسبانيا والبرتغال من خلال خط أنابيب ميدغاز وشحنات الغاز الطبيعي المسال. وقال موضحا بأن "قدرات أنبوب ميدغاز ... مرشحة للارتفاع لتبلغ 10,6 مليار متر مكعب بحلول شهر ديسمبر/ كانون الأول، ما يساوي معدل الطلب الحالي لإسبانيا والبرتغال". وأضاف عرقاب بأن إجمالي صادرات الغاز الجزائري وصل إلى 30 مليار متر مكعب في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، بزيادة 94 بالمئة عن الفترة نفسها في 2020، أي أوج وباء كورونا الذي شل الاقتصاد العالمي.
صحيفة "لوجورنال دوديمانش" الفرنسية (31 أكتوبر/ تشرين الأول) اعتبرت أن الجزائر تعاقب جارتها المغرب، لكنها بذلك تحرج شركاءها الأوروبيين. واستطردت الصحيفة موضحة بأن الجزائر "تنغلق أكثر فأكثر على نفسها في رحلة متهورة تعتمد فيها على كل ردود الفعل القديمة التي تدين الأيادي الأجنبية لشرح الأزمات التي تمر بها، كما يرى بيير رازو، المدير الأكاديمي لمؤسسة الدراسات الإستراتيجية المتوسطية (Fmes)". واستطردت الصحيفة في تحليلها مستشهدة بالخبير رازو أن "المكاسب الجيوسياسية لهذا القرار الجديد منعدمة تماما، لكن السلطات الجزائرية لا تعير اهتماما لذلك، لأن ارتفاع أسعار الغاز والنفط يمنحها مهلة إضافية في مواجهة رأي عام ينتظر إعادة التوزيع الاجتماعي (لريع المحروقات)".
مولدافيا ـ الغرب وكابوس استعمال الغاز سلاحا جيوسياسيا
هناك كابوس يراود الغرب منذ حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 بين الدول العربية وإسرائيل، حين توقفت صادرات الشرق الأوسط من النفط عقابا للدول الداعمة لإسرائيل في حربها ضد الجيوش العربية. قرار المقاطعة أدى لمضاعفة أسعار النفط أربع مرات خلال أربعة أشهر، وهو ما أدى إلى ركود الاقتصاد العالمي. ومنذ ذلك الحين والدول الغربية تستهجن استخدام الطاقة كسلاح في الصراعات السياسية. وآخر حالة تتعلق بمولدافيا حيث اتّهم الاتحاد الأوروبي على لسان وزير خارجيته جوزيب بوريل روسيا باستخدام الغاز "كسلاح جيوسياسي" في نزاعها مع مولدافيا، وتعهّد بتقديم مزيد من الدعم لمساعدة الحكومة الموالية للغرب على التصدي للأزمة. وكانت مولدافيا قد أعلنت حالة الطوارئ بسبب النقص الحاد في الغاز بعدما رفعت شركة غازبروم التابعة للدولة الروسية أسعار إمداد الدولة الفقيرة بالغاز. وقال بوريل عقب لقائه رئيسة وزراء مولدافيا ناتاليا غافريليتا في بروكسل "نشهد محاولات من غازبروم لممارسة ضغوط سياسية مقابل خفض أسعار الغاز". صحيفة "غارديان" البريطانية كتبت بهذا الشأن (29 أكتوبر/ تشرين الأول) "أسواق الغاز أكثر تعقيدًا من صنبور يمكن أن يفتحه أو يغلقه فلاديمير بوتين. لكن الجيران الأقرب لروسيا (..) يعرفون من تجارب مريرة أن الكرملين يوظف صادرات الطاقة لأهداف استراتيجية".
وفي نفس السياق بحث الرئيس الأمريكي جو بايدن مع بالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ما أسماه البيت الأبيض بجهود منع روسيا من التلاعب بتدفق الغاز لأغراض سياسية. خطوة بايدن، جاءت بعدما أظهرت بيانات (السبت 30 أكتوبر/ تشرين الأول) من شركة ألمانية لتشغيل خطوط الأنابيب أن تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا توقفت في جزء من خط أنابيب يامال-أوروبا الذي ينقل الغاز إلى ألمانيا عبر بولندا. وترسل روسيا الغاز إلى أوروبا الغربية بعدة طرق مختلفة من بينها خط أنابيب يامال-أوروبا الذي تبلغ طاقته السنوية 33 مليار متر مكعب. غير أن شركة غازبروم الروسية أكدت أن طلبات العملاء الأوروبيين تم تلبيتها بالكامل يوم السبت. يذكر أن وكالة الطاقة الدولية وبعض النواب الأوروبيين اتهموا غازبروم بعدم القيام بما يكفي لزيادة إمداداتها إلى أوروبا.
إسبانيا حريصة على تنويع مصادر التزود بالغاز
تعتبر الجزائر أهم مزود لإسبانيا بالغاز متبوعة بنيجيريا، روسيا، الولايات المتحدة ثم قطر. ويفرض القانون على الدولة الإسبانية ألا تتجاوز حصة أي مورد نسبة 50 بالمئة من السوق الإسبانية. وهكذا وخلال السنوات الماضية فاقت واردات الغاز من الولايات المتحدة وقطر تلك التي تأتي من الجزائر. ولهذا السبب تملك إسبانيا البنية التحتية والمصانع لتسييل الغاز التي تمكنها من تقليل اعتمادها على خطوط الأنابيب. وتملك إسبانيا خمسة من تلك المصانع في موانئ كبيرة كما تملك أكبر ثاني أسطول من الناقلات داخل الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، يحذر معهد أكسفورد لدراسات الطاقة من أن الجزائر لن تكون قادرة على زيادة تسييل الغاز بشكل كبير على المدى القصير.
على المستوى الأوروبي بدأت المخاوف المتعلقة بإمدادات الغاز تهدأ نسبيا بعدما أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توجيهات لشركة غازبروم الروسية، أكبر مزود لأوروبا بالغاز، بالتركيز على إعادة ملء مواقع تخزينية في ألمانيا والنمسا اعتبارا من الثامن من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، فور انتهاء الشركة من سد النقص في المخزون الداخلي الروسي. وجدد الناطق باسم الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، (الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني) التأكيد على أن روسيا تفي بالتزاماتها تجاه أوروبا فيما يتعلق بعقود الغاز المبرمة.
المغرب يقلل من شأن تأثير القرار الجزائري
لم يأت أي رد فعل رسمي من الحكومة المغربية على القرار الجزائري، غير أن "المكتب الوطني المغربي للهيدروكاربورات والمعادن"، و"المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب"، أكدا في بيان مشترك أن ذلك لن يكون له في الوقت الحالي سوى "تأثير ضئيل" على أداء النظام الكهربائي الوطني. وأضاف البيان أنه "نظرا لطبيعة جوار المغرب، وتحسبا لهذا القرار، فقد تم اتخاذ الترتيبات اللازمة لضمان استمرارية إمداد البلاد بالكهرباء". وأوضح البيان أيضا أن المغرب بصدد دراسة خيارات أخرى على المديين المتوسط والبعيد. والغاز الجزائري كان يزود محطتين للطاقة الحرارية في تهدارت (شمال المغرب) وعين بني مطهر (شرق) بما قدره 700 مليون متر مكعب في السنة. وهي كمية يمكن تعويضها من السوق الدولية رغم التوتر الحالي على مستوى الأسعار.
خط أنابيب الغاز البديل "ميدغاز" الذي قررت الجزائر أن يعوض خط المغرب العربي لا ينقل سوى ثماني مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، وتسعى الجزائر لزيادة طاقته السنوية لتصل إلى 10,5 مليار متر مكعب. ووعدت الجزائر بتعويض أي نقص في إمدادات الأنبوب بالغاز المسال وإرساله بالسفن عبر البحر، خيار يرى بعض الخبراء أنه قد لا يكون مجديا من الناحية التجارية. يذكر أن الجزائر دأبت منذ عام 1996 على تصدير حوالي 10 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى إسبانيا والبرتغال عبر الخط الذي يمر بالمغرب.
تذبذب السوق رغم مؤشرات تدفع باتجاه انخفاض الأسعار
مؤشرات احتمال انخفاض أسعار الغاز أو على الأقل وقف اتجاهه التصاعدي، جاءت من الولايات المتحدة، حيث انخفضت العقود الآجلة للغاز الطبيعي أكثر من أربعة بالمئة إلى أدنى مستوى في أسبوع (الاثنين الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني) بسبب زيادة الإنتاج وانخفاض كان متوقعا في الطلب الأسبوع القادم وتزايد التوقعات بأن الولايات المتحدة سيكون لديها مخزون وفير من الغاز لموسم التدفئة الشتوية. وتقارب أسعار الغاز في أوروبا 24 دولارا لمليون وحدة حرارية، و30 دولارا في آسيا، فيما لا تتجاوز خمسة دولارات في الولايات المتحدة. عامل آخر قد يساهم في تراجع أسعار الغاز الأوروبية ويتعلق بقرار السلطات الصينية زيادة إنتاج الفحم لتهدئة المخاوف بشأن نقص إمدادات الطاقة خلال الشتاء الحالي.
غير أن هذا التوجه غير موثوق به، حيث قفزت العقود الآجلة للغاز الطبيعي الأمريكي بحوالي 7 بالمئة، (جلسة الثلاثاء الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني)، بدعم من موجة شراء في أعقاب هبوط الأسعار بحوالي 16 بالمئة، على مدار الجلسات الثلاث السابقة في وقت ظل فيه الطلب العالمي على صادرات الغاز المسال الأمريكي كبيرا. وارتفاع الأسعار هذا تواصل رغم زيادة الإنتاج وتوقعات الطقس البارد في أوروبا. وبالتالي فإن الصورة لاتزال غامضة وليس من الواضح بعد في أي اتجاه ستسير السوق خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
حسن زنيند