"قلب طيّب" .. روايةٌ تبحث عن مجتمع متعدد الثقافات
٢٩ سبتمبر ٢٠١٣أشارت المستشارة أنغيلا ميركل في أحدىالمرات خلال حديثها عن الاندماج، إلى أن منهج تعدد الثقافات الألماني باء بالفشل. لكن هاينز بشكوفسكي وتيلو سرازين، عضوا الحزب الاشتراكي الديمقراطي في برلين تمكنا من تحقيق ذلك من خلال كتبهما المثيرة للجدل حول الاندماج، والتي اعتلت قوائم الكتب الأكثر مبيعا. ولا يخفي كثير من المثقفين ومن ضمنهم الكاتب رالف غيوردانو نظرته المتشائمة حيال التقدم في تحقيق مجتمع متعدد الثقافات. الحديث حول هذا الشأن مهم للغاية، فهو يتعلق بالإجابة عما إذا كان من الممكن على المدى البعيد توفير نموذج مجتمع يضم جنسيات ولغات وأعراق مختلفة. ورغم تناقص الاهتمام بهذا السؤال في الآونة الأخيرة سياسياً، لكنه يستمر بكسب الاهتمام اجتماعياً وثقافياً. وهو ما يشير إليه الكاتب الهولندي ليون دي ونتر.
تأملات حول أوروبا
يقطن الكاتب الهولندي دي ونتر منذ أعوام في ألمانيا ويعمل روائيا ناجحا وكاتب مقالات رأي اجتماعية في صحيفة ألمانية يومية. يسافر دي ونتر في أنحاء ألمانيا محاولا الترويج لروايته الجديدة " آين غوتيس هيرتز" أو" قلبٌ طيّب". إذ خلط دي ونتر بين الواقع والخيال في روايته مستخدما شخصيات حقيقية وأخرى مختلقة متناولاً موضوع مجتمع متعدد الثقافات. يقول الكاتب في حوار له معDW" أحداث الروايةقد تجري فعلا في ألمانيا"، إذ تدور قصة الرواية حول السياسة والمجتمع في العقد الماضي". ووفقاً للكاتب، فإن كثيرا من الأمور في أحداث الرواية دارت بالواقع في هولندا وناقشت مسألة مجتمع متعدد الثقافات.
أسئلة حول الاندماج
بعد اغتيال أحد الإسلاميين المتطرفين منتج الأفلام الهولندي ثيو فان غوخ، عقب انتقاد الأخير للمد الإسلامي في أوروبا، كثر الحديث في هولندا وألمانيا حول اندماج المهاجرين في الديمقراطيات الغربية. غالبية هؤلاء المهاجرين في هولندا يرجعون لأصول شمال إفريقية أو من مستعمراتها السابقة.
وتبعاً لدي ونتر، ينقسم المهاجرون إلى ثلاثة أنواع:" الأول مندمج بشكل جيد، والثاني يحاول جهده أن يندمج وهؤلاء بحاجة للدعم والمساعدة. أما النوع الثالث والمثير للمشاكل، فهو القسم الرافض للاندماج والديمقراطيات الغربية. هذه الفئة تنطوي على ذاتها وتكره محيطها". والسبب في ذلك يعود إلى أن "المجتمع لم يحقق لها توقعاتها". ويشير دي ونتر إلى أن ألمانيا وهولندا تتشابهان في هذا الشأن إلى حد بعيد.
اعتداءات ضد اليهود
هنا يتناول دي ونتر قصته الحقيقية التي أدت به إلى كتابة روايته. إذ لم يكتفِ منتج الأفلام المثير للجدل، ثيو فان غوخ، بنقد الإسلام، بل كثيراً ما هاجم بحدة ابن وطنه دي ونتر. ورغم أن الأخير ولد لعائلة يهودية، إلا أنه لا يصنف نفسه كيهودي:" أنا في الغالب ملحد، في بعض الساعات أغنوسطي، وفي أوقات الرهبة والاضطراب مؤمن جداً". يصف الكاتب نفسه.
كان فان غوخ قد اتهم دي ونتر بأنه يستغل انتمائه لليهودية في التسويق لكتبه، حتى أنه استخدم في هجماته ألفاظاً معادية للسامية. لكن فان غوخ غيّر من وجهته وهاجم الإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر، الأمر الذي تسبب في اغتياله على يد متطرف إسلامي. أما قصة فان غوخ ودي ونتر فقد استمرت حتى بعد وفاة المخرج الهولندي. يقول دي ونتر:" ظهر لي ثيو فان غوخ في المنام متيحاً لي فرصة الانتقام منه، قائلاً " أفعل بي ماتشاء"".
نظرة متزنة للماضي
بث دي ونتر الحياة في روح فان غوخ بعيد موته في الرواية، واستغنى عن الانتقام من ابن بلده ملقياً الضوء عليه بشكل متزنٍ. يقول الكاتب" لاحظت تقارباً في أفكارنا بعد فترة، ففي كل مرة استقبلت فيها بلادنا أمواج مهاجرين من ثقافات غير غربيه، سجّل كلانا ظواهر مشابهه". ويسترسل في وصف المشكلة المجتمعية:" شبان من دون تعليم. ارتفاع في نسبة الجريمة. فتيات يكافحن لتحرير أنفسهن من الكبت والقمع". وتتفشى بعد ذلك ظاهرة التوجه إلى الإرهاب بين الشباب على سبيل المغامرة.
يشاركه كثير من المثقفين في ألمانيا رأيه في ذلك. فآراء الكاتب رالف غيوردانو كانت قبل ستة أعوام محور النقاش، المتعلق بالفشل الذريع في تحقيق مجتمع متعدد الثقافات. "معضلة الهجرة والاندماج تستمر في الحياة بيننا"، يقول غيوراندو المعروف بنظرته التشاؤمية والتي أدت إلى اتهامه بالعنصرية. الاتهام الذي يشعره إلى يومنا هذا بالألم أكثر من غيره، فهو احد الناجين من المحرقة النازية.
انعدام التبادل الثقافي
ما أسباب فشل المجتمع متعدد الثقافات وفقاً للمثقفين؟ ليون دي ونتر يجيب على ذلك، بأن السبب يعود إلى ضعف في المشاريع التعليمية في البلاد الناطقة بالعربية. كما أن انعدام التبادل الثقافي وقلة الترحيب بفرصه تعد من الأسباب أيضاً، فالسؤال المطروح هو؛ أي نوع من العقول تأتي إلى أوروبا من هذه المنطقة. ولذا، فإن الكاتب يرى المستقبل غائماً، ويقول:" ليس بإمكاننا نحن في أوروبا الإجابة عن هذه الأسئلة. الإجابة ستأتي من العالم العربي".