كارولا عبد السلام – مسلمة ألمانية نذرت نفسها للعمل التطوعي
١٨ مارس ٢٠١٣قبل أيام قليلة تسلمت كارولا باتِن – عبد السلام خطاب دعوة من الرئاسة الألمانية لمقابلة الرئيس الألماني يوآخيم غاوك، إذ وقع الاختيار عليها لتتسلم من الرئيس "وسام الاستحقاق" الاتحادي. "كان يوما رائعا، رافقني أفراد من عائلتي وكانوا متحمسين جدا لحفاوة الاستقبال هناك"، تصف السيدة باتِن – عبد السلام أجواء تسلمها الوسام.
لم تكن السيدة باتِن – عبد السلام الوحيدة التي نالت ذلك التكريم، الذي تصادف مع اليوم العالمي للمرأة، بل كانت تقف كواحدة من بين 33 امرأة جرى تكريمهن لأعمال مميزة قمن بها لخدمة ألمانيا، ولكنها كانت المسلمة الوحيدة. تقدمت السيدة كارولا عبد السلام مرتدية حجابها ورداءها الأخضر والابتسامة تملأ وجهها، لتتسلم "الوسام" من الرئيس غاوك.
كما سبق أن نالت السيدة كارولا شرف اختيار مدينة بون لها في العام الماضي 2012 لتكون سفيرة للمدينة في العرض الذي تقدمت به من أجل الحصول على شرف استضافة مقر الصندوق الدولي للمناخ.
20 عاما من العمل التطوعي
لابد أن لجنة الاختيار لاحظت وجود عمل استثنائي قدمته المهندسة الزراعية (56 عاما) حتى استحقت هذا التكريم. القصة بدأت مطلع تسعينات القرن الماضي، عندما أرادت السيدة الألمانية ممارسة هوايتها التي تعشقها، وهي السباحة، وأرادت أيضا أن تتيح تعليمها لبناتها على النمط الذي ترتضيه لنفسها ولبناتها من خصوصية لا تتاح في المسابح السائدة في المدينة، فلم تجد ضالتها في مدينة بون (العاصمة الاتحادية آنذاك) وضواحيها. فولدت فكرة تأسيس نادٍ رياضي مسجل رسميا يمكن للنساء أن يتعلمن فيه السباحة على يد مدربات مختصات. وهكذا تأسس نادي الهلال الرياضي الدولي، حيث تزوره نساء من مختلف الجنسيات. 22 عاما مرت على تأسيس النادي الذي يقدم صورة مثالية عن الاندماج في البلد الأوروبي الذي يعيش فيه الآن حوالي 4 ملايين مسلم، نصفهم تقريبا يحملون جنسيته. بقيت كارولا رئيسة لمجلس إدارة النادي الرياضي لمدة 15 عاما، وأعطته جلّ وقتها.
يضم النادي حاليا أكثر من 900 عضوا من الجنسين، ليكون أكبر منظمة اندماج في بون. نشاط النادي يشمل السباحة في أوقات مخصصة لكل من الجنسين، كما توجد دورات منفصلة لتعليم السباحة. إضافة لتدريبات وفرق رياضية في كرة القدم والكرة الطائرة، إلى جانب نشاطات غير رياضية اجتماعية وثقافية ينظمها النادي.
ولا تنسى كارولا أن تشكر رفاق الدرب الذين ساهموا بانطلاقة النادي وعملوا فيه بشكل تطوعي ومازالوا حتى اليوم. "شكري أوجهه لمدربتيّْ السباحة للنساء إيريكا وهايدي فلام"، وهما شقيقتان ألمانيتان أعجبتهما فكرة النادي وانضمتا إليه منذ البداية. كما تشكر كارولا زوجها وأبناءها الذين كانوا أحيانا يضطرون لتدبر أمورهم بأنفسهم كونها مشغولة. "أحيانا كنت أدير النادي من مطبخ المنزل. عليّ أن أطبخ لأبنائي وفي الوقت نفسه أنجز الأمور الإدارية الخاصة بالنادي".
وكانت المهندسة الزراعية تنسى هذه الصعوبات بمجرد أن ترى "الابتسامة على وجوه النساء والأطفال وهم يتعلمون السباحة. كان ذلك أكبر حافز لي لأواصل العمل". من أكثر الأشخاص الذي سعدت كارولا برؤيتهم كانت سيدة صومالية بلغت 65 عاما من العمر. جاءت تريد تعلم السباحة في هذه السن، وقد نجحت بالفعل، وهنا تعلق كارولا بالقول: "إن ذلك ليس مجرد وسيلة للمرح والتسلية فقط، وإنما وسيلة هامة للرعاية الصحية أيضا".
الرحلة إلى السودان
أثناء دراستها في كلية الهندسة الزراعية تعرفت كارولا –المولودة لأسرة ألمانية "عادية" كما تصفها - على طلبة من دول أخرى بينها دول إسلامية، وبدأ اهتمامها بالثقافات الأخرى. وزارت خلال سنوات الدراسة مصر، كما أجرت تدريبا لدى وكالة ألمانية في الجزائر. وبعد تخرجها من الجامعة حصلت كارولا على أول وظيفة لها مع الوكالة الألمانية للتعاون الفني، وكان عليها حزم حقائبها والتوجه إلى بلد زراعي بامتياز ويحتاج المساعدة.
هناك في السودان تعرفت كارولا على المسلمين عن قرب واعتنقت الإسلام، وفي السودان أيضا تعرفت على زوجها - وهو الآخر مهندس زراعي – وتزوجا وأسسا عائلتهما الحالية. سنوات عدة قضتها في السودان، "كان وقتا جميلا" كما تقول، "تعلمت خلاله الكثير، وحتى اللهجة السودانية". وفي نهاية الثمانينات/ مطلع التسعينات انتقلت العائلة إلى ألمانيا.
الأسرة والمجتمع وأشياء أخرى
كارولا، الأم لأربعة أبناء، لم تواجه الكثير من الصعوبات في وطنها الذي تعود إليه مجددا. وعندما قررت ارتداء الحجاب شاهدت تغيرا طفيفا في تعامل البعض معها: "الجميع يلاحظ ذلك التغيير في مظهري الخارجي، ولكن لم يعاملني أحد بطريقة مختلفة، لم ألحظ رفضا من المجتمع".
أكثر ما يزعج كارولا هو النقاش الذي تثيره بعض وسائل الإعلام وتربط فيه بين المسلمين والإرهاب، "لا أدري لماذا يتم ذلك الربط". ولكن ذلك لا ينتقص من التطور المهم الذي تعرفه سياسة الاندماج في ألمانيا. "دورات تعلم اللغة الألمانية التي باتت إلزامية للمهاجرين هي أمر هام جدا. وكذلك القرار بتسريع الاعتراف بالشهادات الدراسية الأجنبية".
ما يعجب كارولا في العيش في ألمانيا هو التزام مؤسسات الدولة بتطبيق القوانين التي تمنح الجميع حقوقهم، بغض النظر عن الدين أو العرق، حيث "يحصل المرء على الجنسية الألمانية عقب إقامته لفترة معينة، والحريات الأساسية مصانة للجميع"، كما تقول. ثم تستدرك السيدة باتِن –عبد السلام، قائلة: "ولكن ذلك هو الجانب المضيء برأيي، بينما نفتقد هنا في ألمانيا الحميمية وأواصر التقارب وعادات إكرام الضيف الموجودة في البلاد العربية".
لم تعق المشاغل الكثيرة والعمل المتواصل السيدة الألمانية عن أداء واجبها في تربية أبنائها الأربعة على أحسن وجه. فقد استطاعت كارولا وزوجها تربية الأولاد بنجاح، حيث درس ابنها الأكبر العلوم الرياضية ويتولى الآن الإشراف على النادي الرياضي في مدينة بون، بينما درس الابن الثاني الاقتصاد، أما البنت الكبرى فتدرس في مرحلة الماجستير في مجال التربية، والبنت الصغرى تدرس القانون. الأبناء الأربعة كانوا أكبر عون في تسيير أمور ونشاطات الجمعية، وعن ذلك تقول كارولا: "إلى جانب دراستهم، تقاسموا معي العمل في النادي وفي البيت. جميعهم ساعدوا في النادي ومازالوا حتى الآن نشطين فيه". كارولا تتمنى أن تتاح "مجالات أخرى للتقارب بين المجتمع الألماني والوافدين إليه، وأن يكون الحكم فيه على أساس عطاء الفرد للمجتمع، وليس علي أسس تعتمد على المظهر أو العرق أو الدين".