كرة القدم العراقية.. محاولات حثيثة للتخلص من "حكم مسبق"
٢٣ مارس ٢٠٢٢اعتاد العراق منذ عقود على فكرة انعدام القدرة على استضافة منافسات ومباريات كرة القدم الدولية. فقد أدت الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات، وحرب الخليج الأولى، والغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، وما تلاه من عدم الاستقرار، إلى إصدار الفيفا أمرا للعراق بلعب مبارياته، التي يجب أن يلعبها على أرضه، في بلدان أخرى مثل الأردن وقطر.
ومع تحسن الوضع الأمني خلال السنوات الأخيرة، سادت مشاعر الفرحة في فبراير/ شباط عندما أعلن الاتحاد العراقي لكرة القدم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قد أعطى الضوء الأخضر لبغداد لاستضافة إحدى مباريات تصفيات كأس العالم في 24 مارس/ آذار أمام الإمارات العربية المتحدة - لتصبح بذلك أول مباراة دولية تقام في العاصمة منذ عام 2001.
لكن قبل خمسة أيام من انطلاق المباراة، أعلن الفيفا أنه تم تحويل المباراة إلى الرياض. جاء هذا التغيير بعد قصف صاروخي تعرضت له مدينة أربيل شمال العراق في 14 آذار/ مارس،نفذه الحرس الثوري الإيراني بزعم استهدافه "مركزاً استراتيجياً" إسرائيلياً.
أولويات مختلفة
يقول جيمس دورسي، الخبير في سياسات كرة القدم في الشرق الأوسط وزميل مدرسة إس. راغاراتنام للدراسات الدولية في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، إن العراق والفيفا لديهما اختلاف في الأولويات. ويضيف "للعراق مصلحة في اللعب على أرضه لأسباب تتعلق بكرة القدم .. لكن الأمر يتعلق أيضاً بتجاوز الصورة الدولية للصراع، والقدرة على استضافة تصفيات كأس العالم مؤشر على ذلك. هذا هو مصدر قلق العراق، ولكنه ليس مصدر قلق الفيفا".
كان رد فعل العراق هو مزيج من الجزع والغضب. فكتب لاعب الوسط أحمد ياسين، على صفحته بموقع فيسبوك: "كرة القدم تُلعب في جميع أنحاء البلاد دون أي مشاكل على الإطلاق".. "هذا الحظر لا معنى له. إلى متى علينا الانتظار؟"
واحتج المشجعون خلال جلسات تدريب المنتخب الوطني، وأطلقوا حملة على وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام هاشتاغ (وسم) #FOOTBALLinBAGHDAD. وصرح مسؤول بالاتحاد العراقي لكرة القدم لـ DW أن الاتحاد حاول إقناع الفيفا بتغيير قراره، ولكن دون جدوى.
وانتقد عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة قرار الفيفا، وأشار عدد منهم إلى أن السعودية والإمارات تتعرضان لهجمات صاروخية بعضها أسقط قتلى إلى جانب أعداد من الجرحي، فيما لم يتعرض العراق لمثل هذه الهجمات إلا في إربيل وهو ما نجم عنه جريح واحد فقط.
وكتب أحدهم على موقع تويتر: هل أنتم متأكدون (الفيفا) من أنكم تريدون إقامة المباريات في السعودية، مضيفاً صوراً لهجمات تعرضت لها مؤسسات نفطية سعودية:
يمكن لدورسي أن يتفهم حجة كلا الجانبين. ويقول لـ DW: "العراق بلد من غير المحتمل أن يحدث فيه شيء ما، لكنه أيضاً بلد يتم إطلاق الصواريخ فيه. لن يكون هذا هو مصدر القلق إذا ذهبت إلى باريس، على سبيل المثال"، مضيفاً: "قد يكون الفيفا شديد الحذر، لكن من الصعب التعامل معه".
أسباب "كروية"!
بصرف النظر عن المباراة التأهيلية التي أقيمت في مدينة أربيل شمالي العراق ضد الأردن في عام 2011، وفي البصرة جنوباً ضد هونغ كونغ في عام 2019، فإن محاولات العراق للتأهل لكأس العالم لأول مرة منذ ظهوره الأول على مسرح المونديال في عام 1986 تضررت بشدة بسبب عدم تمكنه من اللعب في عقر داره.
في يوليو/تموز 2021، عين الاتحاد العراقي لكرة القدم "ديك أدفوكات" مديراً فنياً للمنتخب الوطني قبل الجولة الأخيرة من التصفيات المؤهلة لكأس العالم. يعتقد مدرب هولندا السابق أن لعب مباريات العراق في قطر كانت عائقًا كبيرًا أمام التأهل خاصة عند مواجهة أفضل المنتخبات في القارة.
وقال أدفوكات لـ DW: "الكل يعرف أنك بحاجة إلى أداء جيد على أرضك للتأهل لكأس العالم. لكن من الصعب على العراق تحقيق ذلك".. "فرقٌ مثل كوريا الجنوبية وإيران لديها حشود ضخمة وراءها في سيول وطهران، وهذا أمر يحدث فارقًا كبيرًا. إذا أتيح الأمر نفسه للمنتخب العراقي بإقامة مبارياته في بغداد، فسيكون لديه قوة ضاربة، لأنه إلى جانب الجماهير لدى الفريق عدد من اللاعبين الموهوبين أيضا."
في التصفيات، جاء العراق ثالثاً خلف كل من إيران وكوريا الجنوبية، وجمع خمس نقاط فقط من أول ثماني مباريات. لكن لو كان الفريق قد تمكن من اللعب أمام 30 ألف مشجع متحمس في بغداد، لكان من الممكن أن يحول واحدا أو اثنين من هذه التعادلات الخمسة إلى انتصارات، وكان هذا من شأنه أن يمنح الفريق العراقي فرصة أكبر بكثير من المركز الثالث في المجموعة والدخول بعد ذلك في طريق التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم.
بداية جديدة للعراق
يصر المسؤولون والمشجعون واللاعبون في العراق على أن كل شيء على ما يرام. أحد اللاعبين، طلب عدم الكشف عن هويته، قال لـ DW: "نعلم جميعًا الوضع في الماضي، لكن الفيفا لا يزال يتخذ هذه القرارات بناءً على الماضي وليس الحاضر".
وقارن اللاعب هجمات أربيل الأخيرة، التي أفادت تقارير بإصابة مدني واحد نتيجة وقوعها ولم تسفر عن أي قتلى، بالهجمات الصاروخية التي شنت في يناير/كانون الثاني على أبو ظبي والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص.. "الإمارات العربية المتحدة ما زالت تلعب على أرضها، ولا يوجد حتى نقاش حول المسألة"، يضيف اللاعب.
في 18 مارس/ آذار، فاز العراق على زامبيا 3-1 أمام جمهور متحمس في مباراة ودية في بغداد. وأشاد "آلخوسا أسانوفيتش" مدرب زامبيا بالمضيفين. وأضاف: "وجدنا الوضع مثالياً وشوارع العاصمة مليئة بالأمن والسلام. العراق يستحق أن يلعب على أرضه وفي ملاعبه."
كانت هناك مباريات ودية في العراق من قبل. لكن بحسب قرار فيفا، فإن إقامة منافسات رسمية أمر مختلف.
وتأمل كرة القدم العراقية أن يبدأ عهد جديد في وقت قريب. لكن الأمر بيد العراقيين، ويبدو أن "الأمر سيستغرق وقتاً" بحسب ما قال دورسي.
مات بيرسون/عماد حسن