كفاح مسيحي العراق من أجل البقاء
٦ أكتوبر ٢٠١٠تعج كنيسة القديس يوحنا المعمدان بالمصلين. حوالي 200 من الرجال والنساء والأطفال يجلسون على مقاعد خشبية وينصتون إلى القداس الذي يلقيه الكاهن باللغة الآرامية. الهيكل مغطى بالرخام، ويوجد صليب كبير في الخلفية. وتقع هذه الكنيسة في عين كاوه، وهي مدينة صغيرة بالقرب من أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق. ومن المثير للانتباه أن المدينة تعج بالكنائس من طوائف وملل مختلفة، مما يجعل عين كاوه واحة للحياة المسيحية في بلاد الرافدين. فكل الكنائس الشرقية ممثلة هنا في هذه المدينة.
هروب معهد اللاهوت
يوجد المقر الصيفي لبطريركية الكنسية الكلدانية على أطراف المدينة، وبها أيضاً معهد اللاهوت، الذي انتقل منذ وقت قصير من بغداد إلى الشمال. فبعد تعدد حالات اختطاف الكهنة وأعضاء مجلس الإدارة في بغداد، لم يبق أمام القائمين على المعهد، كما يروي رئيسه الأب بشار ورد، سوى الخيار بين أمرين،
إما إغلاق المعهد أو الانتقال إلى مكان أخر في العراق. ووقع الاختيار على الحل الثاني، والانتقال إلى عين كاوه.
ولا توجد أي بيانات مؤكدة عن ضحايا حوادث العنف في السنوات الأخيرة. وتقدر منظمة الشعوب المهددة أنه كان يعيش في العراق حوالي 650 ألف قبل انهيار النظام البعثي. واضطر نصفهم إلى ترك مساكنهم في السنوات الماضية. ومنهم عزيز الزيباري، الذي نزح من الموصل منذ خمس سنوات، وهو يعيش الآن في عين كاوه ويُدرس مادة التربية في جامعة أربيل.
ويروي الزيباري، كيف أنه كان شاهد عيان على مغادرة 30 عائلة مسيحية لأربيل خلال ثلاثة أيام فقط: "سار ملثمون عبر شوارع المدينة وأخذوا يصيحون بمكبرات الصوت: فليرحل الكفار، ونجحوا في نشر الخوف والرعب، فهرب العديد من العائلات إلى كردستان."
دفعت هذه التجارب السيئة عزيز الزبياري إلى المطالبة بتأسيس منطقة خاصة بالمسيحين: "نحتاج إلى كيان سياسي في دولة العراق وذلك للحفاظ على الوجود الثقافي لنا." وهو يطالب بالحكم الذاتي في المناطق التي يشكل فيها المسيحيون الأغلبية. وتستند مطالب الزبياري في ذلك إلى الدستور الجديد، حيث تمنح المادة 35 الحق في ذلك. "وهذا هو الحال في بعض المناطق في شمال العراق وفي سهول نينوى. فنحن نستطيع أن نعيش في أمان في هذه المناطق، وأن نمارس طقوسنا ونتحدث لغتنا."
الدستور يضمن حقوق الأقليات
الزيباري عضو المجلس القومي الكلداني السوري الآشوري، القريب من الحزب الكردي الديمقراطي، وكان مؤسسه ورئيسه الحالي، سركيس أغاجان وزيرا للاقتصاد والمالية في الحكومة الكردية في أربيل لعدة سنوات. وهو يسعى بشدة إلى المناداة بمنطقة حكم ذاتي للمسيحين تحت الحماية الكردية. ولكن هذه الخطة محل نزاع كبير بين مسيحي العراق.
وتعتبر الحركة الأشورية الديمقراطية التي تأسست في السبعينات من معارضي هذا المجلس. ويرأس نزار حنا المكتب السياسي التابع لها ومقره عين كاوه. وهو يطالب أيضاً بالمزيد من الحقوق للمسيحين وبمنطقة تتمتع بالحكم الذاتي، ولكن بالاتفاق مع الحكومة المركزية في بغداد. ولكن حنا ينتقد عدم وجود خطط توضح طريقة تسيير الأمور في منطقة حكم ذاتي.
فعلى الرغم من أن الدستور يعطي الحق للمسيحين يالحكم الذاتي في المناطق التي يشكلون فيها الأغلبية، لكن هذا الوضع ليس موجودا في أي مكان كما يوضح حنا ويضيف: "نحن ننسى أنه لا توجد مناطق مترابطة، يعيش فيها مسيحيون فقط، إنما يعيش فيها أيضاً الشبك، واليزيديون، والأكراد، والعرب."
هروب إلى الشمال
يواجه مسيحيو العراق اليوم وضعا صعبا: فمن ناحية أظهرت الحكومة في بغداد عدم قدرتها على حمايتهم، والكشف عن ملابسات حالات القتل، التي يتعرضون لها. وفي نفس الوقت يستقبلون بالترحيب الحار في المناطق الكردية، ويدعمون مادياً، ويشجعون على المطالبة بالحكم الذاتي. ومن ناحية أخرى يخشى الكثيرون من المسيحيين أن يقعوا بين مطرقة العرب وسندان الأكراد.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الخوف كبير من أن يتعرض المسيحيون بسبب طموحهم السياسي إلى هدف للمتطرفين القومين والمتعصبين الديني. وبغض النظر عما يصل إليه الجدل الداخلي الدائر بين الأطراف المسيحية حول الحكم الذاتي، فإن نزوح المسيحين من كل أنحاء العراق شكََل حقائق سكانية جديدة في الشمال. ويخبرنا بشار ورد كيف يحكي النازحون من بغداد والموصل بشوق كبير عن مدنهم الأولى، ولكنهم تعبوا من الوضع غير المستقر، مما يجعل الكثير منهم يريدون البقاء بصفة دائمة في شمال العراق ويشترون منازل وأراضي.
منى النجار/ حسام صابر
مراجعة: منى صالح