كوب 28.. ماذا ينتظر العالم من قمة المناخ في دبي؟
٢٩ نوفمبر ٢٠٢٣ينطلق يوم الخميس (30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023) مؤتمر الأطراف حول المناخ "كوب 28"، الذي يعد أحد أهم المؤتمرات الدولية المعنية بمحاربة ظاهرة تغير المناخ؛ في دولة الإمارات التي تعد من أكبر البلدان المنتجة للنفط عالميا.
وأثار اختيار الإمارات لاستضافة قمة المناخ العالمي الجدل بالتوازي مع الجدل الذي أثاره تعيينها سلطان الجابر، رئيس إحدى أكبر شركات النفط في العالم، لقيادة قمة المناخ "كوب 28" في اختيار وصفه المبعوث الأمريكي للمناخ جون كيري بـ "الرائع".
يشار إلى أن سلطان الجابر هو الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) التي تعد إحدى أكبر شركات النفط في العالم، فيما يشغل أيضا منصب وزير الصناعة والتكنولوجيا في دولة الإمارات .
وفي الوقت الذي رحب فيه زعماء العالم بتعيين الجابر، أعرب سياسيون ومنظمات تُعنى بالدفاع عن البيئة عن غضبهم حيث وقع أكثر من 130 مشرعا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على رسالة عامة تحذر من أن رئاسة الوزير الإماراتي للقمة تنذر "بعرقلة المفاوضات".
وسوف تناقش القمة عدة قضايا بداية من معالجة الانبعاثات الزراعية والأمن الغذائي وحتى الطرق التي يمكن للبلدان من خلالها التكيف مع ظواهر الطقس المتطرفة في ظل استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض جراء احتراق الوقود الأحفوري. بيد أنه هناك ثلاث قضايا رئيسية سوف تأخذ حيزا كبيرا من المباحثات: الخسائر والأضرار والتعهدات الضخمة لخفض الانبعاثات وأخيرا التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
صندوق الخسائر والأضرار
يعود مصطلح "الأضرار والخسائر" إلى عام 1991 حيث صاغه تحالف الدول الجزرية الصغيرة خلال مفاوضات المناخ في جنيف، مع اقتراح خطة تأمين ضد ارتفاع منسوب مياه البحر بما يشمل تحمل الدول الصناعية التكاليف. بيد أنه لم يتم بحث هذا الأمر بجدية إلا في عام 2013 خلال قمة المناخ التاسعة عشرة في بولندا، حيث جرى إنشاء الآلية الدولية للخسائر والأضرار المرتبطة بآثار تغير المناخ بهدف مواجهة ومعالجة هذه القضية.
ورغم مرور أعوام على ذلك، إلا أنه لم يتم إحراز سوى القليل في هذا الصدد، فيما تتحمل البلدان المتقدمة تاريخيا المسؤولية الأكبر عن الانبعاثات المسببة لما يُعرف بالاحترار العالمي، لكنها رفضت في السابق فكرة إنشاء صندوق "للخسائر والأضرار" خوفا من أن تلك الخطوة قد تحملها المسؤولية عن كافة ظواهر الطقس المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ.
وفي ذلك، قدرت دراسة جرت عام 2018، الخسائر التي سوف تتحملها الدول المعرضة لخطر تغير المناخ، بما يصل إلى ما بين 290 مليار دولار و580 مليار دولار بحلول عام 2030.
وفي مقابلة مع DW، قال هارجيت سينغ، رئيس الاستراتيجية السياسية العالمية في شبكة العمل المناخي الدولية غير الربحية ومقرها مدينة بون الألمانية، إن البلدان النامية الأكثر عرضة لتداعيات ارتفاع درجة حرارة الأرض لم تقدم على اتخاذ إجراءات كفيلة بالمساهمة في خفض انبعاثات الوقود الأحفوري المسببة لتغير المناخ.
وأضاف "من يتحمل المسؤولية الأكبر؟... الدول الغنية سبب حوالي 80 بالمائة من انبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، لذا فهي المسؤولة عن أزمة المناخ".
وخلال قمة المناخ السابقة "كوب 27" والتي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية، وافقت الدول المشاركة على إنشاء صندوق "للخسائر والأضرار" لدعم الدول الفقيرة المتضررة من تغير المناخ، في خطوة لاقت ترحيبا من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي شدد في حينه على ضرورة "تفعيل ذلك في الفترة المقبلة"، لكنه قال إنه "من الواضح أن هذا لن يكون كافيا، لكنه بمثابة إشارة سياسية تشتد الحاجة إليها لإعادة بناء الثقة المنهارة".
وخلال قمة "كوب 28" سوف يتعين على الدول والوفود المشاركة الخروج باتفاق حيال القضايا الشائكة لا سيما قضية الدول التي سوف تحصل على تعويضات من الصندوق والدول التي سوف تدفع المخصصات المالية، فضلا عن كيفية إدارة الصندوق.
وقبل القمة، قدمت لجنة مؤقتة مؤلفة من ممثلين من الدول النامية والمتقدمة توصيات لحسم هذه القضايا، فيما جرى الاتفاق بشكل مبدئي على أن يقع مقر الصندوق داخل البنك الدولي في طرح اعتبره كثيرون بأنه يحمل في طياته تنازلا من الدول النامية التي تخشى من أن وجود مقر الصندوق داخل مؤسسة البنك الدولي سوف يمنح الدول الغنية نفوذا على حساب الدول النامية.
وأوصت اللجنة بعدم الموافقة على طرح أن تكون المدفوعات - بموجب الصندوق - ملزمة قانونا، إذ حثت الدول المتقدمة على تقديم المزيد من المخصصات المالية لتعزيز رأس مال الصندوق.
وفي هذا السياق، قال سينغ "نشعر بقلق بالغ كمجتمع مدني، لأننا لا نجد أن هذه التوصيات قوية للغاية خاصة ما يتعلق بتحميل الدول المتقدمة المسؤولية عن دفع الخسائر والأضرار".
تعهدات خفض الانبعاثات
يشار إلى أنه في عام 2015 وبعد سنوات من المفاوضات الشاقة توصل ممثلو 195 دولة في باريس إلى اتفاق وصف بالتاريخي ينص على الحد من ارتفاع حرارة الأرض ومراجعة التعهدات الإلزامية وزيادة المساعدة المالية لدول الجنوب.
وتعهدت الدول بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها "دون درجتين مئويتين" وبـ "متابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1,5 درجة مئوية"، لكن ورغم ذلك فإن عام 2023 في طريقه لأن يكون الأكثر سخونة على الإطلاق، فيما يتوقع أن تشهد قمة "كوب 28" أول "تقييم ومراجعة دولية" للتقدم الذي أحرزته كل دولة في خفض الانبعاثات بموجب اتفاق باريس.
بدوره، قال سينغ إن الأمر "يتعلق بالنظر إلى ما تم تحقيقه والوقوف على الفجوات، وما هي الإجراءات التي يتعين علينا القيام بها في مقبل الأيام".
ويتوقع أن تتضمن العملية التي بدأت عام 2021، جمع وتحليل البيانات المتعلقة بخطط عمل الحكومات بشأن المناخ وخفض الانبعاثات وجهود التكيف. فيما جرى تضمين ذلك في تقرير للأمم المتحدة صدر في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وحمل التقرير تحذيرا خطيرا من أن عددا من الدول مازالت بعيدة كل البعد عن المسار الصحيح لضمان بقاء "كوكب الأرض مكانا صالحا للعيش فيه" مع دق ناقوس الخطر بأن الإطار الزمني المتبقي لضمان ذلك "ينفد بسرعة".
وقال التقرير إنه يتعين على الدول المشاركة في قمة "كوب 28" بذل المزيد من الجهود المضنية لإزالة الكربون بسرعة، فيما ستتصدر قضية خفض الانبعاثات جدول الأعمال.
التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري
ورغم أن دول العالم أدركت منذ وقت طويل أنها تساهم في تفاقم ظاهرة تغير المناخ عن طريق حرقها مصادر الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز، إلا أن الكثير منها لم يعلن عن عزمه التوقف عن حرق النفط أو الغاز.
ولم يتوقف الأمر على ذلك، إذ وجد تقرير أممي جديد أن ما تحقق هو نقيض ذلك، حيث كشف عن أن العديد من الدول النفطية تخطط لتوسعات ضخمة من شأنها أن تهدد ما يُعرف بـ "ميزانية الكربون" وهو مصطلح يشير إلى الحد الأقصى لكمية ثاني أوكسيد الكربون المسموح بها في الغلاف الجوي مع الالتزام بأهداف محددة للاحتباس الحراري من شأنها أن تحافظ على متوسط درجة الحرارة العالمية عند حد معين.
وعلى مر السنين، لم تلتزم الدول والشركات المشاركة في قمم المناخ العالمية رسميا بالتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري بشكل قاطع. حيث لم تتطرق القرارات الرسمية الصادرة عن القمم السابقة إلى هذه القضية إلا مرة واحد خلال قمة غلاسكو "كوب 26"، عندما اتفقت الحكومات على "التخفيض التدريجي" للفحم، لكن دون الالتزام بـ "التخلص الكامل".
ورغم ذلك، استمرت عمليات حرق الفحم في الارتفاع، فيما فشلت الوفود المشاركة في قمة "كوب 27" في إصدار دعوة تقضي بالتخلص التدريجي من كافة أشكال الوقود الأحفوري.
ومع ذلك، يبدو أن بعض الناشطين في مجال البيئة مازالوا متفائلين بأن التوصيات الجديدة الواردة في تقرير التقييم العالمي الصادر في سبتمبر/ أيلول الماضي سوف تضع قضية التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري على جدول أعمال قمة "كوب 28".
ودعا التقرير الأممي إلى توسيع نطاق "الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، مع التخلص التدريجي من كافة أشكال الوقود الأحفوري بلا هوادة".
وفي ذلك، قال رومان إيوالالن الناشط في جمعية "أويل تشينج إنترناشونال" إن هذا الأمر يشير إلى التغير الذي طرأ على المستوى الدولي فيما يتعلق بهذه القضية.
وأضاف في مقابلة مع DWأنه "لم نكن نتخيل قبل سنوات قليلة أن يصدر قرار بشأن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري خلال إحدى قمم المناخ العالمية بسبب نفوذ الدول المنتجة للنفط والغاز".
ورغم ذلك، يعتقد الناشط أن تشهد قمة "كوب 28" بعض أشكال المعارضة في ضوء استضافة الإمارات للحدث العالمي.
وكانت مريم بنت محمد المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات، قد ذكرت في مقابلة مع رويترز أن وقف إنتاج الوقود الأحفوري تدريجيا سيضر بالدول التي تعتمد إيراداتها عليه.
وفي رده، قال إيوالالين: إن الفشل في الاتفاق على التخلص التدريجي سيضر بمصداقية القمة، مضيفا "سيبدأ كثيرون في طرح أسئلة حول سبب استمرارنا في الاجتماع إذا لم نتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن معالجة جذور هذه المشكلة، فضلا عن بعث رسالة إلى شركات النفط والغاز مفادها بأن الحكومات ليست جادة بشأن عملية التحول إلى الطاقة النظيفة".
ورغم ذلك، شدد إيوالالين ونشطاء آخرون على أن قمة كوب 28 مازالت جديرة بالاهتمام. وقال إيوالالين "لا يوجد أي مؤتمر أو حدث دبلوماسي تتيح لدولة ذات تعداد سكاني لا يتجاوز خمسين أو مئة ألف نسمة أن تقف في وجه الولايات المتحدة والصين وتنتقدهما بسبب افتقارهما إلى الطموح لمحاربة ظاهرة تغير المناخ.. (قمة 28) قد تكون معيبة لكنها مازالت ذات قيمة عالية".
أعده للعربية: محمد فرحان