كيف ومن أين حصل تنظيم "داعش" على ترسانته من الأسلحة؟
١٠ ديسمبر ٢٠٢٠متجر هواتف صغير اشترى ستة أطنان من عجين الألومينيوم وتاجر سماد يهتم بـ 78 طنا من المكملات الغذائية وشركة موجودة في بريطانيا تحجز من الولايات المتحدة أجهزة توجيه الحركة، في الوقت الذي تدفع الفاتورة شركة تركية لتأجير سيارات فخمة. هكذا أمن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) طوال سنوات ترسانة أسلحته. وتبدو العمليات غريبة في، لكن بما أنها كانت بكميات قليلة وكانت تظهر متفرقة لم تثر أية شكوك.
وظلت تلك الحركات بدون جلب للانتهباه، لأنه خلال فترة نهوض تنظيم "داعش" لم يتصور المراقبون الديناميكية والتصميم والدقة التي كان يعمل بها التنظيم الإرهابي.
وبحزم، كما كشفت دراسة حديثة صادرة عن مركز "أبحاث تسليح النزاعات" في لندن شيد تنظيم "داعش" شبكة من الموردين والفنيين مكنته من الوصول لترسانة أسلحة شاملة. وبفضل تلك الترسانة تمكن ابتداء من عام 2014 من توسيع منطقة هيمنته في العراق وسوريا باستمرار قبل أن يقوم التحالف الدولي بدحره وتحرير المناطق التي كان يسيطر عليها.
منطقة الحدود التركية السورية محور للعمليات
وتبين الدراسة أن منطقة الحدود التركية السورية لعبت دورا محوريا في عمليات إمداد تنظيم داعش. وفي الغالب بهويات زائفة اتصلت قوى من "داعش" برجال أعمال في المنطقة لطلب مكونات الأسلحة أو المتفجرات عبرهم. والشركات تلقت تلك الطلبيات بصفة متكررة، كما تفيد الدراسة من دون معرفة أي نوع من الزبائن تتعامل معهم. وأن تكون المنطقة الحدودية التركية السورية محور استراتيجية التوريد من طرف تنظيم "داعش"، فهذا ليس مثيرا للعجب، يقول بيتر نويمان، أستاذ الدراسات الأمنية بالمعهد الملكي في لندن.
هويات مستترة
وتمكن داعش طوال سنوات من الحفاظ على شبكة التوريد، يعود إلى الأسلوب الدقيق في تعامل وسطائه الذين كانوا يتسترون على هوياتهم. والتواصل مع الشركات المتلقية للطلبيات كان يتم عبر حسابات زائفة في البريد الالكتروني ومواقع جهات ثالثة وبرمجيات صوتية. ودفع الفواتير كان يتم عبر تحويل الأموال عبر جهات دولية. وتكشف الدراسة أن جزء كبيرا من الأسلحة والعتاد الحربي يأتي من مصدر آخر خلافا للفرضيات الأولية، كما يقول بيتر نويمان في حديث مع دويتشه فيله DW، ويضيف "افترضنا في البداية أن جزء كبيرا منها يأتي من منطقة الخليج. وكيفما كانت الجهة التي وُجه لها السؤال، حصلنا فيما يخص التمويل على أجوبة مختلفة: محاورون من العربية السعودية حملوا إيران المسؤولية وعكس ذلك". وفي الحقيقة فإن جزء منها صنعها التنظيم بنفسه، كما كان هناك مصدر مهم آخر لترسانة أسلحة داعش وهو "الأسلحة التي تركها خلفه الجيشان العراقي والسوري والتي استحوذ عليها التنظيم".
"أعلام حمراء"
والتحريات كانت متعبة ومكلفة، كما يتضح من تقرير مركز "أبحاث تسليح النزاعات". وكان الأمر يتعلق بتتبع دلائل متفرقة على عمليات غير شرعية للحصول على الأسلحة والتحقق من صحتها. وتتبع الباحثون سلسلة من الدلائل التي إذا ما تكررت زادت فرضية ارتباطها بعمليات غير قانونية. ومن بين الدلائل الهامة، ما يُسمى "الأعلام الحمراء" والتي تشير إلى: ظهور زبون غير معروف إلى حد الآن تقع شركته في المنطقة الحساسة ـ مثل المنطقة الحدودية التركية السورية- يقدم طلبيات ليس لها علاقة بالعمل الأساسي للشركة ودفع الفاتورة ليس من قبل الزبون بل مؤسسة ثالثة مع تبني أساليب تحويل أموال تخفي هوية الشخص المحول للأموال واختيار طرق غير معتادة لتوريد المواد.
وأن تقوم شبكة التوريد الخاصة بتنظيم "داعش" أيضا على الأرض التركية طوال سنوات، فهذا ليس مثيرا للدهشة، كما يقول بيتر نويمان، إذ أن "تركيا أيضا تفاجأت بديناميكية تنظيم داعش بداية ظهوره مثل دول أخرى. وبما أن داعش لم يهاجم أهدافا تركية، فتركته تتحرك. وتركيا لم تر في داعش عدوا لها. كما أن هذا الأخير كان يقاتل الأكراد الذين تقاتلهم الدولة التركية. وهذا كان سببا لترك داعش يتحرك كما يحلو له. وهذا الموقف تغير فقط ابتداء من عام 2015 عندما بات داعش عنيفا وقويا".
شبكات مدمرة
واليوم دُمرت هذه الشبكة على نحو واسع. وتنظيم "داعش" يحاول الحصول على أسلحة، لكن معلومات الحكومة العراقية تشير إلى أن التنظيم يملك فقط أسلحة خفيفة وليست متوسطة أو ثقيلة، كما يقول جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبار، في ألمانيا، ويضيف لـ DW "ننطلق من فرضية أن داعش خسر شبكته ومصادر تمويله في كل العالم". والتحالف الدولي لمحاربة داعش والعمليات التي تقوم بها الكثير من الحكومات في إطار الحرب ضد الإرهاب قادت إلى مراقبة متشددة للتسريبات المالية. وحتى نماذج تحركات بعض الإرهابيين يتم ملاحقتها بشكل دقيق. "وهذا أدى إلى تراجع عمليات داعش في العالم"، حسب جاسم محمد. لكنه يستدرك ويقول لا تزال توجد بعض الشبكات، إلا أنها بالنسبة إلى العراق تقتصر على بنية تحتية إجرامية تكافحها الدولة بحزم. ولم يعد داعش، حسب المراقبين يتوفر على تقنية متقدمة أو أسلحة كيميائية وبيولوجية، لأن ذلك يتطلب بنية تحتية ومحيطا مستقرين.
كرستين كنيب/ م.أ.م