كيف يؤثر "التضخم الحراري" على أسعار الغذاء في العالم العربي؟
٥ يونيو ٢٠٢٤تتصاعد الأزمات الناتجة عن التغير المناخي في جميع أنحاء العالم، ومنها التضخم المرتبط بتغير درجات الحرارة وتأثيرات ذلك على توافر الغذاء وأسعاره وهو ما أصبح يُطلق عليه "التضخم الحراري أو "heatflation"
في دراسة أجراها معهد بوتسدام لأبحاث تغيرات المناخ، من المقرر نشرها في مجلة "اتصالات الأرض والبيئة"، أكد الباحثون أن "التضخم الحراري" يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم بنسبة تصل إلى 3٪ سنويا.
ومن المرجح أن يؤدي تراجع إنتاج محاصيل فول الصويا وعباد الشمس والذرة المتأثرة بالحرارة في العام الماضي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أوروبا بنسبة قد تصل إلى 1% من إجمالي التضخم الذي بلغ 9.2%، كما تضاعف سعر زيت الزيتون بسبب تغير المناخ.
وفي الشرق الأوسط، تتضح بصورة جلية تأثيرات التغير المناخي. تقول ريم ندا المتحدثة الإعلامية بالمكتب الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في رسالة عبر البريد الإلكتروني لـ DW إن "التضخم الحراري حقيقة واقعة في المنطقة، ومع استمرار تغير المناخ، من المرجح أن تتفاقم نقاط الضعف في المنطقة، مما يزيد من تقويض قدرة المجتمعات الأكثر فقراً على تلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية."
العراق.. بين استيراد الغذاء وإنتاجه محلياً
يُعد العراق حالياً خامس البلدان الأكثر عرضة للتدهور المناخيّ عالميًا بحسب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، حتى أن الأمر تسبب في جفاف مناطق بأكلها وتوقف النشاط الزراعي والسمكي بها كمنطقة الأهوار.
يقول الدكتور محمد الفخري المستشار الاقتصادي للبرلمان العراقي إنه مع "ارتفاع الحرارة ونقص كميات المياه بسبب الجفاف إلى جانب بناء دول أخرى لسدود، قلت كميات المياه الواردة ما أدى لتراجع المساحات المزروعة وبالتالي تراجع الإنتاج الزراعي بشكل كبير".
وأضاف في حوار هاتفي مع DW عربية من بغداد: "نتج عن ذلك اللجوء إلى الاستيراد بشكل متزايد، خاصة وأن العراق يستورد من دول عملتها أقل في القوة من العملة العراقية، بالتالي فتكلفة الاستيراد تكون أقل بالنسبة للعراق. ورغم جودة المنتج العراقي المرتفعة لكن عملية الإنتاج مكلفة ما يجعل المنتج الزراعي العراقي أغلى سعراً كما أن كميته لا تكفي لتغطية الاحتياج المحلي".
وبحسب خبراء، فإنه مع جفاف مناطق زراعية عدة وتراجع كميات المياه كما حدث في الأهوار، غادر المواطنون هذه المناطق وهجر كثيرون منهم النشاط الزراعي لصالح أنشطة اقتصادية أخرى.
وكشف الفخري أن الحكومات السابقة لم تُعطِ القطاع الزراعي حقه، مؤكداً على أن "العراق يحتاج لرؤية مختلفة في التعامل مع أزمة التغير المناخي وعمليات التصحر المتسارعة وتطوير قطاع الزراعة وفقاً لذلك".
المغرب.. أزمة المناخ تزيد من معدلات البطالة
في العام الماضي، عانى مزارعو الطماطم من أزمة كبيرة حيث وصلت موجة صقيع غير متوقعة إلى البلاد بعد دفء غير معتاد، ما أدى لازدهار محصول الطماطم في وقت مبكر للغاية لتموت الثمار الجديدة بسبب الصقيع وهو ما تسبب بارتفاعات كبيرة في سعر المحصول.
تقول وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية في صدر صفحتها على الإنترنت إن "المظاهر الأولى لتغير المناخ في المملكة المغربية تتضح في اضطراب معدل التساقطات وارتفاع معدل درجة الحرارة. الشيء الذي يؤثر بشكل سلبي على الموارد الطبيعية، والنظم البيئية المختلفة وعلى الإنتاج الزراعي (النباتات والحيوانات)".
ويقول الطيب أعيس الخبير المالي والاقتصادي المغربي إن هناك تأثيرا مباشرا للتغيرات المناخية على اقتصاد الدولة وعلى الفلاحين، "فعلى سبيل المثال، في 2021 وصل إنتاج الحبوب إلى 105 مليون قنطار وفي 2022 تراجع إلى 34 مليون قنطار وهو تراجع هائل، وفي 2023 تقريباً كان حجم الإنتاج نفسه كما العام الماضي، وهذا الانهيار في المنتوج الفلاحي جاء بسبب تصاعد مستويات الجفاف".
وأضاف خلال حوار هاتفي مع DW من الرباط أن التغير المناخي "أثّر أيضاً على الثروة الحيوانية، فبعد أن كان المغرب تقريباً لديه اكتفاء ذاتي فيما يخص اللحوم، تراجع الإنتاج في العامين الأخيرين، ولأول مرة يلجأ المغرب للاستيراد ".
ويؤكد الخبير الاقتصادي المغربي أن بلاده "تعتمد بشكل كبير على الفلاحة ويعمل نحو 40% من سكان المغرب فيها وتساهم في الناتج الاقتصادي بنسبة 14% تقريباً، لكن وبسبب سنوات الجفاف تراجع الإنتاج الزراعي ما أثر بشدة على نسب البطالة في البلاد، والتي ارتفعت من 8 بالمئة إلى 13% في 2023، ووصلت النسبة هذه السنة إلى 13.9%. وأساس هذه البطالة هو أن العمال الذين كانوا يشتغلون في الفلاحة فقدوا عملهم بسبب الجفاف بشكل مباشر".
وأضاف الطيب أعيس أن المغرب كان دائماً ما يصدر المنتجات الزراعية "ولكن تكلفه التصدير ارتفعت، وبعد أن كنا نصدر الفواكه والكثير من المنتجات الأخرى بدأنا نستورد أغذية خصوصاً الحبوب، كما أن أسعار الفواكه والخضر زاد بشكل كبير، فكيلو الطماطم كان سعره درهم أو درهمين واليوم وصل 18 درهم".
وبرأي الخبير المغربي "جاءت هذه الزيادة الكبيرة في الأسعار نتيجة الجفاف الذي أدى لقلة الإنتاج وبسبب ارتفاع الأسعار لم يعد بمقدور الأسر الصغيرة ذات الدخل المنخفض توفير ما تحتاجه من الغذاء خاصة في السنوات الثلاثة الأخيرة".
مصر.. فقر مائي غير مسبوق
تعد مصر أيضاً واحدة من الدول التي تأثرت بشدة بالتغير المناخي خاصة مع الزيادة المستمرة في موجات الحر والعواصف الترابية والعواصف على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط والجفاف وتراجع معدل الأمطار في أنحاء مختلفة من البلاد، ما دفع إلى إطلاق "الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050" لوضع خطط تسعى لتجنب آثار تغير المناخ.
وبحسب منظمات أممية فقد تم توثيق أكبر معدلات الاحترار في مصر على مدار الثلاثين عامًا الماضية، مع زيادة متوسط درجات الحرارة السنوية بمقدار 0.53 درجة مئوية لكل عقد.
ونتيجة لتغير المناخ، ارتفعت أسعار سلع ومحاصيل كالبصل الذي ارتفع سعره في سبتمبر الماضي إلى 35 جنيها من 10 جنيهات فقط في مارس الماضي. كانت هذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يصل فيها سعر البصل إلى هذا المستوى، فيما ذكرت وسائل إعلام محلية أنه أصبح الآن "بعيداً عن متناول" المواطن العادي.
وقال مسؤولون مصريون إن تجار البصل تسببوا في المشكلة بشكل متعمد، فتم وقف تصدير البصل مؤقتاً. لكن مزارعي البصل قالوا إن موجة الحر أدت إلى انخفاض المحصول ما أدى لارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى زيادة تكاليف الإنتاج.
يقول الدكتور مدحت نافع الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لوزير التموين إن التغير المناخي أثر على مصر من عدة نواح "مثلاً لدينا مشكلة النحر البحري والتي تهدد السواحل الشمالية، كما تعاني مصر من أزمة فقر مائي كبيرة، وبغض النظر حتى عن سياسات إثيوبيا وما يتعلق بسد النهضة وحصة مصر من مياه النيل، حتى قبل أن تتهددها مخاطر السد، فإن المشكلة كانت تتصاعد مع الوقت حتى تراجع نصيب الفرد في مصر من المياه إلى 526.1 متر مكعب عام 2023".
وقال نافع خلال اتصال هاتفي مع DW عربية إنه نتيجة للفقر المائي تراجعت المساحات المزروعة وكان الحل في التوجه إلى أساليب الري الحديثة، خاصة مع الزراعات كثيفة استهلاك المياه، وأيضاً كان هناك تحول تجاه الاستيراد لبعض هذه المحاصيل مع محاولة عمل تغييرات في نظم الري لتوفير أكبر قدر ممكن من المياه، "لكن حتى هذه اللحظة فإن كل هذه السياسات تحدث عبر تحول بطيء للغاية".
ويشير الخبير الاقتصادي المصري إلى أن "التغير المناخي وتزايد الجفاف وتراجع حصص المياه انعكس مباشرة على ميزان المدفوعات وخصوصاً ميزان التجارة المصري المختل، وهذا الاختلال يعني ضعف في العملة، وبالتالي مزيد من معدلات التضخم وهو ما يعني المزيد من الأعباء على المواطنين وبالتالي المزيد من نقص الغذاء والمزيد من معدلات الفقر بسبب التضخم، لذلك فإن دعم الدولة للمواطنين في ظل هذه الظروف له أهمية كبرى".
حلول مستقبلية
ويؤكد الدكتور محمد حيدر الباحث في الشؤون الاقتصادية من لندن أن الأمن الغذائي يشكل حيزاً مهماً من الناتج الاقتصادي وأي تغير فيه سيكون له الأثر البالغ في هذا القطاع.
وقال حيدر في اتصال هاتفي مع DW إن "تراجع نسبة مياه الأمطار سيودي حتما إلى تراجع الانتاج الزراعي كماً ونوعاً ما يؤثر بشدة على الأمن الغذائي، ويضاف إلى ذلك عدم استخدام بعض الدول للمياه بصورة علمية وتقنية ترتبط بنوعية المزروعات ما قد يؤدي لمعاناة عدد من الدول العربية من ندرة المحاصيل وعدم القدرة على إنتاج كميات تكفي احتياجات هذه البلدان وشعوبها".
ويرى الدكتور محمد حيدر أنه على الدول العربية التعاون وفق الاستراتيجية التالية لتحقيق الوفرة الغذائية لشعوبها:
حملة تشجير واسعة لإعادة تنشيط الدورة المناخية.
إعادة رسم خارطة استخدام المياه الجوفية ومراقبة حفر الآبار وطرق استخدامها.
استخدام التكنولوجيا الحديثة في للري الزراعي وطرق حديثة للإنتاج الزراعي وتنوعه.
ترشيد وتنمية التكنولوجيا الزراعية ودعم وتطوير قدرات المزارعين لتحقيق انتاجية عالية.
التحكم بمصادر المياه والاستفادة منها عوضاً عن بيع مصادر المياه لشركات تجارية.