"لن أعود للموت".. لاجئون أحمديون يخشون ترحيلهم إلى باكستان
١٤ أبريل ٢٠٢١خرجت عائلة أحمد للتنزه رغم الجو العاصف والماطر. الابنتان تتشبثان بعربة الأطفال التي ترقد فيها أختهما الصغرى بسلام. أفراد العائلة يسيرون متراصين وكأنهم يشكلون جبهة محكمة الإغلاق، هم أحد طرفيهم والطرف الآخر باقي العالم.
عائلة أحمد الباكستانية الأصل مكونة من خمسة أفراد يقيمون في مركز لإيواء اللاجئين ولا يشعرون بالأمان في ألمانيا، حيث ليس لديهم تصريح إقامة عادي، وإنما فقط بطاقة وقف ترحيل مؤقت. الوالد مهندس لكن لا يسمح له بالعمل. والعائلة مهددة بالترحيل من ألمانيا في كل وقت، وتقول إن هناك خطر على حياتها في باكستان.
مواطنون من الدرجة الثانية
عائلة أحمد تنتمي إلى الطائفة الأحمدية، التي أسسها ميرزا غلام أحمد في القرن التاسع عشر في الهند- البريطانية (شبه القارة الهندية). ويعتقد أبناء الطائفة الأحمدية، وهي حركة إسلامية تجديدية، بأن مؤسسها هو المهدي المنتظر. في حين يراها فقهاء السنة والشيعة هرطقة وخروجا عن الإسلام.
وفي باكستان فإن "استبعاد/ تهميش الأحمديين منصوص عليه في الدستور" يقول محمد سليمان مالك، المتحدث باسم الجماعة الأحمدية في ولايتي تورينغن وزاكسن في شرقي ألمانيا. ومنذ عام 1974 يحظر على أبناء الطائفة الأحمدية في باكستان تقديم أنفسهم كمسلمين، ولا يسمح لهم بتسمية معابدهم بالمساجد ولا رفع الآذان فيها. وفي بلد مثل باكستان الذي فيه أشد قوانين التجديف، حتى قول أحمدي "السلام عليكم" قد يؤدي إلى الإعدام. وكونهم "غير مسلمين" يصنف الأحمديون كمواطنين من الدرجة الثانية!
الأحمديون بحاجة للحماية
اللاجئ الباكستاني أحمد وزوجته سحر كلثوم أيضا عانوا من عداء شديد. وتقول سحر إنها أجبرت على تغيير مدرستها، حيث كانت تشتم بأنها "كافرة" غير مؤمنة، ولم تستطع متابعة تحصيلها العلمي. وعندما قُتل أحد أبناء عمومتها أجبرت كل العائلة على النزوح من قريتها. وبعد أن تزوجت من أحمد وأنجبت أطفالها، قررت الهروب مع زوجها من باكستان إلى ألمانيا، من أجل ضمان مستقبل أفضل لبناتها الثلاث.
وحسب منظمة العفو الدولية تسترت السلطات الباكستانية ولسنوات طويلة على العنف ضد أبناء الطائفة الأحمدية، بل وحتى دعمت العنف ضدهم إلى حد ما. والثابت لدى المفوضة السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن الطائفة الأحمدية أقلية ملاحقة في باكستان ولأتباعها الحق في طلب الحماية (اللجوء). لذلك وعلى خلاف ألمانيا، فإن أبناء هذه الطائفة يتم منحهم حق اللجوء في بريطانيا والولايات المتحدة وهولندا، ولا يتم ترحيلهم إلى باكستان.
فحص كل حالة على حدة
هناك نحو 535 طالب لجوء أحمدي مهدد بالترحيل من ألمانيا. وفي رد من وزارة الداخلية الاتحادية في ألمانيا على سؤال لـ DW قال متحدث باسم الوزارة: إن مجرد الانتماء للطائفة الأحمدية ليس أمرا يعاقب عليه في باكستان. لذلك "يتم فحص كل حالة على حدة". والمحاكم الإدارية المختصة بالنظر في الدعاوى المتعلقة باللجوء، فإنها تشير في أحكامها إلى بدائل أخرى آمنة للنزوح متاحة في باكستان، مثل مدينة ربوه، حيث المقر الرئيسي لجماعة الأحمدية في باكستان.
لكن المتحدث باسم الجماعة في شرقي ألمانيا محمد سليمان مالك، يعارض ذلك ويقول "لا يتمتع الأحمديون بالأمن في أي مكان في باكستان" وحتى في ربوه يقتل أحمديون باستمرار. ويرى مجلس اللاجئين في ولاية زاكسن، أن عمليات ترحيل الأحمديين من ألمانيا دوافعها سياسية. وبعد فترة الاستراحة أو وقف عمليات الترحيل التي فرضتها جائحة كورونا، يتم الترويج لسياسة هجرة متشددة في هذا العام الانتخابي الهام في ألمانيا حيث هناك انتخابات محلية في عدة ولايات والانتخابات التشريعية الاتحادية أيضا في أيلول/ سبتمبر القادم. "أعتقد أن هناك نقص في المعلومات أو الإرادة السياسية. ومع الأسف فإن هذا ليس في صالح الناس الملاحقين (الأحمديين) الذين يعيشون هنا والآن سيتم ترحيلهم" يقول مالك ويضيف "إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة لهؤلاء الناس".
"إلى أين يمكن أن نذهب؟"
تقول اللاجئة سحر وهي تذرف دموعها "الألمان ينعمون بالحرية، لذلك ربما لا يفهمون الأمر. لكن حين يأتي المرء من باكستان إلى هنا وقد ترك كل شيء خلفه، يحمل معه ألمه أيضا. ليس سهلا ترك وطنك وكل شيء خلفك. ولكن إلى أين يمكن أن نذهب؟".
أما زوجها أحمد فيخشى أن ينتشر خبر عودته، كما حصل مع ابن عمه الذي عاد من بريطانيا عام 2005، حيث انتشرت شائعة في القرية حوله تقول إن هذا الأحمدي عميل أجنبي، وتم قتله من قبل الغوغاء.
وبعد أن استنفد أحمد وعائلته كل الوسائل والطرق القانونية، ورفضت سلطات ولاية زاكسن حملة تضامن معه تطالب بعدم ترحيله، لم يبق أمامه سوى انتظار قرار الترحيل إلى باكستان. وربما تكون هذه النزهة في الجو العاصف والماطر هي آخر يوم عادي في حياة هذه الأسرة الأحمدية.
لويزا فون ريشتهوفن/ عارف جابو