لاجئ يساعد أقرانه على الاندماج من خلال كاميرته
٢٢ يوليو ٢٠١٧بفنجان من القهوة التي يعشقها، يبدأ رودي المحمود صباحه كل يوم، حيث يجلس على حاسوبه -الذي تبدو طاولته كورشة عمل صغيرة- ليفكر بما يستطيع تقديمه لمساعدة أقرانه من اللاجئين من أجل إتاحة الفرصة لهم لفهم المجتمع الألماني الذي يعيشون به بشكل أفضل.
السوري الكردي المولود في مدينة جبلة الساحلية والذي بلغ عامه الثلاثين، وصل لاجئاً إلى ألمانيا قبل عامين، مضطراً أن يترك زوجته وطفليه في تركيا، لخوفه عليهم من البحر الذي كان المستقر الأخير لآلاف من اللاجئين الفارين. ولكن ألم الفراق أجبر الزوجة وطفليها (3 و5 سنوات) على أن يسلكوا الطريق ذاته بعد عدة أشهر، إلا أنهم بدل وصولهم إلى ألمانيا، انضموا إلى قائمة آلاف اللاجئين العالقين في اليونان الذين ينتظرون لم شملهم بأسرهم.
يتحاشى الوالد الكلام مع طفليه ويقول لـDW عربية: "طفلي الصغير يخبرني في كل مكالمة هاتفية، بأنه شاهد الطائرة التي يعتقد انني أحضرتها تحلق في الجو" ويتابع " يسألني طفلي ِلمَ لم ألوح له بيدي من الطائرة كما فعل هو" يقولها بتحسر واضح وسحائب دخان سيجارته تحيط به.
ورغم الشوق ومرارة البعد، لم تفتر همة الشاب الطموح- ذو الشعر الأسود الطويل واللحية الكثيفة- عن محاولة إثبات قدراته في هذه البيئة الجديدة التي وجد نفسه بها، بل قرر إنجاز عدة مشاريع لمساعدة اللاجئين في الاندماج بالمجتمع الألماني، كان أبرزها مساعدتهم في التغلب على عائق اللغة، والتي تمثل المشكلة الأصعب للكثير من اللاجئين.
مشوار الألف ميل
لم يتوقع المصور وصانع الأفلام الشاب - الذي يسكن في مدينة كولونيا - أن تسجيل نفسه في إحدى المدارس الشعبية العليا لتعلم للغة الألمانية "Volkshochschule"، سيتيح له الفرصة العمل مخرجا مع المدرسة ذاتها، إذ قام بإخراج فيلم دعائي لصالحها، يتحدث فيه بعض اللاجئين عن انطباعاتهم الأولى حول اللغة الجديدة التي يتعلمونها بلغة ألمانية بسيطة.
وعن ذلك العمل يقول المحمود وهو يتفحص إحدى كاميراته: "قمت بإخراج وتنفيذ الفيلم الدعائي كنوع من رد الجميل للمدرسة، ولتحفيز اللاجئين على تعلم اللغة لأنها المفتاح الأساسي للاندماج"، يبتسم بثقة وهو يعيد آلة التصوير إلى خزانة مليئة بالعدسات وآلات التصوير الأخرى، ما جعل غرفته الصغيرة تبدو كمتحف صغير
المشاريع تنبت من بذرة
كان هذا المشروع بداية سلسلة من المشاريع الأخرى التي نفذها المحمود مع بعض الأصدقاء ليستفيد منها آلاف اللاجئين الجدد في التعرف على المجتمع الألماني، وتعلم اللغة التي يصفها اللاجئ السوري بـ"الممتعة و خاصة لمن يتكلم العربية". فقام بإخراج مسلسل تعليمي باسم "دعنا نتعلم الألمانية" حظيت الحلقات الخمس الأولى منها ب أكثر من 150 ألف مشاهدة على اليوتيوب، بحسب أقواله.
وحول الهدف من تصوير هذه المسلسلات يقول اللاجئ السوري: "نريد أن نقدم مثالاً عملياً للاجئين عن كيفية إنجاز المهام الروتينية الضرورية في ألمانيا مثل كيفية فتح حساب بنكي، كيفية التسجيل في المدرسة وحتى ماهية الأسئلة التي يجب أن يسألها عندما يذهب ليرى بيتا جديداً يريد أن يستأجره".
ولا يخفي رودي المحمود- الصعوبات التي يواجهها عند إنجاز مشاريعه، أهمها أنه يقوم بالتنفيذ والتصوير والمونتاج والإخراج لوحده فيقول: "أقوم بكل شيء من الألف للياء، أعمل لوحدي بدون ربح مادي، لكنني لم أجد إلى الآن أحداً يساعدني في مهامي، فليس من السهل أن يجد المرء شخصاً له نفس الأهداف ومستعد للعمل بدون مقابل".
ولا ينسى المحمود فضل أصدقائه الألمان الذين ساعدوه في بداية حياته في ألمانيا، فيذكر دور صديقته الألمانية بيانكا ياميتسكي، التي تعرف عليها عند التسجيل في مدرسة اللغة. ويقول: "بيانكا مثال للإنسان المعطاء المستعد لتقديم المساعدة لمن يحتاجها، هي صديقة حقيقية".
ويستشير اللاجئ السوري ياميتسكي –التي تعمل مديرة لقسم تدريس اللغة الألمانية في مدرسة بلدة برول القريبة من كولونيا- خاصة عندما يتعلق الأمر بتنقيح إحدى النصوص الألمانية في بعض مشاريعه.
من جانبها تصف المديرة المدرسية لـ DWعربية أن ما يقوم به رودي يلقى الاستحسان من العديد من الطلاب والمعلمين في المدرسة، وحتى خارجها، فقد نشرت عن أعماله عدة صحف ومحطات تلفزة ألمانية. وتؤكد ياميتسكي "رودي مثال للإنسان الطموح المبدع الذي يحاول أن ينفذ أفكاره بأفضل طريقة ممكنة" وتتابع "قمت بمساعدته لأنه ساعدنا في الترجمة من العربية والكردية للألمانية عند تسجيل بعض الطلاب الذين لم يكونوا يتحدثون الألمانية".
وتشجع المديرة المدرسية اللاجئين على القيام ببناء علاقات تواصل مع الألمان، لأن ذلك يسهل عليهم تعلم اللغة الألمانية، والتي تصفها بـ "مفتاح الفرص".
على طريق إثبات الذات
ويؤكد المحمود –الذي كان يعمل مديراً للتسويق والمبيعات في إحدى الشركات في سوريا قبل أن يصبح مصوراً فوتوغرافياً في تركيا- أنه لا يريد أن يصبح عالة على مجتمعه الجديد الذي يتوقع أن يستقر فيه لمدة طويلة، ويضيف: "المعطيات الحالية لا تشير إلى استقرار الأوضاع في سوريا على المدى القريب". ويريد اللاجئ - الذي ضاعت أوراقه الرسمية في البحر أثناء رحلة اللجوء- أن يضع له موطأ قدم في المجتمع الألماني من خلال إيجاد وظيفة تناسب موهبته وخبرته دون أن تعتمد على الشهادة بشكل أساسي. ويتابع وهو يرتشف آخر رشفة من كوب القهوة الكبير: "يجب على المرء أن يظهر أفضل ما لديه، من أجل الحصول على وظيفة جيدة".
في مرمى سهام الجمهور
وتلقى الفيديوهات، التي يقوم المحمود بإخراجها استحساناً من قبل العديد من اللاجئين على صفحات التواصل الاجتماعي، ويعبر بعضهم عن امتنانهم للمحمود ولأصدقائه على هذه الأفلام، "التي ساعدتهم في مشوارهم اللغوي".
لكن لاجئين آخرين ينتقدون الفيديوهات وبعض الأخطاء التقنية واللغوية فيها، طالبين من معديها أن يعملوا على تلافي أخطائهم. فعلى سبيل المثال كتب اللاجئ السوري محمد عمر، معلقا على إحدى حلقات المسلسل: "توجد مشكلة في الصوت، وصوت الموسيقى أعلى من صوتكم... أرجو منكم التركيز على مفردات الحياة اليومية".
و يضيف اللاجئ مناف الشاب: "ليس من الضروري أن يظهر المخرج في كل حلقة من المسلسل، وإن حصل يجب ألا تطول مدة كلامه. هذا الأسلوب قديم". فيما يشكو اللاجئ مازن عمر من عدم مراعاة الفيديوهات لمستوى المبتدئين قائلاً: "مستوى الكلمات المستخدمة في المسلسل يجعل من الصعب على اللاجئين المبتدئين أن يستوعبوها".
و يعترف صانع الأفلام الشاب بتلك الأخطاء ويرجعها إلى عدم وجود فريق مختص يعاونه، كما يعد بمحاولة تجاوزها في فيديوهات قادمة.
محي الدين حسين