لاجئات عربيات في ألمانيا - الحرية لها ثمن!
٨ مارس ٢٠١٧اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من آذار/ مارس من كل عام، يختلف هذه المرة في ألمانيا بشكل كبير عن باقي الأعوام الماضية، حيث تشكل السيدات نسبة مهمة من اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا، ما يطرح تساؤلات مختلفة حول معنى هذا اليوم بالنسبة لهن. ما تقييم اللاجئات من بلدان عربية لحياتهن من ناحية فهمهن لحقوقهن وحرياتهن قبل وبعد اللجوء في ألمانيا، خصوصا أنهن يتواجدن في دولة تضع حقوق المرأة وحقوق الإنسان على رأس البنود في دستورها؟ ما هي العوائق التي يمكن أن تحد من حرية المرأة وتمنعها من ممارسة حقوقها؟ ما معنى حقوق المرأة وأين تقف حريتها؟DW عربية التقت ثلاث لاجئات عربيات للإجابة عن هذه التساؤلات.
المطلقة والحياة في ألمانيا
منى (اسم مستعار) لاجئة سورية مطلقة تنحدر من مدينة القامشلي، تعيش في أحد المساكن الجماعية الخاصة باللاجئين في مدينة ماينتز، التي ظهر فيها مجتمع سوري مصغر، حسب تعبيرها.
الحياة في مدينة ماينتز الألمانية بالنسبة لمنى لا تختلف كثيرا عن الحياة في القامشلي السورية، فبعد طلاقها في سوريا قبل خمس سنوات تقريبا، تغيرت حياتها جذريا وأصبحت محاصرة بأعين أسرتها، وطليقها وحتى جيرانها. ولأن حقوق المرأة وحريتها في الدول العربية، تقل بشكل كبير جدا بعد الطلاق. والمقصود بالحقوق و الحرية - حسب قول منى في لقاء مع DW عربية - يختلف تماما عن معنى الحقوق و الحرية بالنسبة للمرأة الأوروبية. فإن كانت الأخيرة قد حققت الكثير من المساواة مع الرجل ووصلت إلى مراكز القرار، فإن المرأة العربية في بعض الدول العربية لم تتمكن من ممارسة حريتها حتى في اختيار شريك حياتها مثلا.
لم تعرف منى حقوقها أو حريتها سواء قبل الزواج أو بعده، فقبل زواجها تضيف منى، كانت تعيش تحت سلطة الأب والأخوة الذكور وتسير وفق قانون يمنع وضع مساحيق التجميل للبنات حتى داخل البيت مثلا، كما يمنع التحدث إلى أبناء الجيران، لأن ذلك يسيء إلى سمعة العائلة ويقلل من فرص زواجها وزواج أخواتها. أما في بيت زوجها الذي لم تختره، لكنها فضلته لتهرب من سلطة العائلة، فقد تمتعت نسبيا بحريتها في وضع مساحيق التجميل والسفر لوحدها لزيارة عائلتها.
والحياة بعد الطلاق في سوريا بالنسبة لمنى لا تختلف عن حياتها قبل زواجها، كما لا تختلف عن حياتها الآن في ألمانيا، لأنها لا تزال رهينة التقاليد والعادات التي تربت عليها. تقول منى: " أنا امرأة مقيدة اليدين بالتقاليد، أفضل أن أقضي وقتي بعيدا عن الآخرين الذين تتحكم نظراتهم حتى في طبيعة ملابسي، بعيدا عن أبناء مدينتي الذين أراهم في شوارع ماينتز باستمرار. لا شيئ تغير".
السيدة ميركل كنموذج ناجح
أما حليمة (اسم مستعار) وهي لاجئة شابة ومثقفة من العاصمة الليبية طرابلس. فترى أن التقاليد والأعراف في ليبيا قد قزّمت من قيمة المرأة وحرمتها من حقوقها وحريتها التي منحها إياها الدين والقانون معا. فالمجتمع الليبي بحكم كونه مجتمعا قبليا، لا يزال يرى أن المرأة المثقفة في مرتبة المرأة المجنونة والعاقة أيضا.
حليمة عانت كثيرا وسط أسرتها بسبب اختلافها وإصرارها على إبداء رأيها، ما جعلها عرضة للضرب والعقوبة من طرف والدها، وعمها وحتى أخيها الذي يصغرها بسنوات. تقول حليمة بكثير من الفخر لـ DW عربية، إن المستشارة الألمانية ميركل هي من "شجعها على اللجوء إلى ألمانيا"، ليس لأنها فتحت الباب أمام اللاجئين، بل "لأنها امرأة قوية، خيبت ظن وادعاءات المحسوبين على الدين الذين يعتقدون أن المرأة كائن ناقص يحتاج إلى وصاية الرجل والمجتمع"،حسب قولها. وتضيف "الهروب من ليبيا بالنسبة لحليمة كان بداية القطيعة مع الخرافات التي نسجت حول شخصية المرأة". وقد بات بمقدور حليمة الآن أن تمارس حريتها في العمل، التعبير عن موقفها واحتياجاتها والحياة باستقلالية. مع ذلك تبقى الحياة في ألمانيا بالنسبة لحليمة غير سهلة، لأنها دفعت ثمناً باهضاً مقابل ذلك؛ عائلتها التي تبرأت منها في ليبيا.
الوعي مهم للتمتع بالحقوق كاملة
نسرين الشابة السورية المثقفة التي كانت أستاذة للغة الانجليزية في مدينة اللاذقية، ترى موضوع حقوق المرأة العربية بشكل آخر. فمن البديهي جدا بالنسبة لها، أن لا تعي المرأة العربية حقوقها، إن لم تحاول التعرف عليها، بحيث أن الثامن من آذار/ مارس، ليس فقط لتقديم الورود - كما يروج على مواقع التواصل الاجتماعي مثلا - بل لتقييم الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة ومدى تطورها. وتصف نسرين، وعلى وجهها ابتسامة ساخرة، كيف تعرفن لاجئات سوريات في ألمانيا العام الماضي على اليوم العالمي للمرأة. ما دفع بعضهن إلى مطالبة أزواجهن بالحصول على هدايا، كمكواة بخارية، وآلة غسيل ملابس.
نسرين تختلف عن كثيرات لأنها مارست حقها كامرأة وإنسان في سوريا، شجعتها على ذلك أسرتها وزوجها. وتصر نسرين من خلال حديثها لـ DWعربية على أن حياتها في ألمانيا كلاجئة لا تختلف عن حياتها في سوريا، لأن إيمانها بحقها وثقتها بنفسها وقدراتها تجعلها تنتزع هذا الحق بدلا من أن تكون سجينة التقاليد وكلام الناس الذي لا يتوقف.
عوائق
من جهتها ترى زينب الداودي الخبيرة الاجتماعية ومؤسسة جمعية " أم البنين " للنساء في مدينة دوسلدورف، أن هناك مجموعة من العوائق التي تحول دون تمتع المرأة اللاجئة بحقوقها كاملة في ألمانيا. فإلى جانب العائق النفسي بسبب عدم الاستقرار، نجد عائقا أكثر تعقيدا يرتبط ببنية هوية وشخصية اللاجئة العربية، فهي المسؤولة عن شرفها، شرف أسرتها وبلدها أيضا. يعني أنها تكون مسؤولة عن تصرفاتها وتعاملها في مجتمع جديد ومنفتح، خصوصا إن كانت تنتظر التحاق زوجها أو عائلتها بها.
وتضيف الداودي أن الاستقرار المادي بعد الاعتراف باللجوء يشكل نوعا من التمتع بالحرية والاستقلالية بالنسبة للمرأة اللاجئة، بمعنى أنه يحقق لها نوعا من الإحساس بالحرية. كما أن مسألة اختلاف مستوى الوعي الثقافي مهمة جدا، لأنها تلعب دورا مهما في فهم معنى الحرية والحقوق، فمن غير الممكن الحديث حول لاجئتين سوريتين مثلا، دون مراعاة الاختلاف بينهما، من حيث الوضع الاجتماعي، الاقتصادي وأيضا بنية الشخصية. "فالمرأة القوية الشخصية تطمح للتغيير وإثبات الذات إن سنحت لها الفرصة، في حين أن المرأة ضعيفة الشخصية ترتبط بالآخر، وانتظار اعتراف الآخرين بها حسب ذوقهم هم، يعني أنها تصبح رهينة الآخرين خصوصا إن كانت هناك تكتلات لأبناء بلدها في المنطقة"، تقول زينب الداودي.
من أهم العوائق التي قد تحول دون ممارسة اللاجئة العربية في ألمانيا لحقوقها وحريتها حسب رأي الخبيرة الاجتماعية الداودي، مسألة ارتداء الحجاب، لأنه يقيد حريتها ويجعلها في دائرة محدودة لا يمكنها تجاوزها، دون أن ننسى سجن التقاليد والأعراف ونظرة الآخر، التي تحكم أغلبية المجتمعات العربية.
ناديا يقين / فرانكفورت