لامبيدوسا.. أزمة "إدارة" وليست "أزمة مهاجرين"
١٨ سبتمبر ٢٠٢٣في طوابير طويلة، ينتظر مهاجرون ولاجئون تحت الشمس الحارقة أمام مركز استقبال المهاجرين الرئيسي في كونترادا إمبرياكولا التي تعد النقطة الساخنة لاستقبال اللاجئين على جزيرة لامبيدوسا الإيطالية.
ومن بين هؤلاء كان الصبي أبو بكر شريف وشقيقه الأصغر اللذان فررا من بلديهما سيراليون وتمكنا من الوصول إلى لامبيدوسا على متن قارب انطلق من تونس.
وفي مقابلة مع DW، قال: "وصلنا إلى الجزيرة قبل أربعة أيام وننام في الشارع، ولا نحصل سوى على القليل من الطعام والماء. نسد رمقنا ببعض قطع من البسكويت. كان هناك 48 شخصاً على متن القارب الذي انطلقنا على متنه من تونس في 13 سبتمبر/أيلول. لقد كانت رحلة مخيفة ورأينا بأم أعيننا انقلاب قوارب أخرى، لكننا كنا محظوظين".
وينتظر آلاف المهاجرين أمام مركز الاستقبال حتى يتم نقلهم إلى ميناء الجزيرة انتظاراً لنقلهم مجدداً إلى مناطق أخرى في إيطاليا مثل صقلية للبدء في عملية تلقي طلبات اللجوء الخاصة بهم.
وعلى وقع وصول أكثر من 8000 مهاجر إلى لامبيدوسا على متن قوارب متهالكة من تونس في وقت سابق من هذا الأسبوع، قالت سلطات لامبيدوسا إن الأمر يمثل نقطة حرجة في أزمة إدارة الهجرة.
أين مكمن الخلل؟
من جانبه، أعلن عمدة لامبيدوسا، فيليبو مانينو، حالة الطوارئ في الجزيرة التي باتت تعصف بها "أزمة" رغم ترحيبها الدائم بالمهاجرين، على حد وصفه.
بدورها، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إن حكومتها تعتزم اتخاذ "إجراءات استثنائية فورية" للتعامل مع عمليات وصول المهاجرين، مضيفة أن الأمر قد يشمل تدشين مهمة أوروبية لمنع وصول المهاجرين و"مهمة بحرية إذا لزم الأمر" لمنع المهاجرين من الوصول إلى الجزيرة الإيطالية.
ويبدو أن مقارنة عدد المهاجرين في الجزيرة بتعداد سكانها هو المؤشر الأكثر دلالة على ما تواجه لامبيدوسا من تحديات؛ إذ يبلغ سكان عدد سكانها 6000 نسمة فقط فيما يتسع مركز استقبال المهاجرين لقرابة 400 شخص.
وفي مقابلة مع DW، قال فلايو دي جياكومو، المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة، إنه على الرغم من أن عدد المهاجرين في الوقت الراهن كبيراً، إلا أن الأمر لا يمثل "أزمة هجرة بالنسبة لإيطاليا". وأضاف "الأمر يرتبط بحالة طوارئ تشغيلية بشكل أساسي بالنسبة لامبيدوسا، لأنه في 2015-2016 وإبان ذروة أزمة الهجرة في أوروبا، وصل 8٪ فقط من المهاجرين إلى لامبيدوسا، فيما جرى إنقاذ الآخرين في عرض البحر ونقلهم إلى صقلية والموانئ الأخرى. هذا العام، كان أكثر من 70% من المهاجرين هم ممن شقوا طريقهم إلى لامبيدوسا انطلاقاً من تونس القريبة".
وقال دي جياكومو إن الحكومة الإيطالية فشلت في إعداد لامبيدوسا خلال السنوات القليلة الماضية، موضحاً "كان لدى الحكومة الإيطالية الوقت الكافي لزيادة القدرة الاستيعابية لمركز استقبال المهاجرين بعد إنشائه في عام 2008... الهجرة ليست بالأمر الجديد على إيطاليا".
لماذا تزايد وصول المهاجرين؟
وتعد جزيرة لامبيدوسا المطلة على البحر المتوسط، أول نقطة دخول إلى أوروبا يقصدها الفارون من الحروب والصراعات والفقر في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط وذلك بسبب القرب الجغرافي. ورغم وصول المهاجرين إلى الجزيرة منذ سنوات، إلا أن السلطات المحلية تفاجأت بهذا العدد الكبير من المهاجرين.
وقال ضابط شرطة يقف قرب مركز استقبال اللاجئين: "لم نر وصولاً بهذا العدد الكبير مثل ما رأيناه الأربعاء".
وقال روبرتو فورين، الباحث في مركز Mixed Migration Centre المعني بقضية الهجرة، إن الارتفاع الأخير في عدد المهاجرين يرجع بشكل كبير إلى عامل رئيسي يتمثل في تراجع عمليات اعتراض حرس السواحل التونسي للقوارب المتجهة إلى إيطاليا منذ توقيع مذكرة التفاهم في منتصف يوليو / تموز بين الاتحاد الأوروبي وتونس". وأضاف أن المفوضية لم تدفع مبلغ 100 مليون يورو (106.6 مليون دولار) المنصوص عليه بموجب الاتفاقية".
وتهدف الاتفاقية بين تونس والاتحاد الأوروبي إلى منع عمليات الهجرة غير النظامية من شمال أفريقيا إلى أوروبا حيث لاقت ترحيباً من سياسيين أوروبيين خاصة رئيسة الوزراء الإيطالية، لكن في المقابل انتقدت منظمات حقوقية الاتفاقية باعتبارها تعرض حياة المهاجرين للخطر.
وقال فلايو دي جياكومو، المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة، إن الاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي ودول شمال أفريقيا ليست هي الحل، مضيفاً "يمثل الأمر في الوقت الراهن حالة طوارئ إنسانية لأن المهاجرين يغادرون تونس بسبب أن الكثير منهم يتعرض للتمييز العنصري والاعتداء أو للحصول على رعاية طبية بسبب الأزمة الاقتصادية في تونس. أما في ليبيا فتُنتهك حقوق المهاجرين". وأضاف أن "الحل يكمن في تنظيم المزيد من عمليات البحث والإنقاذ بحراً لإنقاذ المهاجرين ونقلهم إلى بر الأمان. يجب أن ينصب التركيز على مساعدة لامبيدوسا في إنقاذ المهاجرين".
ويتفق في هذا الرأي عدد من المهاجرين الذين ينتظرون دورهم أمام مركز استقبال المهاجرين بعد وصولهم إلى إيطاليا فارين من مالي.
وفي حديث إلى DW، قالوا: "لم نشعر بالأمان في تونس، لذلك دفعنا حوالي 750 يورو إلى أحد المهربين في صفاقس بتونس، الذي أعطانا قارباً مطاطياً من أجل عبور البحر صوب أوروبا. وصلنا إلى إيطاليا لكننا لا نريد البقاء هنا. نريد الذهاب إلى فرنسا ولعب كرة القدم في صفوف المنتخب الفرنسي".
خطة طوارئ أوروبية
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قد دعت خلال زيارتها وميلوني الأحد (17 سبتمبر/أيلول) جزيرة لامبيدوسا، إلى تضامن أوروبي لمساعدة روما على إدارة تدفق المهاجرين الوافدين عبر البحر المتوسط بما يفوق القدرات الاستيعابية للجزيرة الإيطالية الصغيرة.
وتهدف الخطة التي عرضتها فون دير لاين - وهي من عشر نقاط - إلى تحسين إدارة الوضع الراهن من خلال توزيع طالبي اللجوء بين الدول الأوروبية بشكل أفضل، وتفادي تكرار تدفقهم بأعداد كبيرة على سواحل إيطاليا بشكل يستنزف قدراتها اللوجستية والإدارية.
وتلحظ الخطة زيادة التعاون بين إيطاليا والوكالة الأوروبية للهجرة والوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود والسواحل (فرونتكس) لتسجيل المهاجرين وأخذ بصماتهم وغيرها من الإجراءات، على أن تعزز "فرونتكس" ووكالات أخرى مراقبتها البحرية "ودراسة الخيارات لتوسيع عمليات البحرية في المتوسط".
وتشمل الخطة كذلك تسريع الدعم المالي لتونس التي ينطلق منها غالبية المهاجرين، والتحاور مع أبرز الدول التي يأتون منها مثل غينيا وساحل العاج والسنغال وبوركينا فاسو، لإعادتهم في حال لم يستوفوا شروط اللجوء، كما تشمل الخطة اتخاذ تدابير للحد من استخدام المراكب غير الصالحة للإبحار واتخاذ إجراءات ضد سلاسل الإمداد ولوجستيات المهربين.
تزامن هذا مع إعلان المفوضية الأوروبية عن نشر 450 عنصراً من يوروبول وفرونتكس ووكالة الاتحاد الأوروبي لشؤون اللجوء في الجزيرة لمساعدة السلطات الإيطالية فيما تم توفير 40 مليون يورو (42.6 مليون دولار) لنقل اللاجئين وغيرها من تدابير ترمي إلى تعزيز قدرات الجزيرة على استيعاب المهاجرين الجدد.
لكن السلطات الإيطالية قالت إنها تجد نفسها وحدها أمام هذا العدد الكبير من المهاجرين خاصة بعد منعت ألمانيا نقل المهاجرين إليها من إيطاليا إليها، فيما شددت فرنسا التدابير الأمنية على حدودها مع إيطاليا.
بدوره، قال نائب عمدة لامبيدوسا، أتيليو لوسيا، إن الأزمة التي تواجهها الجزيرة تحمل في طياتها تحذيراً إلى أوروبا، قائلا: "الرسالة التي يجب أن تصل هي أن أوروبا يجب أن تصحو لأن الاتحاد الأوروبي كان نائماً لأكثر من 20 عاماً. اليوم تقول لامبيدوسا: 'يكفي ذلك. نعاني منذ 20 عاما ونحن مدمرون نفسياً'".
وقال روبرتو فورين: "تخشى حكومتا فرنسا وألمانيا من التعرض لهجوم من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة ما يدفعهما إلى اتخاذ إجراءات أمنية حدودية بشكل استباقي، لكن هذا يدل على فشل الاتحاد الأوروبي في الوصول إلى آلية دائمة ومستدامة. عندما يُترك التضامن للآليات التطوعية، فإن هذا قد ينذر بتضاؤل هذا التضامن أو تلاشيه عندما تكون المخاطر كبيرة".
عون محلي
وفي الوقت الذي يتصاعد فيه الجدل بين السياسيين والحقوقيين حيال أفضل الطرق لمواجهة الأزمة، يؤكد أحد سكان الجزيرة الإيطالية أن مساعدة المهاجرين يجب أن تكون جوهر أي اتفاق.
وقال أنتونيلو دي مالتا إنه مع وصول آلاف المهاجرين إلى الجزيرة قبل أيام، قامت والدته بالاتصال به لتبلغه إن بعض المهاجرين طرقوا باب المنزل يتوسلون بعض الطعام.
وفي مقابلة مع DW، أضاف: "شعرت بعدم بالارتياح حيال ما قالته والدتي عن وضع المهاجرين. لذلك عدت إلى المنزل وبدأنا في إعداد السباغيتي لهم. أشعر بالأسى إزاء طريقة تعامل الحكومة مع المهاجرين".
وقالت والدته: "عندما رأيت المهاجرين، خطر في بالي السؤال التالي: 'ماذا سيكون شعوري لو كان ابني هو من يبكي من شدة الجوع؟' لذلك بدأت في طهي بعض الطعام. نحن الإيطاليين كنا مهاجرين نسافر من الشمال إلى الجنوب. لذلك لا يمكن ان يساورنا الخوف من الناس وعلينا مساعدتهم".
ويبدو أن ما تقدم عليه أسرة أنتونيلو لاقى ترحيباً من المهاجرين خاصة الفارين من أتون المعارك والنزاعات والفقر المدقع.
وفي ذلك، قال محمد، وهو مهاجرين من غامبيا، "لقد فررت من ظروف رهيبة في بلدي. إنها أول مرة أكون فيها في أوروبا. كان سكان الجزيرة لطيفين معي، حيث أعطوني بعض البسكويت أو الطعام في بعض الأحيان. لا أعرف إلى أين سيتم نقلي بعد ذلك، لكنني لم أفقد الأمل". وختم: "ما زل اعتقادي قوياً بأنني سألعب كرة القدم يوماً في صفوف المنتخب الإيطالي، وفي نهاية المطاف في المنتخب الوطني لغامبيا. كرة القدم تمنحني السعادة وسط هذا الكم الكبير من الصعاب".
بريانكا شانكار - جزيرة لامبيدوسا الإيطالية / م. ع