"ثورة جياع" على أبواب لبنان وسط انهيار العملة وانتشار كورونا
٢٧ أبريل ٢٠٢٠تشهد المدن اللبنانية مظاهرات في مناطق متفرقة من البلاد، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة وغلاء المواد الغذائية. المتظاهرون وبحسب ما نشر في وسائل التواصل الاجتماعي، أطلقوا صرخة جوع للسياسيين وللحكومة من أجل التدخل وسن خطة حكومية من أجل دعم صرف الليرة اللبنانية والمساهمة في انقاذ الأوضاع الاقتصادية التي تدهورت منذ فرض إجراءات العزل العام بسبب جائحة كورونا التي أوقعت العديد من الإصابات داخل المجتمع اللبناني. وأعلنت وزارة الصحة في لبنان اليوم (الاثنين 27 أبريل / نيسان 2020) تسجيل ثلاث إصابات جديدة بفيروس كورونا ليرتفع إجمالي الإصابات بالفيروس في البلاد إلى 710 حالة.
وقالت الوزارة، في بيان صحفي اليوم حسبما أفادت "الوكالة الوطنية للإعلام"، إنه لم تسجل أي حالة وفاة جديدة بالفيروس "ليستقر عدد الوفيات حتى تاريخه عند 24 حالة وفاة".
ولامست قيمة الليرة اللبنانية عتبة 4 آلاف مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء، مقارنة بسعر الصرف الرسمي 1500 ليرة. ونشر محتجون صورا ومقاطع فيديو لهم وهم يشعلون الإطارات في الشوارع رفضا للغلاء الكبير للسلع الغذائية جراء انخفاض قيمة العملة المحلية والذي رافق أيضا قدوم شهر رمضان المبارك. ويقوم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأمن العام بتسيير دوريات وتنفيذ انتشار على الطرقات الداخلية في مختلف المناطق اللبنانية، بهدف تطبيق مقررات مجلس الوزراء القاضية بالتزام جميع المواطنين حالة التعبئة العامة، والبقاء في منازلهم وعدم الخروج منها إلا للضرورة القصوى.
وتداول اللبنانيون مقاطع فيديو لمتظاهرين غاضبين عبروا عن ألمهم وجوعهم أمام الكاميرا، حيث يصرخ أحد المتظاهرين بالشرطة التي حاولت إبعاده عن مكان التظاهر بأنه جائع ولم يأكل شيئا ليرد عليه الشرطي في مقطع مؤثر بأنه أيضا جائع وقد تكون حاله أصعب من المتظاهر نفسه.
ويزيد من صعوبة الوضع أن لبنان يشهد، منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، احتجاجات شعبية ترفع مطالب سياسية واقتصادية، ويغلق مشاركون فيها من آن إلى آخر، طرقات رئيسية ومؤسسات حكومية.
ويستقبل اللبنانيون شهر رمضان هذا العام في ظل جائحة فيروس "كورونا المستجد" (كوفيد-19)، التي زادت من حدة أزمتيه المالية والاقتصادية، إذ يشهد لبنان أزمة نقدية حادة تظهر في شح العملات الصعبة، وتدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار
فالجائحة أدت إلى إعلان التعبئة العامة، وإغلاق المؤسسات والمحلات التجارية، وتعليق معظم الأعمال، ما فاقم من أزمة اقتصادية هي الأسوأ بتاريخ لبنان. ورغم انشغال الناس بالحجر المنزلي والفيروس، الذي يهدد صحتهم وتوقف احتجاجات شعبية، بدأت في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تنديدًا بالأوضاع الاقتصادية السيئة، استمر الوضع المالي بالانحدار.
ويظهر هذا المقطع تذمر المواطنين من الغلاء الحاصل. أحد الفتية صرخ أمام الكاميرا بأن كل ما يريده هو ربطة خبز، في حين صرخ أخر بأنه لن يسمح بأن يجوع أولاده. آخرون هددوا باللجوء إلى الشوارع واخذ ما يمكن أخذه لأن "الجوع كافر" كما قال.
وتقول باميلا أورغلدينغر، رئيسة البرامج الدولية في منظمة كير العالمية، إنه في طرابلس، حيث الفقر ينتشر بين المواطنين هناك، تم رصد آلاف الأشخاص الذين يعانون بالفعل من الجوع يذهبون إلى الحقول بحثاً عن الأعشاب البرية، وتجميع الخشب من أجل استخدامه في الطبخ لأنهم ليسوا قادرين على تحمل تكاليف الغاز".
وتضيف لم يعد لدى الكثير من الناس أثاث في منازلهم لأنهم باعوا ما يملكون لدفع ايجارهم للتمكن من شراء الطعام. ويعاني العديد من الناس من سوء التغذية، فيما يهمل الأطفال المدارس لمساعدة والديهم.
وبالإضافة إلى ذلك، أُبلغ في 22 نيسان/ أبريل عن أول حالة إصابة في مخيم اللاجئين الفلسطينيين "ويفل" بالقرب من بعلبك. ومنذ ذلك الحين، تم وضع المخيم في الحجر الصحي. وقد أصيب أربعة أشخاص آخرين بالفيروس منذ ذلك الحين، وهو ما يزيد المخاوف من إصابة لاجئين آخرين بالفيروس لا سيما مع وجود ما يقارب 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، بالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين الذين عاشوا في البلاد لأكثر من 70 عاماً.
جورج صدقة، أستاذ مادة الاقتصاد السياسي في الجامعة اللبنانية قال في حوار مع DW عربية إن ما يحصل هو نتاج فشل سياسي لطبقة سياسة فقدت مفهوم المصلحة العامة، فهي تعمل لنفسها ولا تعمل للناس. وبالتالي فإن العجز سببه فساد السياسي، هناك صراع سياسي يترافق مع الوضع الاقتصادي، خطورة الموقف تكمن في عجز البنك المركزي على التدخل من أجل كبح انخفاض الليرة اللبنانية المستمر. الحراك عاد إلى الشارع نتيجة الجوع والغلاء الفاحش، الأحزاب ما زالت ممسكة بالشارع، وهي قادرة لغاية الآن على لجم الأمور، إلا أن الوضع مرشح للتصعيد خاصة في غياب أي تدخل دولي.
وفقدت العملة اللبنانية أكثر من نصف قيمتها منذ أكتوبر/ تشرين الأول، وسط أزمة اقتصادية متصاعدة شهدت نضوب الدولارات وفرض البنوك قيودا صارمة على حركة رؤوس الأموال حالت بين اللبنانيين وبين مدخراتهم بالعملة الصعبة.
وقرر البنك المركزي قواعد جديدة هذا الأسبوع تسمح للبنوك بدفع قيمة الودائع بالدولار المرتبطة بالليرة اللبنانية، على أساس "سعر سوق" مما أثار غضب المودعين الذين يرون أن ذلك سينال من مدخراتهم.
وبالرغم من التذمر الكبير وتلميح رئيس الحكومة حسان دياب إلى مسؤولية حاكم البنك المركزي عن تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار، واصفا ذلك بأنه "مؤامرة". رفضت قوى سنية لبنانية هذه التصريحات، فيما نقلت وسائل إعلام لبنانية عن رئيس البرلمان نبيه بري قوله إنه يتعين على الحكومة استخدام سلطاتها القانونية لوقف "الانهيار الدراماتيكي" للعملة اللبنانية قبل فوات الأوان. فيما دعا الرئيس اللبناني العماد ميشال عون اليوم إلى إنشاء محكمة خاصة لمكافحة الفساد، مشددا على "ضرورة استهداف الفساد السياسي بصورة خاصة وعدم التركيز فقط على الفساد الإداري على خطورته".
كذلك غرد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في تغريدة له على وسائل التواصل الاجتماعي. بأنه لكل ّ أزمة منافعها وفرصها وقد تكون إحدى أهم فرص هذه الأزمة إسقاط الحمايات الطائفية عن المرتكبين. وحذر من تفويت المرجعيات الدينية الفرصة من سماع صوت الشعب.
وتعتزم جمعيات وأفراد تقديم مساعدات مالية وغذائية للعائلات المحتاجة خلال شهر رمضان. وتجهز جمعيات خيرية كثيرة في مختلف المناطق اللبنانية لوائح بأسماء العائلات الفقيرة في كل مدينة وبلدة، لتوزيع حصص غذائية ومبالغ مالية عليها، إضافة إلى تقديم رجال أعمال مساعدات عينية ومالية، لا سيما للاجئين السوريين في لبنان.
علاء جمعة / كيرستن كنيب