لست خائنا.. كيف يغادر الرجال أوكرانيا رغم حظر السفر؟
٢٠ يوليو ٢٠٢٢أنطون (اسم مستعار) كان رجل أعمال في أوكرانيا. في الرابع والعشرين من فبراير/ شباط، توجه إلى الحدود مع زوجته وطفليهما هربا من الغزو الروسي. مسافة الطريق التي قطعها وكانت تحتاج بضع ساعات فقط، استغرقت يوما كاملا تقريبا. وبينما كانوا على الطريق، أصدر الرئيس فولوديمير زيلينسكي أمرا يمنع الرجال بين سن 18 و60 عاما من مغادرة البلاد، وبالتالي لم يستطع أنطون مرافقة عائلته في النزوح إلى أحد بلدان الاتحاد الأوروبي وبقي وحيدا في أوكرانيا.
لكنه لم يستسلم للأمر وبدأ بالبحث عن طريقة ما للخروج من البلاد والالتحاق بأسرته، فهو يرى التزامه وواجبه تجاه أسرته له "الأولوية". فتوجه إلى قرية على الحدود الرومانية، لعبور نهر تيسا الحدودي من هناك.
"كنا عدة رجال. لكن السكان المحليين وشوا بنا، وتم القبض علينا. لم نصل حتى إلى النهر"، يقول أنطون، ويضيف "فيما بعد سمعت أن هناك مهربين يأخذون عادة أربعة رجال إلى النهر ويخبرونهم من أين يمكنهم العبور إلى الطرف الآخر".
بيد أنه وبينما كان لايزال هناك قرب الحدود تم استدعاؤه إلى الجيش، ولكن لم يجدوا له واجبا أو مهمة مناسبة، فترك وعاد إلى بيته، ليبحث عن طريقة أخرى للخروج من البلاد.
نصائح في وسائل التواصل الاجتماعي
حظر مغادرة البلاد، يستثني الرجال الذين يرعون أطفالهم (3 أطفال أو أكثر) لوحدهم، وذوي الاحتياجات الخاصة. كما يستثنى طلاب الجامعات الأجانب وسائقي شاحنات المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى الرجال الذين لديهم مكان إقامة دائم في الخارج.
والرجال الذين لا تنطبق عليهم هذه الاستثناءات، فإنهم رغم ذلك يغادرون أوكرانيا مثلا عبرشبه جزيرة القرم التي اقتطعتها روسيا. والبعض يسجل نفسه في إحدى الجامعات الأجنبية وآخرون يبحثون عن عمل كسائق متطوع أو يجتاز الحدود عبر الغابات سيرا على الأقدام.
كما توجد عروض ونصائح في مواقع التواصل الاجتماعي أيضا، مثل حساب (السفر للجميع) على انستغرام الذي يتابعه أكثر من 14 ألف مستخدم. في تلك المواقع يتم إعطاء المعلومات من خلال دردشات خاصة، مثل كيف يمكنك التسجيل بأثر رجعي وبتاريخ قبل الغزو الروسي في إحدى الجامعات البولندية أو الأوروبية الأخرى، والحصول على وثيقة خلال عشرة أيام مقابل 980 يورو.
استطاع أنطون أيضا أن يغادر أوكرانيا، بمساعدة أصدقاء في إحدى المؤسسات الخيرية. "المؤسسة طلبت لنا إذن سفر، فسافرنا كلنا، وعادت السيارات محملة بالمساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا، ولكني لم أعد وبقيت في الاتحاد الأوروبي. الرجال الذين يفعلون مثلي، ينظر إليهم كخونة"، يقول أنطون.
ويضيف مبررا تصرفه "لا أخاف الجبهة، لو لم يكن لدي أطفال، لذهبت منذ مدة طويلة إلى هناك. لكنلم يأت أطفالنا لتعيش أمهم معهم وحيدة".
يبدو أن هناك اهتمام كبير بالسفر والخروج من أوكرانيا، فأكثر من 53 ألف شخص يتابعون قناة "الانتقال الشرعي إلى الخارج" على تلغرام وأكثر من 28 ألف شخص يتابعون قناة "المساعدة على الحدود". وهذه القنوات تعرض توفير وثيقة للإعفاء من الخدمة العسكرية لأسباب صحية مقابل 1500 دولار.
وهناك عرض آخر بمغادرة البلاد متنكرا كسائق شاحنة مساعدات إنسانية، وبهذه الطريقة يغادر كل يوم حوالي عشرة رجال البلاد مقابل ألفي دولار للشخص.
كم يوجد على موقع تلغرام، تقييم العروض من قبل الرجال الذين استخدموها مثل: "سافرت كمساعد متطوع، كل شيء جرى بسهولة أكثر مما توقعت"، "شكرا لكم لمساعدة ابني، إنه الآن في إيطاليا"، "وصلت إلى بلغاريا، إنني شاكر لكم". DW حاولت الاتصال بالعديد من المستخدمين، لكن واحدا فقط أجاب قائلا إنه لا يريد "المخاطرة ولا قول أي شيء".
بيانات حقيقية عن اللاجئين الأوكرانيين
حسب بيانات الأمم المتحدة، غادر أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي أكثر من 9 ملايين شخص. اتصلت DW بسلطات الحدود الأوكرانية لمعرفة عدد الرجال من النازحين، وحتى ساعة نشر هذا التقرير لم تحصل على إجابة.
بيد أنّ وزارة الداخلية الأوكرانية أعلنت في الأول من مارس/ آذار أن حوالي 80 ألف رجل ممن هم في سن الجندية قد عاد إلى البلاد، وأغلبهم عادوا بعد الرابع والعشرين من فبراير/ شباط "للدفاع عن سيادة ووحدة" البلاد.
استقبلت بولندا وألمانيا أغلب اللاجئين الأوكرانيين. وحسب بيانات السلطات البولندية دخل البلاد في الفترة ما بين 24 فبراير/ شباط و7 يونيو/ حزيران 3,5 ملايين ونصف مليون لاجئ أوكراني، بينهم 432 ألف رجل في سن ما بين 18 و60 عاما. أما ألمانيا فوصلها في الفترة ما بين نهاية فبراير/ شباط و19 يونيو/ حزيران 867 ألف لاجئ أوكراني.
أجرت وزارة الداخلية الألمانية استبيانا في شهر مارس/ آذار تبين من خلاله أن 48 بالمائة من لاجئي أوكرانيا نساء مع أطفالهن، و14 بالمائة نساء مع أطفالهن لوحدهن و7 بالمائة كانوا رجالا مع أطفالهم و3 بالمائة رجال بمفردهم.
مع وضد حظر السفر!
ألكسندر غوميروف، محام من أودريسا، نشر عريضة على الانترنت في شهر مايو/ أيار تدعو إلى رفع حظر السفر المفروض على الرجال والمطالبة بتجنيد المتطوعين بإرادتهم الحرة. خلال أيام قليلة وقع عليها 25 ألف شخص، وبالتالي وجب أن يفحصها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الذي رد بحدة شديدة قائلا: إن العريضة يجب أن ترسل إلى أهالي الجنود الذين سقطوا من أجل الدفاع عن أوكرانيا.
غوميروف، لا يزال يعتقد أن حظر السفر لا طائل منه، ويوضح قائلا "إذا كان المرء يريد أن يدافع عن وطنه الحر الحبيب وبيته وعائلته، فلا حاجة لحظر السفر. وإذا كان لا يريد الدفاع عن وطنه، حينها أيضا لا توجد ضرورة لمنع السفر".
ويقول غوميروف، الآن كثير من الرجال في أوكرانيا لا يجدون عملا، وبالتالي لا يستطيعون إعالة أسرهم ولا دفع ضرائب للدولة. وهكذا يؤدي حظر السفر إلى نشر الفساد. وكمحام يطرح عليه سؤال يوميا حول "الثغرات القانونية" التي يمكن استغلالها للالتفاف على الحظر. ولكن كل هذه الثغرات مقرونة بالفساد، حسب غوميروف.
والمحامي ديمترو بوزانوف من كييف، يشير إلى أن تقييد حرية السفر المنصوص عليها في الدستور، يجب أن يتم تنظيمه بموجب قانون، وهذا ما لم يحدث حتى الآن. وبالتالي فإنه يرى الحظر الحالي، مخالفا للقانون، ويقول "تصلني الكثير من الشكاوى، لكن الناس لا يريدون رفع دعوى أمام المحكمة".
ويرى بوزانوف أنه يمكن اللجوء إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، لنقض حظر السفر المفروض على الرجال في أوكرانيا.
إدانة من قبل المواطنين
غالبا ما تتم إدانة الرجال الذين غادروا أوكرانيا من قبل النساء اللواتي أزواجهن يشاركون في الحرب، حسب محامية طلبت عدم كشف هويتها، وزوجها مقاتل متطوع على الجبهة. وتقول إنها تؤيد عريضة المحامي ألكسندر غوميروف من حيث المبدأ، لكنها ترى أنها قد صيغت بشكل خاطئ. "رسالة العريضة تقول: دعونا نسافر جميعا، وليبقى المتطوعون يقاتلون. هذا غير عادل".
وتؤكد أن هناك القليل من المقاتلين المتطوعين، الذين أطفالهم وزوجاتهم في إحدى دول الاتحاد الأوروبي. زوج المحامية أيضا يريد أن يخدم وطنه ولكن يريد أن يرى أطفاله أيضا. لذلك تطالب بضمان إجازة قصيرة للجنود للسفر إلى الخارج وزيارة عائلاتهم.
أنطون غادر أوكرانيا منذ مدة طويلة وهو مع عائلته في إحدى دول الاتحاد الأوروبي يتعلم اللغة ويبحث عن عمل. ولا يستبعد أن يعود إلى أوكرانيا بعد انتهاء الحرب. "في زمن السلام كنت دائما أقول أوكرانيا أحد أفضل الأماكن".
يقول أنطون إنه وطني ويستدرك قائلا: "لكن أريد أن تنتهي الحرب بأسرع ما يمكن، وسأتبرع للجيش بالمال. نحن الآن بعيدون جدا، ولكن هذا لا يعني أنني خائن".
غرينا تشيفتايفا/ عارف جابو