لماذا أخفقت وسائل الإعلام في تقدير فرص ترامب بالفوز؟
١١ نوفمبر ٢٠١٦بالنسبة للكثير من وسائل الإعلام الرئيسية والكبرى في الولايات المتحدة كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية واضحة: هيلاري كلينتون ستكون أول رئيسة لأمريكا. أما دونالد ترامب كرئيس؟ فكان أمرا غير وارد إطلاقا، فهو الشخص الذي تميز في الحملة الانتخابية بمواقفه العنصرية والمعادية للمرأة. كبريات الصحف الأمريكية، مثل صحيفة "نيويورك تايمز" دعمت بشكل علني المرشحة كلينتون ودعت قراءها إلى انتخابها. وخطت ذات الخطوة مجلة "أتلانتيك ـ ماغازين" المرموقة والمعروفة برصانتها.
تصورات مختلفة عن أمريكا
ولكن بعد الانتخابات جاءت الصدمة: فقسم كبير من الناخبين الأمريكيين اتخذوا قرارا مغايرا تماما لآراء وتوجهات وسائل الإعلام الرئيسية، كونهم انتخبوا ترامب رئيسا جديدا للبلاد. ويبدو أن وسائل الإعلام لها تصور مختلف تماما وبعيد عن تصورات قسم كبير من السكان عن أمريكا.
في هذا السياق يقول أستاذ علوم وسائل الإعلام والاتصال في جامعة هاينريش هاينه في ديسلدورف، غيرهارد فوفه، "شكل فوز دونالد ترامب في الانتخابات مفاجأة كبيرة إلى درجة غير معقولة، لأننا اعتمدنا في تكوين تصوراتنا عن الانتخابات الأمريكية على آراء وسائل الإعلام والتي كانت تشير إلى أن المنافسة ستكون محتدمة ولكن احتمالات فوز كلينتون كانت أقرب إلى التوقع".
وسائل الإعلام تحت تأثير مؤسسات استطلاع الرأي
اعتمدت وسائل الإعلام الرئيسية فيما يخص تخميناتها بشأن الفائز كليا وبشكل أساسي على آراء مؤسسات استطلاع الرأي والتي أخفقت كليا في تقدير قوة تأثير ترامب على الناخبين، كما يقول الباحث الأكاديمي فوفه ويضيف أن معاهد استطلاع الرأي واجهت مشاكل معقدة في ما يخص تفسير واقعي ومقبول لنتائج الاستطلاعات التي أجرتها. وأخفقت معاهد استطلاع الرأي بشكل خاص في تقدير سليم لمدى قدرة ترامب في حشد آخر الناخبين في معسكره وهو أمر ممكن في الولايات المتحدة على خلفية النظام الانتخابي المعمول به في البلاد، حسب توضيح فوفه.
كما أخفقت المعاهد أيضا في تقدير قوة تأثير ترامب على الناخبين خارج معسكره والمستاءين من السياسة والسياسيين عموما. فاستنتاجات وتصورات معاهد استطلاع الرأي لم تكن سليمة وبعيدة عن الواقع، حسب رأي الباحث فوفه. هذه الأسباب جعلت هامش الخطأ في تلك التقديرات والاستنتاجات كبيرا على نطاق واسع.
ويذكر أن هذه العوامل ساهمت أيضا في سوء تقدير نتائج الاستفتاء البريطاني بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي "البريكسيت".
بيد أن سوء تقدير وسائل الإعلام لنتائج الانتخابات وعدم أخذ المرشح الجمهوري ترامب على محمل الجد كمرشح قوي ومؤثر لا يمكن تبريره بسوء تفسير معطيات معاهد أبحاث استطلاعات الرأي وعدم دقة نتائج عملها. بل هناك سبب مهم في هذا السياق يتعلق بموقف ليبرالي راسخ لدى وسائل الإعلام الكبيرة والمؤثرة في المجتمع، حسب رأي الكاتب والصحافي الألماني أوفه كروغير في حديثه مع DW. ويضيف الصحافي، الذي نال جائزة غونتر فالراف للصحافة الناقدة، أن الموقف الليبرالي المشترك بين نخبة الإعلام والنخبة السياسية والذي يستند إلى مجموعة قيم مشتركة لا يعكس مواقف كل المجتمع الأمريكي.
وأظهرت نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبشكل جلي أن وسائل الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة فقدت الصلة والتواصل مع سكان البلاد، كما يقول الباحث الأكاديمي فوفه. ويضيف "الصحفيون يعيشون في أجواء فترة انتقائية"، أو يعيشون في "فقاعة انتقائية". ويتابع الأكاديمي أن الصحفيين في المراكز الإعلامية جغرافيا بعيدا عن القسم الأكبر من الناس ومنقطعين عنهم. ويقول فوفه إن الصحفيين محاطين دوما بسياسيين وأكاديميين يحملون نفس أفكارهم وتصوراتهم عن المجتمع ويتميزون بالمهنية والعقلانية وتربطهم لغة تواصل مشتركة.
ولم يدرك الإعلاميون بشكل كاف أن قرار انتخاب شخص ما يحمل بين طياته لغة التواصل السياسي. ولم يتعلق الأمر بالنسبة للصحفيين في هذا الشأن بالمحتوى الفعلي للعمل الإعلامي ولا بكشف الحقائق كما هي، بل تعلق الأمر بتمنياتهم وتصوراتهم المفضلة، كما يحلل ذلك الباحث الأكاديمي فوفه مشيرا إلى أن الفصل بين عالمي التواصل يشكل مشكلة خاصة بالصحفيين. ويضيف فوفه أن صناع الإعلام كانوا يسمعون فقط صدى أصواتهم ولم يستمعوا إلى أصوات الذين يشعرون بالغبن والعالقين أو الذين يشعرون بأنهم يتم سوء فهم أوضاعهم.
التشابه بين ترامب والشعبويين في أوروبا
يحتفل أنصار ترامب بفوز مرشحهم معتبرين فوزه بمثابة نصر كبير لمهمش على النخبة السياسية. إنه سيناريو يصب في مصلحة الشعوبيين في ألمانيا وأوروبا الذين يسعون إلى توظيف فوز ترامب لفائدتهم. في هذا السياق يرى الباحث في العلوم السياسية هايو فونكه وجود خطوط متوازية بين "ظاهرة ترامب في الولايات المتحدة والصعود السريع للحزب الشعبوي اليميني الألماني "حزب البديل من أجل ألمانيا"، على الأقل فيما يخص الخطاب العاطفي.
ويقول الباحث الأكاديمي فوفه إن الرأي السائد في ألمانيا فيما يخص التعامل مع الحزب الشعبوي يتمثل في تجاهل تام لهذا الحزب والتعتيم عليه إعلاميا ودفعه بذلك إلى هامش المجتمع. لكنه يضيف أن قلة نشر المعلومات لا يجوز للصحفيين بعد اليوم وذلك نظرا لما تمخض عنه ملف البريكسيت وفوز ترامب والانتصارات العديدة التي حققها حزب البديل الألماني. ويتوقع الباحث فوفه أن يقوم الصحفيون بتوضيح مواقف شرائح المجمتع وما يقلقهم من مشاكل بشكل واقعي وموضوعي ودون انتقائية.
لكن الصحفيين اليوم وفي ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي لا يملكون اليوم إمكانية كافية لتقدير حجم وأهمية الظواهر الهامشية أو الحركات الاجتماعية الواسعة في المجتمع. في هذا السياق يقول الباحث فوفه، صحيح أن الصحف الكبرى تخصص صفحات واسعة لآراء القراء وتنشر رسائلهم، لكن الإعلاميين لا يستطيعون تقدير ما إذا كانت هذه الآراء واسعة الانتشار في المجتمع أم لا.
وسائل التواصل الاجتماعي تعتمد لغة خاصة بها ولها حركة ترويج خاصة لها. أنصار ترامب لم يعتمدوا على آراء الصحف الكبرى فيما يخص معرفة المزاج الشعبي العام. عبر وسائل التواصل الاجتماعي يحصلون على المعلومات والأخبار التي تعنيهم وقريبة من توجهاتهم ويحصلون عليها من محيطهم الاجتماعي مباشرة، كما يؤكد ذلك الباحث فوفه. ويضيف لهذا الأسلوب من التواصل الاجتماعي تبعات كبيرة، فمن يستمع إلى أصداء صوته في وسائل التواصل الاجتماعي لا يشعر بالعزلة بعد. الأنصار يبالغون في تقدير قوتهم ويتوجهون إلى صناديق الاقتراع بقوة وعزيمة كبيرتين.
الولوج في عمق المجتمع
يطالب الصحافي المعروف أوفه كروغير الصحافيين بالابتعاد عن نقل تصورات وصور ونشاط النخبة السياسية. ويضرب كروغير مثال الصحفية ومقدمة برنامج "مورغن ماغازين" في القناة الألمانية الثانية "زت. أف.دي" دنيا الحيالي، وهي من أصل عراقي، كنموذج إيجابي لصحافة واقعية والتي تلقت الكثير من رسائل الكراهية وتعليقات بذيئة. لكنها رغم ذلك نقلت أخبار مظاهرة لأنصار حزب البديل الشعبوي المعادي للمهاجرين وتواصلت بشكل مستمر مع مشاهدي القناة التلفزيونية ومع من ينتقدها باستمرار.
كروغير يطالب صناع الإعلام بتناول المزيد من المواضيع المهمة بعيدا عن المؤتمرات الصحفية للنخبة السياسية وبعيدا عما تنشره وكالات الأنباء. كما يطالب كروغير بتسليط الضوء على المواضيع الخارجة عن نسق الرأي السياسي السائد في المجتمع.
زابرينا بابست/ حسن ع. حسين