لماذا تتصاعد هجرة الشباب المغاربي رغم الإجراءات الأوروبية؟
٢٥ مارس ٢٠١٦بتحسن أحوال الطقس وإنسداد الطرق في وجه اللاجئين عبر طرق البلقان بعد توصل الاتحاد الأوروبي مع تركيا لإتفاق حول اللاجئين، يخشى خبراء ان تتجدد موجات الهجرة عبر السواحل الإيطالية. وفي حوار مع DW عربية رأى حاتم القفصي، المكلف ببرامج التعاون في المكتب الإقليمي لمؤسسة كونراد أديناور الألمانية في تونس، أن صعوبات وعقبات قانونية وعملية تواجه تطبيق إتفاق ألمانيا مع دول المغرب والجزائر وتونس بتصنيف هذه الأخيرة كدول آمنة والذي يقتضي ترحيل مهاجريها غير الشرعيين.
وبحسب القفصي، فإن أهم تلك العقبات صعوبة تحديد هوية المهاجرين الذين يعمدون إلى إتلاف وثائق سفرهم ويقدمون أنفسهم كلاجئين من بلدان أخرى مثل سوريا أو ليبيا أو العراق. لكن المشكلة تبدو أعمق من ذلك، وتتشعب عبر مستويات مجتمعية واستراتيجية، وهو ما يفسر استفحال ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
وعلى هامش مؤتمر حول الشباب المغاربي وتداعيات الهجرة غير الشرعية، نظمته مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بالتعاون مع مؤسسة التميمي للبحث العلمي بتونس، تحدث خبراء مغاربيون في حوارات مع DW عربية، عن تصوراتهم لأسباب تفاقم الهجرة غير الشرعية والبدائل المطروحة لمعالجتها.
الأزمة الليبية العقدة والحل
بالنسبة إلى السفير التونسي السابق محمود بالسرور، رئيس "جمعية آفاق وتنمية"، فإن المعضلة الأساسية التي تساهم في استمرار تدفق المهاجرين غير الشرعيين من شمال إفريقيا نحو أوربا، يتمثل في تداعيات الأزمة الليبية. وأوضح بالسرور، الذي عمل سابقاً كنائب للسفير التونسي في ألمانيا، أن إنهيار المؤسسات والاقتصاد في ليبيا، الذي نتج عن سقوط نظام العقيد معمر القذافي، أدى إلى هروب ما يناهز مليون و400 ألف مهاجر إفريقي وعربي وآسيوي كانوا يعملون في ليبيا، وضمنهم 120 ألف مهاجر تونسي. ولاحظ بالسرور أن أوروبا شكلت الوجهة الرئيسية للمهاجريين الذين غادروا ليبيا.
ومن جهتها رأت فاطمة أبو النيران رئيسة "التجمع العالمي من أجل ليبيا موحدة وديمقراطية" أن ليبيا باتت تشكل قاعدة رئيسية لعمليات تهريب البشر والمخدرات وأن الميليشيات المتناحرة تمول نفسها من شبكات التهريب.
ويفد مهاجرون من جنوب الصحراء الإفريقية ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى ليبيا كبلد عبور إلى أوروبا بحكم قربها من إيطاليا وغياب رقابة على حدودها المترامية. وتعتقد الناشطة الليبية أن حل الأزمة الليبية من شأنه المساهمة في معالجة معضلة الهجرة.
لكن تعثر جهود تسوية الأزمة الليبية واستمرار تناحر الميليشيات والقوى المتصارعة، بات يساهم في تفاقم أزمة الهجرة.
ما الذي يغذي الهجرة؟
وفي تحليله لأسباب تفاقم الهجرة غير الشرعية من الدول المغاربية نحو أوروبا، يعتقد الخبير التونسي أن انسداد الآفاق وغياب فرص الحياة الكريمة بالنسبة للشباب تشكل دوافع رئيسية للهجرة، وهي ناتجة عن ارتفاع معدلات البطالة، وعدم قدرة سوق العمل كما أن الفوارق الاجتماعية والتفاوت الصارخ في فرص العمل والتنمية بين الجهات داخل البلد (تونس).
ففي تونس، لا يتجاوزمعدل توفير فرص العمل لحوالي 40 في المائة من خريجي الجامعات التونسية التي تضخ سنوياً 83 ألف خريج. أما في المغرب فإن نسبة البطالة في صفوف خريجي الجامعات المغربية، تفوق 45 في المائة، وفي الجزائر يتوقع أن تتفاقم مشاكل الشباب بسبب تراجع عائدات البترول.
ومن جانبه أوضح الدكتور الأردني خالد رواش، وهو طبيب خبير في أوضاع المهاجرين بالسجون الإيطالية، أن المغاربيين يشكلون حوالي نصف المهاجرين الذي يصلون إلى إيطاليا بطرق غير شرعية، وبأن نسبتهم في السجون تشكل 35 في المائة من مجموع السجناء الأجانب، ويشكل الشباب نسبة 80 في المائة منهم.
ولاحظ الخبير الأردني أن نوعية المشاكل النفسية والجنائية التي يرصدها لدى الشبان المغاربيين في السجون الإيطالية، تٌظهر أنهم يعانون من مشاكل اجتماعية واقتصادية تدفعهم إلى المجازفة والإقدام على أعمال مخالفة للقانون وانحرفات.
الهجرة سبباً للفساد
وبرأي المحامي بديع جراد، وهو ناشط في مجال الشفافية مكافحة الفساد، بأن تنامي الهجرة غير الشرعية تساهم فيها شبكات التهريب والفساد داخل البلدان المغاربية، واعتبر أن "أجهزة الأمن والجمارك وحرس الحدود، التي يفترض أن تقوم بدورها في مكافحة شبكات التهريب، هي بدورها مخترقة من قبل شبكات الفساد". واقترح جراد وضع آليات مراقبة مشددة ومحاسبة على مختلف المؤسسات التي لها دور في تفاقم ظاهرة هجرة الشباب، بما فيها الأجهزة الأمنية.
وتقدر مؤسسات أوروبية عائدات شبكات تهريب المهاجرين عبر مياه سواحل البحر الأبيض المتوسط، بحوالي خمسة مليار يورو سنوياً، ويخشى خبراء أن تستعيد سواحل إيطاليا جاذبيتها كطريق للهجرة غير الشرعية، مع مؤشرات تحسن أحوال الطقس، وبعد الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وإغلاق طرق البلقان وإجراءات المراقبة المشددة التي تفرضها قوات من حلف الأطلسي والاتحاد الأوربي، وخصوصاً لبحر إيجه بين تركيا واليونان.
ويرى خبراء مغاربيون أن فشل حكومات الدول المغاربية في تقديم بدائل للشباب وتحقيق نماذج تنمية ناجحة، واضطراب السياسات الأوروبية إزاء ملف الهجرة، وفي هذا السياق اعتبر الدكتور عبد الجليل التميمي رئيس مؤسسة التميمي أن جانباً أساسياً من المسؤولية يقع على عاتق حكومات دول المغرب العربي، كما أن القيادات لسياسية المغاربية فشلت في تحقيق الاندماج المغاربي الذي يشكل بديلاً حقيقياً للشباب.
مخاوف من موجة هجرة جديدة عبر السواحل الإيطالية
وساهمت عمليات المراقبة الأوروبية التي تساهم فيها سفن بحرية ألمانية، لسواحل إيطاليا، في تراجع تسلل المهاجرين نسبياً، لكن ما يزال يفد إلى إيطاليا سنوياً 100 ألف مهاجر غير شرعي، وارتفعت أعداد المهاجرين الذين يموتون غرقاً في مياه البحر الأبيض المتوسط، بشكل ملحوظ وبلغ عددهم سنة 2014 ثلاثة آلاف شخص، وتضاعف العدد سنة 2015.
وأشار الخبير الدكتور خالد رواش الذي يعمل منذ ربع قرن في المؤسسات الصحية والسجون الإيطالية، بأن إجراءات الحد من الهجرة غير الشرعية، لم توقف تدفقها على إيطاليا التي يوجد بها حالياً زهاء 600 ألف مهاجر مغاربي، بالاضافة إلى تقديرات بوجود حوالي 150 ألف لاجئ دخلوا بطرق غير شرعية.
كما تعد إيطاليا معبراً أساسياً للمهاجرين المغاربيين نحو الدول الأوروبية الأخرى وفي مقدمتها فرنسا بحكم عوامل تارخية وثقافية كاللغة الفرنسية، ثم ألمانيا وبلدان شمال أوروبا. وذكر خبراء أن نسبة الهجرة غير الشرعية ارتفعت عبر مياه البحر الأبيض المتوسط بمعدل 153 في المائة خلال العام الماضي.
وفي تحليله لأسباب استمرار اقدام آلاف الشبان على المجازفة بحياتهم رغم الإجراءات المتخذة سواء على الصعيد المحلي في بلدانهم أو على صعيد الدول الأوروبية، يرى حاتم القفصي المكلف ببرامج التعاون في المكتب الإقليمي لمؤسسة كونراد أديناور، أن المشكلة تكمن في أن المهاجر عندما يقرر الرحيل من بلده لا يأخذ بعين الاعتبار تلك الاجراءات القانونية والأمنية.
أما اختياره لوجهته النهائية فغالباً ما تتقرر بعد وصوله إلى الأراضي الأوروبية، وهناك يتشكل رأيه من خلال المعلومات التي تتوفر له. فمثلاً لو علم أن أبواب الهجرة غير الشرعية إلى ألمانيا مغلقة، فإنه سيحاول البحث عن بدائل في بلدان أوروبية أخرى.
وأوضح حاتم القفصي، أن تدفق مهاجرين غير شرعيين من بلدان مغاربية على ألمانيا، كان من أسبابه "الخلط الكبير" بين اللاجئين الذين رحبت بهم ألمانيا العام الماضي مثل السوريين، وبين المهاجرين لأسباب اقتصادية واجتماعية، الذين لا تنطبق عليهم قواعد حق اللجوء السياسي.
ويعتقد القفصي أن حل أزمة الهجرة غير الشرعية، بالنسبة لألمانيا مثلاً، يقتضي اعتماد استراتيجية شاملة ورؤية عميقة تراعي تعقيدات هذه المعضلة وتعد أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والنفسية، تنطلق من الدوائر القريبة، مثلاً التعاون مع فرنسا، والتوسع في إيجاد الحلول أوروبياً ثم متوسطياً.