لماذا تستهدف الحكومة التركية الأصواتَ النسائية؟
٢٧ يناير ٢٠٢٢خلال الأسبوع الماضي، لم يكن حديث الإعلام التركي إلا عن الأوضاع الاقتصادية المتردية وعن قضية سيدتين بارزتين هما الصحفية سيديف باكاش التي سُجنت بزعم إهانة الرئيس رجب طيب أردوغان وأيضا المغنية الشهيرة سيزين آكسو التي تعرضت لانتقادات وتلقت تهديدات.
جرى اتهام باكاش بعد ما قِيل إنها استهدفت اردوغان عقب ذكرها قولا مأثورا في مقابلة تليفزيونية مع قناة معارضة إذ قالت الصحفية ما مفاده: "الشخص المتوج حاكما يصبح أكثر حكمة. ولكننا نرى أن هذا غير صحيح فعندما يدخل الثور القصر فهو لا يصبح ملكا بل يتحول القصر إلى حظيرة". وغردت باكاش بالمقولة المأثورة ذاتها عقب اللقاء الذي بثته قناة "تيلي 1" التلفزيونية التي تُعد من وسائل الإعلام التركية المعارضة للحكومة وللرئيس.
وعلى وقع الأمر، تعرضت الصحفية البالغة من العمر 52 عاما لوابل من الانتقادات من قبل مسؤولي الحكومة والأحزاب والكيانات الموالية لها إذ قال وزير العدل إن "باكاش ستنال ما تستحقه بعد أن رددت كلمات محظورة". بدوره، غرد فخر الدين ألتون - رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية- قائلا: "فخر الرئاسة هو فخرنا، لذا أدين بشدة الإهانات المبتذلة التي طالت رئيسنا والرئاسة". ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قامت قوات الأمن بمداهمة منزل باكاش في وقت متأخر من الليل واحتجزتها بزعم إهانة أردوغان في اتهام قد يعرضها للسجن من سنة إلى أربع سنوات بموجب المادة 299 من قانون العقوبات التركي الخاصة " الخاص بجرائم إهانة رئيس البلاد".
إهانة الرئيس.. حصان طروادة
وليست باكاش الوحيدة التي وجهت إليها تهمة "إهانة الرئيس" فقد سبقها في ذلك الآلاف من الشخصيات منذ انتخاب أردوغان عام 2014، وهذا هو الاتهام الذي تعتبره المعارضة بمثابة "حصان طروادة" من قبل الحكومة لاستهداف الأصوات التي تنتقد الرئيس التركي علنا. فقد ذكرت إحصائيات وزارة العدل التركية إنه تم مباشرة أكثر من 160 ألف تحقيق فيما يتعلق باتهامات "إهانة الرئيس" فيما بلغ عدد القضايا المرتبطة بهذه الاتهامات أكثر من 35 ألف دعوى قضائية خلال السنوات الثماني الماضية.
ولا يقتصر الأمر على الصحفيين والفنانين والأكاديميين بل طال هذا القانون المواطنين الأتراك العاديين، فيما أدانت المنظمات الحقوقية المادة باعتبارها تمثل "اعتداءً صارخا على حرية التعبير" في البلاد. وفي هذا الصدد، دعت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان السلطات التركية إلى تغيير هذا التشريع الخاص "بإهانة رئيس البلاد".
استهداف مطربة
وخلال الأسبوع، تعرضت المغنية التركية سيزين آكسو لانتقادات من التيارات الإسلامية المتحالفة مع الحكومة بعد أن نشرت على قناتها عبر "يوتيوب" عشية رأس السنة أغنية تعود لخمس سنوات مضت بعنوان: "كم رائعا أنك لا زلت حيا". وجرى اتهام آكسو بالتجديف إذ قالت الحكومة إن الأغنية تحمل إهانة لأبو البشر أدم وحواء خاصة في مقطع من الأغنية يقول :"نتجه مباشرة صوب كارثة. قل مرحبا لآدم وحواء والجاهلين".
وعلى ذلك، تعرضت آكسو للتهديد من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان إذ قال في صلاة الجمعة الأسبوع الماضي: "لا يمكن لأي شخص أن يشوه سمعة نبينا آدم. ويتعين علينا اقتلاع هذه الألسن. لا يمكن لأي أن يتفوه بمثل هذه الكلمات بحق أمنا حواء". بيد أن أردوغان لم يذكر آكسو بالاسم لكن الأمر يحمل انتقادها خاصة بعد أن انتشرت الأغنية بسبب شهرتها في عالم الغناء في تركيا.
كذلك جرى انتقاد المطربة من قبل مديرية الشؤون الدينية في تركيا التي تُعرف باسم "ديانت" والتي تعرضت للاستغلال في القضايا السياسية منذ تولي أردوغان منصبه. وأصدرت المؤسسة بيانا جاء فيه: "يتعين على المرء توخي الحذر الشديد في كل جملة عند الحديث عن الرموز الإسلامية المقدسة". وقد تزامن هذا مع رفع عدد من المحامين في العاصمة التركية أنقرة دعوى جنائية ضد آكسو بزعم اتهامها "بإهانة القيم الدينية".
مواصلة انتقاد الحكومة
ويبدو أن مثل هذه التهديدات لم تضعف عزيمة آكسو وهي في عامها الـ 68 أو تخيفها إذ نشرت بعد ذلك قصيدة تحولت إلى أغنية بعنوان "الصياد" جاء فيها "لا تسحق لساني" والتي تمت ترجمتها إلى 35 لغة من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي خلال ليلة واحدة. وكتبت المطربة منشورا على موقع الفيسبوك "أمارس الكتابة لأكثر من 47 عاما وسوف أستمر في الكتابة".
وعلى وقع هذا الأمر، نالت المطربة دعما كبيرا من المعارضة ومن سياسيين أبرزهم عمدة اسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي ينتمي إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي والذي غرد قائلا: "الفنانون سوف يتكلمون بجرأة ولن تُكتم أصواتهم".
وفي ذلك، يرى إيمري أردوغان - أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيلغي في اسطنبول- أن سيزين آكسو كمطربة شهيرة في تركيا على مدى أجيال عديدة على ما يبدو هدف جيد من قبل أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم لحشد أصوات الناخبين المحافظين داخل صفوف الحزب.
وفي مقابلة مع DW، قال إن هذا الأمر يشكل "ضغطا على السياسيين الشباب الراغبين في الظهور واستهداف القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية". وأضاف أن "حصر النقاش حول الهجوم على القيم الإسلامية يدفع هؤلاء السياسيين الشباب إلى الدفاع عن حرية التعبير. وهذا الأمر يمنع خطوات يُقدم عليها أردوغان للسماح لهم بأن يكونون بمثابة حلقة وصل (مع الناخبين)". وفي ذلك، أشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن "هذا السيناريو قد يُنظر إليه باعتباره بروفة للخطاب المستقطب في المستقبل حتى إجراء الانتخابات المقبلة حيث سيكون لكل صوت قيمة".
احتدام النقاش على مواقع التواصل
يشار إلى أن لغة أردوغان التي أثارت انقسامات دخل المجتمع التركي اكتسبت زخما كبيرا عقب الاحتجاجات الرافضة لسياسات الحكومة الاستبدادية عام 2013 والتي شهدتها حديقة "غيزي" في ميدان تقسيم الشهير وسط اسطنبول. وكان أردوغان قد شرع في الترويج لخطاب يتسم بالقومية والتوجه الإسلامي لتعزيز مكانته عقب تحالفه مع حزب الحركة القومية، وخاصة زعيمه دولت بهتشلي الذي يصفه البعض بمثابة صانع ملوك فيما يرى آخرون أنه صاحب القرار في مجال السياسات الأمنية أو أنه رجل الكواليس الذي يحرّك حكومة أردوغان.
وبالعودة إلى قضية الصحفية باكاش والمطربة آكسو، فإن ما تعرضتا له يسلط الضوء على حالة الاستقطاب السياسي في تركيا، وهو ما تجلى على مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت بمثابة ساحة تدور فيها معارك سياسية بين المعارضين للحكومة والمدافعين عنها. وفي هذا السياق، دشن كلا المعسكرين أوسمة (هاشتاغ) لدعم باكاش وآكسو وأخرى لانتقادهما.
صرف الانتباه عن الوضع الاقتصادي المتردي
وفي ظل أزمة اقتصادية صعبة تعصف بتركيا خاصة مع تهاوي سعر الليرة، ترى المعارضة أن مثل القضايا ليست سوى محاولة لصرف انتباه المواطنين العاديين بعيدا عن الوضع الاقتصادي، فيما يرى البعض أن أردوغان يلعب بـ "ورقة الدين" للحفاظ على قوته في ظل الأزمات التي تعاني منها حكومته.
بيد أن عالمة الأنثروبولوجيا والصحفية التركية آيس كافدار لا تتفق مع هذا الطرح إذ ترى أن الأمر لاينبغي أن يُنظر إليه كخطوة ترمي إلى "تغيير القضايا السياسية المثارة والنقاش العام". وفي مقابلة مع DW قالت: "إن أردوغان يبعث برسالة إلى انصاره مفادها: "اخذت منكم الرخاء، لكنني في المقابل أعطيكم ما هو أفضل، ألا وهو الحفاظ على الدين والدفاع عنه من قبل أعلى سلطة سياسية". واختتمت العالمة حديثها مضيفة: "المعارضة دائما تبقى صامتة إزاء هذا التوجه".
بورجو كاراكاش/ م .ع