لهذا تدرس ألمانيا إنهاء مهمتها العسكرية في مالي!
٣ فبراير ٢٠٢٢قالت وزيرة الخارجية الألمانية انالينا بيربوك في مقابلة مع صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية إن "مهمتنا (في مالي) ليس هي الغاية في حد ذاتها". وفيما يتعلق بالتغيرات التي طرأت على الحكومة في مالي، أشارت وزيرة الخارجية إلى أنه يتعين طرح تساؤل حيال هل الظروف الحالية لا تزال مواتية لإنجاح البعثة الألمانية. ويعد حديث أنالينا بيربوك الأول الذي يصدر من مسؤول حكومي بشأن مستقبل أكبر مهمة عسكرية ألمانية خارج البلاد.
يشار إلى أن الجيش الألماني يواجه مشكلة في مالي حاليا خاصة فيما يتعلق بالطائرات المسيرة المستأجرة من إسرائيل وطائرات النقل العمودية من طراز (إن. أتش. 90) إذ يتعين الحصول على تصريح من سلطات مالي للسماح يإقلاع كل طائرة. وفي ذات، قال المتحدث باسم قيادة عمليات الجيش الألماني "عمليات الاستطلاع الجوية التي نقوم بها باتت محدودة في الوقت الحالي".
ويسلط هذا الأمر الضوء على الكثير من القضايا المثيرة للجدل بين النظام المالي وحلفائه الأوروبيين، إذ طالبت الحكومة في مالي من القوات الخاصة التابعة للدنمارك الأسبوع الماضي مغادرة البلاد فيما تم طرد السفير الفرنسي. وتزايد وتيرة التوترات بين مالي والشركاء الأوروبيين الذين ينشرون قوات عسكرية في هذا البلد الواقع في غرب أفريقيا.
وتدفع هذه الأمور نحو حالة من الغموض حيال ما إذا كان البرلمان الألماني (البوندستاغ) سيقرر تمديد المهمة العسكرية في مالي والتي تعد الأكبر عقب انتهاء المهمة بحلول نهاية مايو/ أيار، إذ سينتهي تفويض عمليتين لنشر قوات ألمانية إحداهما تحت راية مهمة تدريب تابعة للاتحاد الأوروبي والأخرى تحت راية قوات حفظ السلام الأممية.
ويعود الانتشار العسكري الألماني في مالي إلى يناير / كانون الأول عام 2013 عندما أرسلت حكومة مالي في حينه مناشدة إلى فرنسا والأمم المتحدة لمساعدتها في صد هجوم الجماعات المتطرفة.
وعلى وقع هذه المناشدة، أرسلت فرنسا قوات عسكرية إلى مالي وانضمت إليها العديد من الدول بينها ألمانيا، حيث استطاعت الحكومة بمساعدة القوات الدولية دحر المسلحين الإسلاميين والمتمردين إلى شمال البلاد.
لكن بعد تسع سنوات من عمر هذه البعثة، يبدو أن صبر ألمانيا قد نفذ حيال حكومة الكولونيل أسيمي غويتا الذي تولى زمام الأمور في البلاد عقب انقلاب مايو/ أيار الماضي خاصة مع ما بات واضحا من أنه لا يخطط للمضي قدما في إجراء الانتخابات في فبراير/ شباط إذ يعتزم عقد الانتخابات في غضون خمس سنوات.
وفي مقابلة مع DW، قالت المتحدثة باسم شؤون الدفاع بحزب الخضر الألماني، أجنيسكا بروغر، إن "استعادة النظام الدستوري يعد شرطا مسبقا أساسيا لانخراط المجتمع الدولي في مالي". وأضافت "بات واضحا أن الجميع أصبح منزعجا وقلقا إزاء القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الانتقالية لتقييد حرية وتحرك القوات الدولية بما في ذلك سحب تصاريح تحليق الطائرات".
يشار إلى أنه في منتصف يناير/ كانون الثاني قررت السلطات في مالي منع طائرة عسكرية ألمانية من الوصول إلى مجالها الجوي لأول مرة ما دفع الطائرة التي كانت تقل 75 جنديا إلى تغيير مسارها. ويبدو أن هذه القرارات تأتي في إطار محاولات السلطات الانتقالية في مالي للنأي بنفسها أكثر وأكثر عن شركائها الأوروبيين وعلى الأخص فرنسا القوة المستعمرة سابقا. وفي هذا السياق، قالت بروجر "كل هذه أسباب داعية للقلق ولا يمكن أن نقول أنه يتعين تقديم شيك على البياض لتمديد المهمة".
وقد أثارت قضية مهمة ألمانيا العسكرية في مالي الجدل داخل البوندستاغ فعلى سبيل يعتقد حزب اليسار الاشتراكي وحزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي اليميني المتطرف أنه يجب سحب القوات الألمانية.
الحرب على الإرهاب
كانت مهمة الجيش الألماني في مالي في البداية تتمحور حول مساعدة الحكومة في محاربة المتطرفين والجماعات المتمردة، بيد أنه بعد مرور تسع سنوات، رأت أصوات قليلة أن هذه المهمة قد حققت الكثير. ويبدو أن صدى ذلك بات جليا على أرض الواقع إذ لا تزال الجماعات الجهادية والعصابات الإجرامية تنشط في المناطق الحدودية المتاخمة لكلا من بوركينا فاسو ومالي والنيجر فيما شهدت السنوات الخمس الماضية ارتفاعا في الهجمات الإرهابية.
وياتي ذلك رغم تقديم دعم جوي يتمثل في طائرات مسيرة ومقاتلات فضلا عن تدريب الجنود الماليين وإنفاق الدول الأوروبية الملايين لمساعدة مالي.
شبح أفغانستان
وفي ظل كل هذه المعطيات، طُرحت تساؤلات حيال هل يطل شبح أفغانستان على مالي ما ينذر بمخاطر كبيرة ربما تتجاوز دول المنطقة. وفي رده على هذا الطرح، قال فيليب مونش – الخبير في مركز التاريخ العسكري والعلوم الاجتماعية للقوات المسلحة الألمانية في بوتسدام - إن هناك قواسم تشابه مقلقة.
وفي مقابلة مع DW، أضاف "بات من الواضح أن قدرات مالي ومواردها لا تكفي ببساطة للحفاظ على كيان عسكري على النمط الغربي وتعزيز مهارات عناصر هذا الكيان على المدى الطويل. ولذا يمكن القول إن هذه مشكلة متشابهة مع الوضع الذي شاهدناه في أفغانستان". وأكد على أن الدرس المستفاد من تجربة مالي وأفغانستان أنه ليس جيدا ومفيدا "محاولة فرض نموذج عسكري على النمط الغربي".
المصالح الألمانية في مالي
وفي هذا السياق، شدد التكتل المعارض المؤلف من الاتحاد الاجتماعي المسيحي وشقيقه البافاري الحزب الديمقراطي المسيحي على ضرورة مساعدة مالي في تعزيز استقرارها، محذرا من تداعيات إنهاء المهمة العسكرية في مالي.
وفي ذلك، أضاف فلوريان هان – المتحدث في شؤون الدفاع في التحالف المعارض بالقول: "ليس من مصلحتنا الأمنية دعم بلدان ديمقراطية فحسب إنما يتعين أن يكون هدفنا الأساسي محاربة الإرهاب ومنع الهجرة الجماعية غير المنظمة إلى أوروبا". وحذر من تداعيات انسحاب القوات الأوروبية من مالي إذ قد يصب ذلك في مصالح روسيا التي سوف تستغل الأمر لإيجاد موطئ قدم لها في مالي. وأضاف أن أي شخص يريد أن يعرف كيف أصبح التواجد العسكري الروسي ملموسا في أفريقيا ليس عليه سوى متابعة أنشطة مجموعة فاغنر".
وكانت مجموعة "فاغنر" قد ذكرت في وقت سابق أنها عمدت على تعزيز تواجدها في مالي، وهو الأمر الذي بات يثير قلق الولايات المتحدة أيضاً. ففي بيان لها، قالت الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي أن كلفة تعاقد حكومة باماكو مع المجموعة الروسية ستبلغ 10 ملايين دولار شهريا.
وحتى الآن، لم يظهر على السطح دليل على إبرام اتفاق رسمي بين الحكومة في مالي ومجموعة فاغنر الروسية.
ورغم ذلك، تتزايد التقارير التي تكشف عن تواجد مرتزقة في مالي فيما تعترف الحكومة بوجود مدربين عسكريين روسي لكنها تنفي بشكل قاطع انتشار عناصر فاغنر .
منطقة الساحل ... الثروات نقمة وليست نعمة
وفيما يتعلق بمجموعة فاغنر، فقد طالتها اتهامات بارتكاب انتهاكات في مجال حقوق الإنسان فيما يفضي وجودها القوي في منطقة الساحل إلى تعزيز التواجد والنفوذ الروسي في أفريقيا واستخدام الأمر كورقة ضغط خلال المفاوضات مع الدول الغربية حيال نزع فتيل الأزمة في أوكرانيا.
كذلك، تضع روسيا استغلال الموارد الطبيعية في منطقة الساحل نصب أعينها خاصة الألمنيوم والذهب والماس فيما يعتقد كثيرون في مالي أن هذا كان الدافع وراء نشر قوات أوروبية في البلاد.
وحتى صدور القرار الفصل من قبل البوندستاغ فيما يتعلق بتمديد مهمة الجيش الألماني في مالي، سوف تمضي المهمة في أداء عملها لكن ستكون مقيدة بسبب قرارات السلطات الجديدة في مالي.
بيتر هيل / م ع