ليبيا - الخروج من نفق الأزمة قد لا يكون قريباً
٣ سبتمبر ٢٠١٨مشهد الاشتباكات بين الجماعات المسلحة في ليبيا ليس غريباً على المتابع، منذ عام 2011، عام سقوط نظام العقيد معمر القذافي. إلا أن مثل هذه الصراعات المسلحة أو ما يُطلق عليها مراقبون "حرب بين الميليشيات" تندلع لأسباب منها، السيطرة على مناطق النفوذ والثروة أحياناً، وأحياناً أخرى بدافع الحصول على أوراق أكثر في لعبة المفاوضات الدبلوماسية والحلول السياسية، التي مازالت حتى اللحظة حبراً على ورق.
آخر مسلسل الاشتباكات، صراع يدور منذ نحو أسبوع بين مسلحين من كتيبة ثوار طرابلس والكتيبة 301 وكتيبة دبابات أبو سليم من جهة، وجميعها (تخضع تبعيتها) لحكومة الوفاق الوطني، وبين اللواء السابع مشاة في ترهونة، من جهة أخرى. وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الثلاثاء الماضي، قد حذرت من أن تزايد المجموعات المسلحة والأعمال العدائية والخطاب العدائي ينذر بخطر حدوث مواجهة عسكرية واسعة النطاق في العاصمة طرابلس. وكنتيجة لشدة القتال الدائر بين هذه القوى، فر 400 سجين يوم أمس الأحد (الثاني من سبتمبر/ أيلول 2018) من سجن بعد أن فتحوا أبواب السجن بالقوة ولم يتمكن الحراس من إيقافهم حسب وكالات الانباء.
من يحكم ليبيا؟
في ليبيا تفرض السلطة على الأرض ميليشيات عسكرية وجماعات لها علاقاتها الخارجية المختلفة، وحكومتان تتنازعتان السلطة، هي: حكومة عبد الله الثني في مدينة البيضاء، التي تلقى دعماً من البرلمان المنتخب عام 2014 والقائد العسكري خليفة حفتر. وحكومة السراج التي ظهرت بعد اتفاق الصخيرات وتشكيل المجلس الرئاسي، وذلك بعد ان خرج خليفة الغويل المدعوم من التيارات الاسلامية، من المشهد الحكومي. إلى جانب الحكومتين، يبقى اللاعب الكبيرالمسيطر على أغلب أراضي ليبيا هو قوات المشير خليفة حفتر، التي تحكم قبضتها على شرق ليبيا و90 بالمائة من حقول النفط الليبية.
وفي طرابلس العاصمة تتحكم ميليشيات بالوضع وتتصارع فيما بينها أحياناً بالأسلحة الثقيلة. والدولة في ليبيا "غائبة أو مغيبة فاضطرت حكومة الوفاق الوطني التي نشأت بعد اتفاق الصخيرات إلى اللجوء إلى الميليشيات العسكرية كي تحميها"، حسب قول رشيد خشانة، مدير المركز المغاربي للدّراسات حول ليبيا في حديثه مع DW عربية.
ورغم رفضه وصف العنف في ليبيا بالظاهرة الطبيعية، لكنه يقسم العنف هناك إلى مستويين الأول هو "الخطف من أجل الفدية ما جعل أمن المواطن مهددا تهديدا خطيرا"، والأمر الثاني يعزوه إلى "وجود ملايين قطع السلاح بأيدي جماعات تسيطر على مناطق في طرابلس ومدن ليبيا"، بل أن بعضها يسيطر على أحياء معينة وينافس جماعات أخرى في أحياء أخرى من نفس المدينة، مثلما هو الحال في العاصمة طرابلس. إلا أن أغلب الجماعات داخل العاصمة تتلقى ميزانيتها من وزارة الدفاع، رغم استقلالها عنها، حسب قول رشيد خشانة.
التصعيد الأخير، من يستفيد منه؟
هنالك أطراف ربما يكون عدم استقرار الوضع في طرابلس العاصمة في صالحها، رغم التزام الجميع الصمت تجاه الأحداث في طرابلس. غير أن مطلعين يرون أن من بين من يستفيد من النزاع المسلح المتجدد في العاصمة الليبية، جهات داخلية وخارجية. ويلمّح البعض إلى أن المشير خليفة حفتر يريد توسيع نفوذه العسكري من شرق ليبيا في بنغازي وحتى سبها جنوبا إلى غربها نحو العاصمة طرابلس. ويوضح رشيد خشانة أن من مصلحة الجنرال حفتر "كسب المزيد من الأوراق الليبية كي يستعملها في أي مفاوضات قادمة، ويريد السيطرة على العاصمة، لكنه أمر غير سهل"، إذ إن " القوى العسكرية في طرابلس تختلف فيما بينها، لكنها تتوحد على مواجهة حفتر". وفي ذات السياق، نقلت صحيفة الشرق الأوسط اليوم الاثنين (الثالث من سبتمبر/ أيلول 2018) أن "قوة يقودها الرائد عماد الطرابلسي الموالي لقائد "الجيش الوطني" الليبي المشير خليفة حفتر تتمركز في غرب العاصمة طرابلس لضمان الأمن هناك، بطلب من حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج".
وبجانب القوى المتصارعة نفسها، التي تبحث عن مكاسب على الأرض، يريح الوضع الحرج في طرابلس أنصار نظام القذافي، الذين يتحدثون عن رغبة سيف الإسلام القذافي في ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة. ويقول خشانة ل DW عربية إن حجة انصار النظام السابق في أن الوضع في ليبيا "يبين أن الحال أيام القذافي لم يكن أتعس مما هو عليه اليوم. وهناك معاناة للمواطن الليبي الذي يقف أمام طوابير طويلة لاستلام راتب 400 دينار ليبي لا تساوي شيئا (اليورو يعادل: 1,6 دينار ليبي)".
تشابك المشهد الليبي مع الاقليمي والدولي
قبل نحو شهر صرح رئيس وزراء إيطاليا جوزيبي كونتي، إنه سينظم مؤتمرا لبحث سبل تحقيق الاستقرار في ليبيا. كونتي قال ذلك للصحفيين في البيت الأبيض عقب اجتماع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ صرح حينها بالقول "بالاتفاق مع الرئيس ترامب، أعتزم تنظيم مؤتمر بشأن ليبيا... نود التعامل (مع) كل القضايا المتعلقة بالشعب الليبي ومناقشتها ويشمل ذلك كل الأطراف المعنية والفرقاء في منطقة البحر المتوسط بأسرها". ترامب دفع بإيطاليا إلى تصدر الدول الأوروبية التي تريد لعب دور في ليبيا والتي ظهر الخلاف بينها على السطح في هذا الملف بالذات، وبالخصوص فرنسا. وكتب الدكتور مصطفى الفيتوري، المحلل السياسي الليبي في مقال له على موقع "ميدل إيست مونتر" أن كونتي وجد الفرصة مناسبة بعد تصريح ترامب لكي تتصدر بلاده وتلعب دورا رئيسا في "صناعة الاستقرار" بليبيا.
ويضيف الدكتور الفيتوري في مقاله "إنَ الخلاف الفرنسي الإيطالي ليس على الانتخابات الرئاسية الليبية القادمة، بل على المصالح الاقتصادية للبلدين في ليبيا. كلا البلدين لديهما مصالح نفطية مع ليبيا الغنية بالنفط". إذ - والكلام للدكتور الفيتوري "تستورد شركة ENI الإيطالية 25 بالمئة من حاجة النفط الإيطالي من ليبيا، و10 بالمئة من الغاز أيضا. فيما تشتري شركة توتال الفرنسية 15 بالمئة من النفط الليبي".
وفي هذا السياق يرى رشيد خشانة أن الانتخابات المزمع إجرائها نهاية السنة الجارية 2018 قد "أحبطت مرتين، الأولى بعد الموقف الأميركي الإيطالي الذي قال إننا لسنا بحاجة إلى هذه الأجندة. وركز على موضوع سماه مؤتمر المصالحة الوطنية الذي اعتبره مدخلا لأي انتخابات مقبلة، وبالتالي يمكن أن نقول إن المبادرة الفرنسية قبرت"، وكانت فرنسا قد رعت مبادرة لتسوية سلمية في ليبيا شهر أيار/ مايو المنصرم، وتقرر خلالها رسم خارطة طريق للخروج من الأزمة الليبية، وتشمل الخارطة، تنظيم انتخابات عامة تجرى بنهاية العام الجاري.
أما المرة الثانية التي أحبطت فيها تلك المبادرة، فهي الاحداث الحالية ويصفها خشانة بالقول "اندلاع الاضطرابات (الحالية) أكد أن الموضوع تأخر كثيراً، وحتى إن كانت هناك نية في تطبيق خارطة الطريق الفرنسية فإن الظروف العملية أصبحت غير ملائمة لتطبيقها".
أفاق الحل
يتغذى الانقسام والتناحر في ليبيا من تعدد ادوار اللاعبين الاقليميين والدوليين: ففي ظل الظروف الحالية تتقاطع مصالح دول أوروبية فيما بينها من جهة، وتتقاطع مع الحليف الأمريكي داخل حلف الناتو من جهة أخرى، بالإضافة إلى لعب روسيا لدور في دعم جهات معينة على الساحة الليبية كالمشير خليفة حفتر، وكذلك المواقف العربية والإقليمية، مثل دور محور قطر – تركيا الداعم لجهات في طرابلس، وومحور الإمارات - مصر الداعم لحفتر وقوى أخرى هناك.
وفي وصفه لتشرذم المشهد الليبي، قال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة مؤخرا في مقابلة مع مجلة “إيملي” الفرنسية" إن ليبيا تشظت إلى ألف قطعة، معتبرًا أن بناء هذا “البلد سيستغرق جيلًا كاملًا”.
وعزا هذا الوضع الى”التدخل الخارجي الذي أنهى الديكتاتورية في البلاد، وكان لهذه الديكتاتورية العديد من العيوب، لكنها حافظت على استقرار بلد بحجم فرنسا ثلاث مرات”، حسب وصفه.
وهكذا، تبدو فرص تحقيق استقرار فعلي على الأرض في ليبيا اليوم ضعيفة كما يرى رشيد خشانة مشيراً إلى أن احتمالات الاستقرار "مرتبطة بتظافر جهود فريقين كبيرين: الأول هو القوى القبلية والقوى المنتخبة داخل مؤسسات مثل البلديات"، وكذلك بتظافر هذه الجهود مع قوى دولية "تهدد من يقود المعارك والعنف بعقوبات دولية لأن قادة الميليشيات يخافون من تجميد أموالهم أو منعهم من السفر وغيره".