ليس مرتزقة فاغنر فقط.. جيوش روسيا الخاصة في أوكرانيا
٢ يوليو ٢٠٢٣حتى الأول من يوليو/ تموز المقبل يجب أن توقع كل "جمعيات المتطوعين" المقاتلة في أوكرانيا عقودا مع وزارة الدفاع، حسب ما جاء في قرار أصدره وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. وحتى 22 يونيو/ حزيران وقعت أكثر من 20 وحدة متطوعين مقاتلة في أوكرانيا على عقود مع وزارة الدفاع، التي بررت قرارها بضرورة تسوية الوضع القانوني لتلك الوحدات المقاتلة.
ويوجد في روسيا أكثر من 40 مجموعة عسكرية من هذا النوع، حسب ما أعلنه سابقا نائب وزير الدفاع الروسي نيكولاي بانكوف، من دون أي يحدد بالضبط أي مجموعات يعنيها. فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا يشار إلى مقاتلي الشركات العسكرية الخاصة "كمتطوعين".
وقوات "أحمد" الشيشانية الخاصة، كانت أول "جمعية متطوعين" وقعت على عقود مع وزارة الدفاع، حسب ما أعلنته الوزارة. لكن قائد مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين رفض التوقيع على مثل هذه العقود، بل إنه قاد تمردا في الرابع والعشرين من يونيو/ حزيران ضد وزارة الدفاع على خلفية صراعه مع شويغو.
في البداية انتقد بريغوجين "تأسيس شركات عسكرية خاصة" في كل أنحاء روسيا، وقال "هذا يعني، أنه سيأتي يوم يتم فيه الصراع على السلطة ويستخدم كل واحد جيشه الخاص. وهؤلاء الذين لديهم المال يرون الآن أن تشكيل جيش خاص أمر مهم".
تقارير عن قوات "ريدوت"
جاء في تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية: إن الجيوش الخاصة ستحول القوات المسلحة الروسية إلى خليط فوضوي من وحدات يمولها الأثرياء، واستندت الصحيفة في ذلك على معلومات استقتها من المخابرات الأوكرانية والغربية. وأول مجموعة تم الكشف عن مشاركتها في غزو روسيا كانت مجموعة "ريدوت" التي شاركت في المعارك قرب كييف وخاركيف في بداية الغزو، حسب تقرير لموقع "ميدوزا" الالكتروني الروسي المعارض والذي مقره في ليتوانيا. وتقدر أوكرانيا عدد أفرادها بسبعة آلاف مقاتل.
وأول تقرير عن "ريدوت" نشرته صحيفة "نوفايا غازيتا" عام 2019. ويشير التقرير إلى أنه تم تأسيسها عام 2008 وقامت بحماية منشآت شركة البناء الروسية العملاقة "سترويترانسغاز" في سوريا، التي يملكها الملياردير غينادي تيمتشنكو، وهو أحد أصدقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إيغور جيركين ويدعى ستريلكوف أيضا، "وزير الدفاع" السابق فيما يسمى "بجمهورية دونيتسك الشعبية" أشار أيضا إلى أن مجموعة "ريدوت" يملكها تيمتشنكو. لكن مصادر موقع "ميدوزا" وصحيفة "نوفويا غازيتا" ربطت المجموعة بوزارة الدفاع الروسية، وهو ما فعلته قناة "ريبار" الروسية على تلغرام، وهي قناة مؤيدة للحرب ضد أوكرانيا.
المحاكم الروسية أيضا تعترف بمشاركة مجموعة "ريدوت" في حرب أوكرانيا، فرغم الحظر الرسمي للجيوش الخاصة في روسيا، خففت محكمة في منطقة بيلغورود عقوبة أحد المتهمين، لأنه ينتمي لمجموعة "ريدوت" وقاتل في أوكرانيا.
ثقل موازن مقابل الجيش النظامي!
بافل لوسين، الخبير في الشؤون الخارجية والدفاعية الروسية، يشير إلى أنه بالنسبة لمجموعة "ريدوت" لا يتعلق الأمر بشركة عسكرية خاصة، وهو أيضا يربط المجموعة بوزارة الدفاع الروسية. ويقول "يتم استخدام المرتزقة من قبل روسيا لثلاثة أهداف رئيسية: خلق ثقل موازن مقابل الجيش النظامي، وللتحرك خارج النظام البيروقراطي والإجراءات الإدارية المعمول بها، ولحماية القيادة السياسية والعسكرية من المسؤولية".
ويرى أن المرتزقة وما يسمي بـ "جمعيات المتطوعين" تجعل الالتفاف على العوائق ممكنا في حال اضمحلال الجيش. ويضيف "هذا يعني أن الجيش الروسي يتحول إلى جيش غير نظامي. المرتزقة و(المتطوعون) الذي ينشطون وفق قواعد أخرى هم عبارة عن ثقل موازن مقابل الجنود العاملين والمجندين العاديين، الذين يخدمون وفق القواعد القديمة التي لا تلتزم بها وزارة الدفاع نفسها أو يصعب عليها الالتزام بها".
هل لدى غاز بروم أيضا قواتها الخاصة؟
في فبراير/ شباط 2023 كانت المخابرات الأوكرانية أول من أشار إلى مزاعم حول تأسيس شركة غاز بروم الروسية الحكومية لقوات مرتزقة. وتستند كييف في تقديراتها على سماح رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، لغاز بروم بتأسيس منظمة أمنية خاصة. وحسب صحيفة فايننشال تايمز، بدأت الشركة في أغسطس/ آب العام الماضي بتجنيد "المتطوعين" للحرب في أوكرانيا. ويدور الحديث في ذلك حول قوات "بوتكوك" و"فاكل".
وتضيف فايننشال تايمز أنه قيل للعاملين في اجتماع لإحدى الشركات التابعة لغاز بروم في وسط روسيا، يجب أن يتطوع شخصان لتسجيل اسميهما للحرب في أوكرانيا. "وهذا يعني، أن غاز بروم ستسلحهما وتدفع لهما راتبا أكبر مما يتقاضاه الجنود العاملون العاديون" حسب ما أفاد حارس للصحيفة كان حاضرا في ذلك الاجتماع.
وحسب الصحيفة، عقدت غاز بروم مثل ذلك الاجتماع في صربيا أيضا حيث تطوع ستة أشخاص ووقعوا على عقود تم بموجبها إرسالهم إلى منطقة دونباس الأوكرانية لمدة ثلاثة أشهر، وتم إرسال مجموعة تالية لمدة ستة أشهر إلى باخموت.
وتشير عدة مصادر إلى أن قوات "بوتوك" وفاكل" تعود إلى غاز بروم. فقد أشار إلى ذلك أسير حرب روسي في مقطع فيديو نشر في أبريل/ نيسان من هذا العام. وقال الرجل في مقطع الفيديو إن اسمه ألكسندر تساتشينكو مولود في أورنبرغ. وتوصل القسم الروسي في بي بي سي أيضا من خلال تقص أجراه على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن قوات "بوتوك" تعود لغاز بروم.
وبالإضافة إلى ذلك نشر التلفزيون الرسمي الروسي تقريرا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن "متطوعي فوج فاكل" الذين كانوا يقاتلون في جنوب منطقة دونيتسك. وفي أبريل/ نيسان قال بفغيني بريغوجين: إن القوات المتمركزة في غاز بروم ستشارك في الحرب، منتقدا هؤلاء الذين يشكلون مثل هذه القوات واتهمهم بالنقص في التدريب والتسليح والقيادة. وفي مايو/ أيار الماضي نُشر مقطع فيديو على تلغرام موجها إلى بوتين يظهر فيه مسؤولون عسكريون قالوا إنهم ينتمون لقوات "بوتوك".
لكن لا توجد معلومات دقيقة عن قدرات قوات "بوتوك" و"فاكل". ووصف مسؤول روسي كبير سابق، في حوار مع فايننشال تايمز، تأثير تلك القوات بأنه "معدوم" في أرض المعركة. وللمقارنة، تشير معلومات الاستخبارات البريطانية والأمريكية إلى أن 50 ألف من مرتزقة "قوات فاغنر" في أوكرانيا، 40 ألف منهم تم تجنيدهم من بين المعتقلين في السجون.
ما الفائدة من الجيوش الخاصة؟
يرى خبراء أن تزايد عدد مجموعات المرتزقة في روسيا، يعود إلى رغبة الكرملين في تجنيد أكبر عدد ممكن من المقاتلين للحرب في أوكرانيا دون اللجوء إلى التعبئة. "في الأثناء تحولت روسيا إلى دولة تعبئة على كل المستويات. ومن أجل ذلك هناك حاجة ملحة لتدريب المقاتلين، وبوتين يريد فعل ذلك من دون اللجوء إلى التجنيد لإجباري أو التعبئة" حسب رأي المؤرخ مارك غاليوتي، مؤسس شركة ماياك انتليجنس للاستشارات في لندن.
"هناك أمر بتجنيد المتطوعين بمختلف الطرق، من بينها قيام الجهات الرسمية والخاصة الثرية التي لديها الأموال الكافية بتعبئة الناس"، حسب ما أفاد به موظف روسي كبير سابق لصحيفة فايننشال تايمز. وعلاوة على ذلك فإن تمويل مثل هذه المجموعات هو فرصة للأثرياء وللشركات لتظهر ولاءها للكرملين.
في سبتمبر/ ايلول 2022 التقى بوتين ممثلي كبرى الشركات في اجتماع مغلق وشجعهم على تعبئة وتمويل المتطوعين لإرسالهم إلى أوكرانيا، حسب ما أشارت أولغا رومانوفا، مديرة المنظمة الإخبارية "روس سيدياشايا" والتي تعني "روسيا خلف القضبان"، في تقرير لها والتي اضطرت إلى ترك روسيا قبل عدة أعوام.
ويرى العديد ممن حاورهم موقع "ميدوزا" أن هذا النوع من التجنيد هو تعبئة مستترة، ويؤكدون على أن الخط الفاصل بين قوات المرتزقة والجيش النظامي و"المتطوعين" يختفي تماما أثناء الحرب في أوكرانيا.
دانيال سوتنيكوف/ عارف جابو