مأزق حماس بعد سقوط الاخوان في مصر
٢٩ أغسطس ٢٠١٣ارتكبت حماس خطأجسيما عندما أقحمت نفسها في الشؤون الداخلية المصرية. فالجناح المعتدل بقيادة رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل يرى أن وصولالإسلام السياسي إلى الحكم في عدد من الدول العربية يتطلب مرونة سياسية فيمواقف الحركة. ومع ذلك فإنه قرر أن يدعم مواقف المعارضة في سورية، ما تسبببخسارة الحركة لدعم سورية وإيران وحزب الله اللبناني، وفي ذات الوقتفإن دعمها للإخوان المسلمين في مصر تسبب بخسارتها للمعارضة المصرية وعدد منالدول العربية.بالمقابل فإن الجناح المتشدد في الحركة المتمثل بمحمود الزهار يرى أن وصول الإسلام السياسي إلى الحكم فيمصر، يتطلب تشديد مواقف الحركة إزاء حركة فتح باعتبار حركته في موقعالمنتصر. ولجأت حركةحماس إلى الاعتماد على الاخوان في مصربديلا عن دمشق وطهران، وذلك لعلاقاتها التنظيميةوالإيدولجية. لقد أثبتت حماس بردود أفعالها مابعد معارضتها نظام الاسد وموقفها من الحكومة الانتقالية في مصر بعد يوم 4 يوليو 2013 بأنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين وأنها جزء من مشروع إسلامي أممي أكثر من هويتها الفلسطينية المقاومة، وستتجه للمزيد من العزلة السياسية. ان هذا الوضع الجديد الذي تواجهه حماس في الوقت الحاضر لايستبعد ان ينتج عنه ردود افعال اكثر تطرفا لتعكس نفسها أنها حركة راديكالية عقائدية أكثر من مسؤوليتها عن إدارة السلطة في غزة، ردود الافعال هذه يمكن ان تنتج عنها حالة من التمرد في قاعدتها وانشقاقات في هرم التنظيم .
فك الارتباط مع محور الممانعة
لقد زجت حماس بنفسها في رهان القتال مع التنظيمات الجهادية والمعارضة ضد النظام في سوريا مما دفع محور "ألممانعة " بفك ارتباط حماس به، وياتي ذلك ضمن ركيزة حماس التي تقوم على الايدلوجية اكثر من الهوية الوطنية، هذا دفعها إلى القتال إلى جانب المعارضة السورية التي تتزعمها الاخوان سياسيا، وهي إشارة إلى ان أجنحة الاخوان المسلميين تخضع لصرامة التنظيم ومبدأ "ألسمع والطاعة" ضمن شعار "أنصر أخاك ظالما او مظلوما " .
خطوة حماس هذه تعتبر ضمن أستراتيجية التيارات والاحزاب الاسلامية للتمترس والتحالف في مواجهة العلمانيين. فالسلفية التكفيرية ومنها تنظيم التكفير والهجرة لم تتردد ابد باعلان الحرب واعلان مجلس حرب من على منصة رابعة العدوية من داخل القاهرة. هذه المساحة من الحرية التي يتمتع بها الاخوان ما بعد سقوطهم في 4 يوليو 2013 لا يمكن ان تحصل حتى في اعرق الدول الديمقراطية، فعلى سبيل المثال المانيا، اتخذت قرارات خلال علم 2012 وعام 2013 للحد من مد السلفية التكفيرية ـ الجهادية في المانيا وتحجيم تجمعاتهم التي أثارت الشغب والعنف في الشارع الالماني. وذات الخطوة أتخذتها المانيا تجاه اليمين المتطرف الذي يخضع للرقابة والتحجيم.
مايحصل في مصر من اعمال شغب وممارسات لتنظيم الاخوان في مصر يعتبر تهديدا واضحا للأمن الوطني المصري والأمن القومي للمنطقة. المنصات والميادين بدأت تشهد رايات القاعدة وتنظيم التكفير والهجرة بشكل علني وهي تنظيمات محظورة وممنوعة دوليا. ان ظهور هذه التنظيمات وظهور مشاهد الشحن الطائفي الذي يدعو إلى قتال ومواجهة رجال القوات المسلحة ورجال الشرطة خاصة في سيناء، يكشف حجم الكارثة التي ترتقب المنطقة في "امارة سيناء" المرتقبة. فهنالك تسريبات معلوماتية غير مؤكدة بان هنالك صفقة بين الولايات المتحدة والاخوان لتكون سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين، وترك الفوضى فيها في اعقاب صعود الاخوان في مصر، كانت خطوة باتجاه خسارة مصر لسيناء.
تنظيم التكفير والهجرة اصلا ولد من رحم أخواني حاله حال التوحيد والجهاد وتنظيمات "جهادية" أخرى. إن دعوات الاخوان والتكفير والهجرة والقاعدة من منصات ميادين مصر كفيلة بإدانة الاشخاص الذين تقفون وراءها، ويمكن إلقاء القبض عليها بتحرير مذكرات قضائية لثبوت تورطهم بالارهاب.
البيانات الحكومية أثبتت تورط مناصري حماس داخل ميادين مصر للقتال بجانب الاخوان ضد الحكومة الانتقالية وقد امسكت القوات المصرية العديد من المتسللين من حماس عبر الانفاق السرية وبالجرم المشهود.الأوضاع فى شبهجزيرة سيناء مرشحةللتصعيد فى الفترة القادمة، كما أن التطورات المقبلة قد تنعكسسلباعلى العلاقةبين حكومة مصر الانتقالية وحماس، خاصة ان حماس سوف تستهدف الجيش والشرطة المصرية أكثر من المؤسسات السياسية.
الرهان على الاخوان واحتمالات الانشقاق
وربما تذهب حماسأبعد من ذلك في رهانها على الاخوان باتخاذ سيناء منطقة جغرافية تتمدد "جهاديا" مع حماس في غزة، وان فعلت ذلك فيمكن اعتباره هروب إلى الامام، ان لم يكن انتحارا سياسيا لتضحي بتاريخها السياسي والتنظيمي الذي يمتد إلى ما قبل عام 1987 لتبرهن الحركة بانها جناح عسكري وامتداد للاخوان اكثر من حركة مقاومة فلسطينية .
حماس الآن في مأزق وتواجه مشكلة حقيقة سياسيا وماليا وربما تنظيميا. أما التطورات الحالية في مصر وتراجع الاخوان في المنطقة سوف يقلص من علاقاتها وتمثيل الحركة في أغلب الدول الحاضنة لها وهذه التطورات من شأنها ان تحدث مواجهة داخل حماس بين التيار المتشدد والتيارألمعتدل وهي نتيجة متوقعة، تتعرض لها الكثير من التنظيمات "الثورية" في دول العالم وتنتج عنها الانشقاقات كما حصل في تجربة الجيش الايرلندي والخلافات ما بين التنظيم السياسي والجناح العسكري. أما ماليا فقد تلجأ حماس إلى ايران ثانية، لقد ذكرت صحيفة الديلي تلغراف اللندنية بأن حماس كانت تحصل على مايقارب من خمسة عشر مليون جنيه استرليني من ايران، لكن هذا الدعم قد توقف في أعقاب وقوفها إلى جانب المعارضة والاخوان في سوريا. لذا فان حماس الآن في مرحلة صعبة أشبه بمرحلة التحلل والتميع امام تراجع الجماعات الاسلامية والاخوان في المنطقة. وهذا ما يطلب من حماس بضرورة إعادة حساباتها بضمنها علاقاتها مع الاخوان والجماعات الاسلامية من جانب ومع رام الله والقاهرة من جانب اخر. وتحتاج حماس أيضا إلى مراجعة حساباتها من استمرار موقفها بالقتال إلى جانب التنظيمات "الجهادية والاخوان" في سوريا ومحور الممانعة. أما كسر علاقة حزب الله في لبنان مع حماس ومطالبة نصر الله بإغلاق مكاتب حماس فيعتبر خسارة تنظيمية قبل ان تكون سياسية للحركة في لبنان لما يمثله لبنان من أهمية وبديلا للفلسطينيين مع تواجد اعداد من مخيمات الفلسطسنيين، رغم اشتراك حماس وحزب الله في راديكالية الايدلوجية أكثر من الهوية الوطنية.
إن سياسة حماس اتجاه التطورات في المنطقة وخسارة اخوان مصر السلطة ألحقت الضرر بالشعب الفلسطيني قبل ان تلحق الضرر بالمقاومة، فقد دفعت حماس والشعب الفلسطيني في غزة فاتورة سقوط الاخوان، لتثبت بأنها حركة ايدلوجية أكثر من هويتها الوطنية في زمن تراجعت فيه الايدلوجية اليسارية والشيوعية، ولم تستفد من أخطاء حركة فتح سابقا في الأردن أو في فلسطين ولبنان ويبدو أن حماس حالها حال الاخوان في مصر تصرفت في غزة باعتبارها حركة ثورية أكثر من إدارة السلطة والحوكمة لتحشر نفسها في مأزق صعب، وربما ليس أمامها خيار غير العودة إلى محور الممانعة والذي بات هو الآخر ضعيفا.
جاسم محمد