مؤتمر الأزهر ـ مسعى إنقاذي أم تعزيز دور المؤسسة الدينية؟
٢٠ أغسطس ٢٠١١لم يحظ المؤتمر الذي دعا إليه شيخ الأزهر لمناقشة "وثيقة الأزهر"، التي أعدتها أكبر مؤسسة إسلامية في مصر بالاتفاق مع عدد من العلماء والمثقفين المصريين من مختلف المشارب، لتشكل إطاراً استرشادياً للدستور المصري المقبل، باهتمام إعلامي كبير. وكان شيخ الأزهر أحمد الطيب حريصاً على دعوة معظم المرشحين المحتملين للرئاسة في مصر للمشاركة في هذا المؤتمر، كالأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى ومحمد البرادعي والمرشح الإسلامي محمد سليم العوا ورئيس حزب الغد الجديد أيمن نور بالإضافة إلى المرشح الناصري، النائب السابق حمدين صباحي.
كما ضمت قائمة المشاركين في المؤتمر شخصيات سياسية بارزة كرئيس الوزراء المصري الأسبق كمال الجنزوري وعصام العريان ومحمد مرسي كممثلين عن حركة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي الجديد، حزب الحرية والعدالة والحرية. ولم تغب شخصيات دينية بارزة عن مؤتمر الزهر كالشيخ نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق بالإضافة إلى بعض ممثلي وقادة الأحزاب التي توصف بالعلمانية والليبرالية كالسيد بدوي رئيس حزب الوفد، الذي دخل في تحالفات انتخابية مع جماعة الإخوان المسلمين في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
"شهادة ميلاد للعلمانية ووفاة للإسلام"
وبالرغم من حضور جميع التيارات الفاعلة في الساحة المصرية وعلماء الدين فإن مؤتمر الأزهر، وكذلك "وثيقته"، قوبلا برفض شديد وانتقادات حادة، خصوصاً من قبل عدد من علماء الأزهر "لم يشاركوا في وضع الوثيقة ولم يؤخذ رأيهم في مضمونها"، حسب قول الشيخ حسنين النجار، الداعية الإسلامي المعروف وعضو ائتلاف النهوض بالأزهر. ويصف النجار، في حوار مع دويتشه فيله، وثيقة الأزهر بأنها "شهادة ميلاد للعلمانية ووفاة للإسلام". فالأزهر لم يحدد تماماً من شارك في صياغة الوثيقة وكيف دار النقاش بينهم وإنما جاءت (الوثيقة) بعبارات "غامضة، مائعة؛ وهي بذلك لا تمثل الأزهر كمؤسسة دينية وإنما من شارك في صياغتها".
وإذ يتفق الدكتور حازم حسني، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، مع الشيخ النجار في أن وثيقة الأزهر مليئة بالعبارات الفضفاضة، إلا أنه يرفض بالمطلق قيام الأزهر بتحديد "طبيعة الدولة القادمة في مصر". ويضيف حسني، في مقابلة مع دويتشه فيله، أن السؤال المطروح حالياً هو "هل الدولة المصرية، وهي تعيد بناء ذاتها، تحتاج إلى مرجعيات دينية لتضع تعريفاً لها"؟. فإذا كان الحديث عن الأزهر ودوره وإعادة بنائه "فلا مانع لدي، لكن حين يكون الحديث عن الدولة فلا بد أن يكون النقاش على أسس ومرجعيات غير دينية، مع احترامي للدين؛ فالدولة الحديثة لا تعادي الدين".
"فخ علماني للأزهر لمواجهة السلفيين"
ويرفض الباحث المصري ما تردد من أن التيارات الليبرالية والعلمانية في البلاد "نصبت للأزهر فخا" من خلال تشجيعه على إصدار هذه الوثيقة وعقد مؤتمر لمناقشتها وتبنيها لتواجه من خلالها التيار السلفي وغيره من التيارات الإسلامية. إذ من المعروف أن هذه التيارات ترفض تبني "مبادئ فوق دستورية"، أي مبادئ حاكمة للدستور، توضع قبل الانتخابات لضمان ألا يكون الإسلاميون قادرين على إقامة دولة دينية من خلال دستور جديد يضعونه إذا فازوا في انتخابات مجلسي الشعب والشورى. فالإسلاميون يطالبون بأن يتولى المجلسان وضع الدستور الجديد تنفيذاً للاستفتاء الذي أُجري في شهر مارس/ آذار الماضي.
ويرى الدكتور حازم حسني أن "وثيقة الأزهر سلبية في مجملها وهي قد تكون فخاً للجانب الآخر، أي للدولة الحديثة من خلال استخدام بعض المصطلحات الحداثية، أو حتى الما بعد حداثية، دون أن توضع لها تعريفات واضحة، بحيث يفهمها كل إنسان كما يشاء". وربما الجانب الأكثر سلبية في رأيه، هو إغفال الوثيقة، وعن عمد، استخدام مصطلح الدولة المدنية. فقد أعلن شيخ الأزهر أنه "تعمد عدم استخدام مصطلح الدولة المدنية لأنها قد تشير إلى أشياء لا يرضى عنها الإسلام ولا يرضى عنها الأزهر مستبدلاً إياها بمصطلح فضفاض وغامض كالدولة الوطنية".
"مبادرة إيجابية في ظل الاستقطاب الحاد في مصر"
أما الباحث الألماني المتخصص في قضايا الإسلام السياسي لوتز روغلر فيرى في المسعى الأزهري، سواء إعلان الوثيقة أو عقد المؤتمر، "مبادرة إيجابية جاءت في سياق سياسي معين بفعل الاستقطاب الحاد القائم في مصر بين ما باتت تعرف بالقوى والتيارات الليبرالية من جهة والتيارات الإسلامية من جهة أخرى". ويضيف روغلر، في حوار مع دويتشه فيله، أن الأزهر يسعى من خلال هذه المبادرة إلى "إيجاد جسور توافق بين الأطراف المتصارعة، أو محاولة التوصل إلى حد أدنى من الإجماع المجتمعي على صيغة خاصة بإعداد الدستور المصري الجديد".
ويشدد روغلر على أن الوثيقة "إيجابية من ناحية المضمون أيضاً رغم غموض بعض المصطلحات فيها". وبالرغم من أن وثيقة الأزهر لم تتحدث صراحة عن مدنية الدولة فإنها "كنص إرشادي للدستور المقبل تساهم في تعزيز مفهوم المدنية من خلال رفضها الوصاية الدينية على الدولة. وهي ليست وثيقة فقهية بل وثيقة فكرية سياسية في سياق سياسي معين". ويتساءل الباحث الألماني قائلاً: "هل توجد جهة أخرى في مصر، غير الأزهر، تستطيع أن تلعب دور الحكم بين الأطراف المتصارعة في هذه الأجواء الساخنة؟ الجواب بالنفي. الأزهر قدم هذه الوثيقة وعقد مؤتمره ليضع مبادئ عامة تسترشد بها أي لجنة تقوم بإعداد الدستور المقبل".
أحمد حسو
مراجعة: عماد غانم