مؤتمر باريس .. بصيص أمل في دوامة الأزمة السودانية؟
١٦ أبريل ٢٠٢٤علق السودانيون آمالا كبيرة على المؤتمر، الذي عقد في باريس (الاثنين 15 أبريل/ نيسان) وناقش فيه المجتمعون الأزمة السودانية والحرب الأهلية التي تشهدها البلاد منذ عام.
في بداية المؤتمر الذي رعته فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، قال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني: "إننا نجمع الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية معا، لكي نساعدها". وأضاف: "نريد أن تصل المساعدات الإنسانية إلى كل أنحاء البلاد، ونريد أن نعمل من أجل الوصول إلى وقف لإطلاق النار ومرحلة انتقالية ديمقراطية تقود إلى حكومة مدنية".
أما وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، فقالت إن من الواجب إيلاء المزيد من الاهتمام بالسودان، وأضافت: "مع ذلك فإن الوضع المتوتر في الشرق الأوسط يتردد صداه اليوم أيضا، ونحن نرى الكثير من الصراعات في العالم لا تتصدر عناوين الأخبار".
الخبراء رحبوا بعقد هذا المؤتمر، حتى لو لم يعتقد الجميع أنه يمكن أن يوفر قوة دفع حاسمة للسلام.
منذ عام يشهد السودان حربا اندلعت في الخامس عشر من أبريل/ نيسان 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بعدما رفضت الأخيرة الانضمام إلى الجيش تحت قيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة السوداني والذي كان مشاركا في الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير عام 2019.
كان من المفترض أن تقود المرحلة الانتقالية إلى إجراء انتخابات ديمقراطية عام 2022، لكن البرهان قاد انقلابا أطاح بالحكومة الانتقالية بالتعاون مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، إلى أن انتهى الوئام بينهما ودخلا في صراع دموي، وغرقت البلاد في حرب أهلية. وتحذّر الأمم المتحدة من أن يشهد السودان قريبا أكبر كارثة جوع في العالم، إذ إن حوالي 18 مليون شخص، من بين سكانه الذين يزيد عددهم عن 47 مليون نسمة، يعانون من سوء التغذية ومهددون بالمجاعة، حسب المنظمة الدولية. ويتحدث مراقبون عن أكبر أزمة نزوح في العالم، بعد نزوح حوالي 9 ملايين داخل السودان وإلى الدول المجاورة.
جمع نصف المبلغ المطلوب
في باريس تم عقد المؤتمر الإنساني الثاني حول السودان، ففي يونيو/ حزيران 2023 تم عقد المؤتمر الأول في جنيف، وَعَدَت فيه الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودول عربية، بتأمين مبلغ 1,4 مليار يورو. وفي مؤتمر باريس أمس الاثنين تحدثت الأمم المتحدة عن الحاجة إلى حوالي 4 مليارات يورو من أجل تأمين المساعدات الإنسانية في السودان والدول المجاورة التي استقبلت ملايين النازحين السودانيين. ولكن مؤتمر باريس انتهى بجمع أكثر من ملياري يورو، أي نصف المبلغ الذي طالبت به الأمم المتحدة.
لكن وحسب رأي إبراهيم مودي، مدير منظمة السلام المتحدة والرئيس السابق لمنبر المنظمات السودانية، الذي يضم 700 منظمة محلية، فإن هناك حاجة لمبلغ ثمانية مليار يورو لتأمين حاجات السودان الإنسانية. وقال مودي في حوار مع DW: "بالإضافة إلى ذلك، في الماضي لم يصل إلى المناطق المحلية سوى جزء صغير من الأموال التي تم الوعد بها، وأيضا لأننا نعتمد على نظام قديم".
وأضاف مودي: "بدلا من استخدام قوافل المساعدات بشكل رئيسي، ينبغي أن تشارك المنظمات غير الحكومية المحلية بشكل أكبر. لأنها تعرف الحاجات المحلية ولديها الاتصالات اللازمة"، وبذلك يشير مودي إلى إعلان البرهان في شباط/ فبراير الماضي بأنه سيتم إغلاق الحدود مع تشاد، حيث يعتقد أن حميدتي، خصم البرهان ، يتلقى الإمدادات والأسلحة من هناك عبر تشاد. وتشير منظمات الإغاثة العالمية في تقاريرها إلى الصعوبات التي تواجهها في الحصول على تأشيرات الدخول والتصاريح التي تحتاجها. وتتفق سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، مع مودي فيما يتعلق بالمنظمات المحلية، حيث صرحت للصحافة خلال مشاركتها في مؤتمر في باريس: "نحن بحاجة إلى مساعدة المنظمات غير الحكومية المحلية. فهي تعمل في أجزاء من البلاد لا يمكننا الوصول إليها".
حواجز بيروقراطية تعرقل التعاون مع المنظمات المحلية
وصحيح أن الدوائر الدبلوماسية في باريس أشارت إلى دعم المنظمات المدنية المحلية، إلا أن غيريت كورتس، الباحث في مجموعة أبحاث أفريقيا والشرق الأوسط لدى مؤسسة العلوم والسياسة في برلين (SWP)، أكد لـ DW أن فقط جزءا صغيرا من الأموال تصل إلى المنظمات المحلية. وأضاف: "هناك صعوبة كبيرة في التعامل مع المانحين الدوليين وتعاون المنظمات المحلية معها، لأنها غير مسجلة وليس لديها سجل طويل. إنها تجد صعوبة في التعامل مع عملياتها البيروقراطية. يجب أن يتحسن هذا، رغم أن هناك بالطبع حاجة إلى الأمم المتحدة".
وفي مؤتمر باريس الذي شاركت فيه 15 دولة من أوروبا والدول المجاورة للسودان والولايات المتحدة، تم بحث مبادرات السلام الراهنةأيضا المتعلقة بالأزمة السودانية. وقد رحب وزير الخارجية التشادي، محمد صالح النظيف، بذلك قائلا: "يجب أن نزيد الضغط للوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار. السودان على وشك الانهيار".
لكن تييري فيركولون، منسق مرصد أفريقيا الوسطى والجنوبية في مركز إيفري البحثي ومقره باريس، يشكك في أن يساهم مؤتمر باريس، تحت الرعاية الأوروبية، كثيرا في التوصل إلى حل سلمي للصراع. وصرح لـ DW بأنه "حتى الآن، لم يشارك الطرفان (المتحاربان) في مفاوضات السلام". وأضاف: "الدول الأوروبية لديها نفوذ قليل في هذه المنطقة، ومن غير المرجح أن يتم قبولها كوسيط".
وبدوره يعتقد كورتس أن مؤتمر باريس يمكن أن يلفت انتباه العالم إلى الصراع في السودان. وتأمل إحسان بابكر من منظمة نداء السودانية والتي شاركت في المؤتمر، أن يكون للمؤتمر تأثير إيجابي، ولو أنها كانت تأمل أن يتم الحصول على التزامات بأكثر من ملياري يورو، وقالت لـ DW: "السودان يحتاج لمساعدة كبيرة، آمل أن يكون هذا المؤتمر مجرد خطوة أولى".
أعده للعربية: عارف جابو