مؤتمر ميونيخ ـ قضايا شائكة وفرص الدبلوماسية الألمانية
١٦ فبراير ٢٠١٩لطالما احتضن فندق „بايريشه هوف" العريق مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن منذ انعقاده. بنية الفندق الفريدة من نوعها والممتدة على أكثر من مبنى تمنح المجتمعين من الزعماء والوزراء والقادة والخبراء فرصة لا تتكرر لحوارات وراء الكواليس، حتى بين الخصوم التقليديين.
فالفندق الفخم الموغل في القدم – الذي بُني عام 1841 – يضم في جنباته عشرات الغرف المنزوية المخصصة للحوارات الخاصة بعيداً عن أعين الفضوليين، بالإضافة إلى دهاليز من سلالم وممرات تتيح مروراً سهلاً وآمناً لكل من يبحث عن الخصوصية.
ربما يرمز هذا الفندق لأفضل ما في الدبلوماسية الألمانية، ألا وهي منح الخصوم والأعداء منصة للحوار على نفس القدر من المساواة، وهي فرصة لا يمنحها السواد الأعظم من المؤتمرات، بالإضافة إلى قدرة الدبلوماسية الألمانية على الوساطة بين الأطراف المتنازعة بسبب سمعتها كوسيط عالمي كفء وكتوم.
تكتسب النسخة الخامسة والخمسون من المؤتمر هذا العام طابعاً خاصاً، فهي تأتي في ظل أحداث جسام يمر بها الاتحاد الأوروبي، من المخاض العسير لخروج بريطانيا من الاتحاد، المعروف بالبريكسيت، إلى صعود التيارات اليمينية والشعبوية في عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد، وما قد تسببه تلك التيارات من تقويض لفكرة الوحدة الأوروبية.
ولعل في خروج الدبلوماسي الألماني السابق وراعي المؤتمر، فولفغانغ إيشينغر، عن البروتوكول في خطابه الافتتاحي وارتدائه سترة رياضية زرقاء حملت شعار الاتحاد الأوروبي تنقصه نجمة للدلالة على البريكسيت، مؤشراً على عمق الهوة التي تقف أوروبا على حافتها، لاسيما وأن الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب قد تبنت خطاباً تفوح منه رائحة العدائية والفوقية تجاه الكتلة الأوروبية.
ورغم تأكيد وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين، في حديث مع دويتشه فيله، على أن خروج بريطانيا لن يؤثر على السياسة الأمنية والدفاعية بين الاتحاد الأوروبي ولندن، إلا أن البريطانيين لا يبدون متحمسين كثيراً لذلك.
القضايا العربية في صميم المؤتمر
للملفات الإقليمية العربية نصيب هام من وقائع مؤتمر ميونخ الأمني هذا العام، فيوم السبت سيشهد عدداً من جلسات الحوار والندوات التي سيشارك بها ربما لأول مرة قادة عرب، مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تمر بلاده بمرحلة مفصلية بعد موافقة البرلمان على تعديلات دستورية تضمن له حكماً مستمراً لاثنتي عشرة سنة على الأقل وتعزز من سيطرة المؤسسة العسكرية على مؤسسات الدولة.
كما يحضر الملف الليبي ممثلاً برئيس الحكومة المعترف بها دولياً فايز السراج، إضافة إلى أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، في مقابل وزيري الخارجية الإماراتي أنور قرقاش والسعودي عادل الجبير
المتوقع، إذاً، أن يكون اليوم (السيت 16 فبرائر/شباط) حافلاً بالتصريحات التي ستشكل عدداً من الملفات العربية والإقليمية، خاصة وأن المؤتمر يعقب مؤتمر وارسو للشرق الأوسط، الذي شهد سابقة جلوس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جنباً إلى جنب مع عدد من الوزراء العرب الذين لا تقيم دولهم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ولقاءً جمعه بوزير الخارجية العماني يوسف بن علوي.
لم يبالغ الدبلوماسي الألماني المحنك إيشينغر عندما قال في كلمته الافتتاحية إن مؤتمر هذا العام ربما يكون الأهم في تاريخه منذ نسخته الأولى عام 1963. ورغم أن المؤتمرلا تقيمه جهة رسمية ويعتبر حدثاً غير ملزم لا توقع فيه اتفاقات ثنائية أو رسمية بين الدول، إلا أن نتائجه سيكون لها صدى عالمي وتأثيرات في صنع القرار الدولي. هنا يأتي دور سياسة حوارات غرف الفنادق المغلقة وتقريب وجهات النظر التي تميزت بها ألمانيا وهُيئ لها فندق „بايريشه هوف".
فهل تستغل ألمانيا هذه الفرصة؟ هذا ما ستجيب عنه أحداث ومفاجآت مؤتمر ميونخ الأمني بعد أيام قليلة.
ياسر أبو معيلق – ميونخ