ما أهداف التغييرات الجديدة في المؤسسة العسكرية السعودية؟
٢٧ فبراير ٢٠١٨تغييرات عسكرية جديدة في السعودية بطلب من وزير الدفاع وولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، أهمها تغيير ثلاثة من أبرز قادة الجيش، ويتعلٌّق الأمر بإحالة رئيس هيئة الأركان العامة عبد الرحمن بن صالح، إلى التقاعد وإعفاء كل من قائد قوات الدفاع الجوي، محمد بن عوض سحيم، وقائد القوات البرية فهد بن تركي، في إطار وثيقة أطلقت عليها القيادة السعودية "تطوير وزارة الدفاع".
الملك سلمان بن عبد العزيز رقّى نائب رئيس هيئة الأركان العامة، فياض بن حامد إلى رئاستها، وعيّن تركي بن بندر قائدا لقوات الدفاع الجوي مكان محمد بن عوض، وأمر بتعيين فهد الله بن عبد الله المطير قائداً للقوات البرية مكان فهد بن تركي، بينما أسند لهذا الأخير مهمة قيادة القوات المشتركة، فضلاً عن تعيين قائدين جديدين لقوة الصواريخ الاستراتيجية وللقوات الجوية.
وتأتي هذه التطوّرات داخل المؤسسة العسكرية السعودية في سياق داخلي يتحوّل باستمرار، فالقيادة السعودية عازمة على تحقيق رؤية 2030 التي تبتغي من خلالها تحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد السعودي -حسبما يطمح إليه ولي العهد الذي يوصف بالرجل القوي داخل المملكة-، وتحقيق انفتاح مجتمعي لم تعهده السعودية سابقاً، حتى وإن لم يصل إلى مستوى تطلعات جزء من المجتمع السعودي. ويبقى أكبر دليل على أهمية هذا التغيير المجتمعي للقصر الملكي، تعيين امرأة في منصب مهم، ويتعلّق الأمر بتماضر بنت يوسف، التي تم تعيينها نائبةً لوزير العمل والتنمية الاجتماعية، تزامنا مع التغييرات العسكرية، وهو أمر نادر الحدوث في السعودية.
استراتيجية واسعة
يقول حسن ظافر الشهري، خبير عسكري سعودي، إن هذه الأوامر الملكية تأتي لتطوير الهيكل التنظيمي للدولة، وليس فقط وزارة الدفاع، متحدثاً لـDW عربية عن أن الأمر يخصّ "استكمال مسيرة البناء والتنمية وتحقيق رؤية 2030 التي تهدف إلى وضع الدولة في مصاف الدول المتقدمة"، وأنه بعد وضع الدولة لاستراتيجيتها الدفاعية، كان من الضروري الوصول إلى أطر جديدة في القيادة لتطبيق هذه الاستراتيجية.
ويعدّد ظافر الشهري، نقاط القوة التي يراها في هذه الاستراتيجية الجديدة، منها تقوية العمل المشترك داخل مؤسسات الجيش وتطوير أداء الأفراد وتحسين كفاءة الإنفاق وتحديث منظومة التسليح، ودعم توطين التصنيع العسكري عبر تشكيل شركة للصناعات العسكرية. ويقولالشهري إنها ستكون مستقبلاً من بين أكبر 25 شركة في العالم، وستقوم بتلبية 50 بالمئة من متطلبات القوات المسلحة السعودية.
ولا يمكن عزل هذه التغييرات عن مسار بدأ قبل مدة قصيرة، فقائد القوات البرية السابق، فهد بن تركي، لم يدم في هذا المنصب سوى 10 أشهر تقريبا، إذ عُيّن في منصبه في أبريل/نيسان 2017 ضمن سلسلة أوامر ملكية شملت قطاعات متعددة بين الجيش والأمن والاستخبارات.
ويرى اللواء العراقي، الركن المتقاعد ماجد القيسي، في تصريحات لـDW عربية، أن التغييرات الجديدة امتداد لسياسة بدأها محمد بن سلمان منذ مدة، لكن هناك كذلك سياقات جديدة دفعت إلى هذه التحوّلات، منها وقوع خلافات بين السعودية وبعض الدول الغربية، خاصة ألمانيا التي علّقت تصدير أسلحتها للسعودية احتجاجاً على طريقة تدبير الحرب في اليمن، ومنها كذلك ترّقب زيارة بن سلمان لبعض العواصم العالمية، سيعرض خلالها سياسته الجديدة في المؤسسة العسكرية السعودية حتى يزيل أيّ خلافات قد تظهر كما حدث مع ألمانيا.
الحرب في اليمن
هذه التحوّلات الكبرى التي يعرفها الجيش السعودي، تأتي في سياق استمرار التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن دعماً للرئيس منصور هادي في معركته ضد الحوثيين، فرغم أن التحالف استطاع دحر الحوثيين من عدة مناطق مهمة، إلّا أنهم لا يزالون يسيطرون على مناطق استراتيجية، خاصة العاصمة صنعاء.
ويعدّ التحدي في اليمن الأكبر من نوعه الذي تواجهه السعودية من الناحية العسكرية، فعلاوة على قرب دخول المواجهات عامها الرابع، أضحى الحوثيون قادرين على توجيه صواريخ إلى العمق السعودي، في واقعةٍ أثارت تنديداً واسعاً من عدة قوى دولية. كما تواجه السعودية انتقادات منظمات حقوقية للتحالف التي تقوده، كحديث هيومن رايتش ووتش عن مقتل المدنيين، وهو ما ردت عليه الرياض بشكل غير مباشرٍ مؤخراً بإعلانها عن مساعدات مالية جديدة لليمن بقيمة 1.5 مليار دولار.
في هذا السياق، يعلّق ماجد القيسي، بأن الحرب في اليمن كلّفت السعودية مادياً وسياسياً دون أن تحقق لحد الآن أهدافها، وبالتالي فالتحوّلات الجديدة تضع المسألة اليمنية في عمق الاهتمام، إذ ترغب القيادة السعودية، حسب حديث القيسي لـ DW عربية، بوقف الصواريخ التي تصل إلى العمق السعودي، وبالسرعة في تحقيق الأهداف العسكرية في اليمن. حديث القيسي يجد صدى له في تصريحات لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، والتي أدلى بها مؤخرا من فيينا، حول أن المملكة تبذل قصارى جهدها للتقدم في اليمن.
غير أن حسن ظافر الشهري، يقلّل من أهمية المسألة اليمنية بالنسبة للتحوّلات العسكرية الجديدة، إذ يتحدث عن أن القوات السعودية المشاركة في التحالف ليست بالعدد الكبير حتى يتمحور التغيير حولها بالكامل، مضيفاً أن بلاده استطاعت تحقيق مكاسب كبيرة في تحالفها العسكري داخل اليمن، إنْ على المستوى السياسي بدعم الأمم المتحدة لشرعية الرئيس منصور هادي، وإن على المستوى العسكري باستعادة نسبة مهمة للغاية من الأراضي التي كانت تحت سيطرة الحوثيين.
ولي العهد يقود التغيير العسكري
كان الأمر الملكي واضحاً في هذه التغييرات العسكرية عندما أشار إلى أنها تأتي بناءً على ما عرضه وزير الدفاع، ولي العهد السعودي. يعلّق حسن ظافر الشهري على ذلك بأن ولي العهد يعمل تحت توجيهات الملك سلمان في الفترة الحالية، وأنه إذا كان ضمن دائرة "ولاة الأمر، فهو في موقع التنفيذ وليس في موقع إصدار الأوامر".
غير أن اللواء ماجد القيسي يربط بين عرض محمد بن سلمان لهذه الرؤية الجديدة وبين تعزيز مكانته وقوته في السعودية وداخل العائلة الملكية تمهيداً لوصوله إلى سدة الحكم رسمياً في المستقبل. يُعطي القيسي الدليل على هذا الربط في الحرب داخل اليمن: "بدأت هذه الحرب بعد صعود محمد بن سلمان لوزارة الدفاع، وإن كانت هناك مشاكل كبيرة في اليمن قبل وصول الأمير لهذا المنصب".
يتابع القيسي أن محمد بن سلمان خطّط لهذه الحرب لأسباب كثيرة، منها العُمق الاستراتيجي لليمن بالنسبة للسعودية، والرغبة في دحر الحضور الإيراني داخل اليمن، وتحييد خطر الحوثيين عن المملكة، وكذا المصالح المتقاطعة مع دول الخليج، خاصة الإمارات. لذلك يهمّ الأمير أن يذهب بعيداً في التحالف داخل اليمن حتى تحقيق الأهداف التي رسمها.
ع.ا/ ع.ج