لماذا تسبب عودة نتانياهو إلى السلطة قلقا للفلسطينيين؟
١٣ نوفمبر ٢٠٢٢عادت الحياة الطبيعية إلى حد ما لمدينة نابلس في الضفة الغربية، حيث فتحت المتاجر أبوابها وباعة الخضار والفاكهة في شوارع المدينة كما كان معتادا قبل موجة التوتر الأخيرة.
ففي منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، أغلق الجيش الإسرائيلي المدينة لقرابة ثلاثة أسابيع في مسعى للبحث عن مسلحين فلسطينيين نصبوا كمينا استهدف جنديا إسرائيليا ما أسفر عن مقتله قرب مستوطنة.
ومن داخل مكتبة أسرته عند مدخل البلدة القديمة، وصف يوسف قندقجي الأسابيع الماضية بأنها "كانت في غاية الصعوبة"".
وفيما شرع الزبائن بالقدوم إلى المكتبة، أضاف يوسف "جرى إغلاق المدخلين الرئيسيين لمدينة نابلس وفي بعض الأحيان يسمح لنا الجيش بالدخول وعدم المغادرة أو العكس. وقد أدى ذلك إلى إنهاء الحركة داخل نابلس وخارجها".
وقد كثفت القوات الإسرائيلية من اقتحاماتها التي طالت أنحاء الضفة الغربية خلال الأشهر الأخيرة لمواجهة ما وصفه مسؤولون إسرائيليون "بالتهديدات الإرهابية المتزايدة".
وقد أفادت إحصائيات الأمم المتحدة بمقتل ما لا يقل عن 16 إسرائيليا وأجنبين اثنين في سلسلة هجمات نفذها مواطنون عرب في إسرائيل وفلسطينيون منذ مارس/ آذار الماضي. فيما أشارت تقارير إلىمقتل أربعة إسرائيليين بينهم جنديان في القدس الشرقية والضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة.
في المقابل، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من مائة فلسطيني بينهم مقاتلون ومدنيون بعضهم قصر، في الضفة الغربية منذ بداية العام، حسب ما جاء في بيان صدر في أكتوبر/ تشرين الأول عن تور وينيسلاند، منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط.
وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية المعروف اختصارا بـ "أوتشا OCHA" بزيادة وتيرة عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، فيما قالت الأمم المتحدة إن عام 2022 سيكون الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ عام 2005.
الجدير بالذكر أنه في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، صدر بيان مشترك عن ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا أعربت فيه الدول الأربع عن "بالغ قلقها إزاء استمرار التوتر وسقوط ضحايا من كلا الجانبين في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
عودة نتانياهو
تزامن هذا مع حالة قلق بين الفلسطينيين إزاء احتمال عودة بنيامين نتانياهو، الذي فاز حزبه الليكود بالأغلبية خلال الانتخابات الأخيرة، إلى رئاسة الوزراء ضمن حكومة قد تضم تحالف "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف.
وفي ذلك، قال يوسف قندقجي إن "نتانياهو لا يريد السلام على الإطلاق، بل يريد الدمار فقط. إننا نعرفه ونعرف الكوارث التي يمكن أن يتسبب فيها للشعب الفلسطيني".
وفي إشارة إلى إيتمار بن غفير، أحد قادة تحالف "الصهيونية الدينية"، قال يوسف "هذه المرة سيرافقه فصيل أكثر تطرفا. إننا نعرف أيضا بن غفير جيدا من أفعاله في القدس. لقد تسبب في الكثير من التوترات".
وتتفق في هذا الرأي الشابة الفلسطينية آيات بسطامي التي قالت فيما كانت تتسوق في البلدة القديمة إن بن غفير "لا ينذر بأي خير. أرغب في التفاؤل، لكن الأمر يزداد صعوبة". وأضافت رندة، الشابة الفلسطينية التي كانت أيضا تتسوق في البلدة القديمة، إن الأمور تزداد "كآبة يوما بعد يوم".
"لا شريك سلام"
وعلى الصعيد الفلسطيني الرسمي، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إن نتائج الانتخابات جاءت "لتؤكد أن لا شريك لنا في إسرائيل من أجل السلام"، داعيا المجتمع الدولي إلى "توفير الحماية لشعبنا من السياسات الإسرائيلية العدوانية بعد صعود الأحزاب العنصرية إلى السلطة".
وعلى وقع الظهور القوى لتحالف يميني متطرف يدعو إلى توسيع المستوطنات وضم الضفة الغربية، يرى فلسطينيون أن أي آمال حيال إجراء محادثات سلام تسفر عن إقامة دولتهم تبدو ضئيلة أكثر من أي وقت مضى.
يشار إلى آخر جولة مباحثات مباشرة بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين كانت عام 2014 تحت رعاية وزير الخارجية الأمريكيية آنذاك جون كيري.
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي سام بحور من رام الله، إن المشكلة تكمن "في أننا لا نجد جمهورا إسرائيليا مستعدا للتصويت أو انتخاب حكومة تبدي استعدادا للتعامل مع القضية الجوهرية المتمثلة في احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. الأمر يعد استمرارا لتجاهل القضية الرئيسية".
الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة ترى أن المستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت في الضفة الغربية بعد حرب حزيران عام 1967، مخالفة للقانون الدولي. فيما يرى مراقبون أن هذه المستوطنات تقسم الضفة الغربية إلى بلدات معزولة مما يجعل إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة أمرا مستبعدا.
وفي هذا السياق، يقول بحور إنه رغم "القلق" حيال تزايد قوة الحركة اليمينية داخل المجتمع الإسرائيلي، إلا أن سبب "حالة القلق المتزايدة" يعود لأمر واحد وهو أن السياسات المتبعة تجاه الفلسطينيين كانت "متسقة نوعا ما من قبل كل الحكومات الإسرائيلية".
قلق في القدس الشرقية أيضا
يشهد حي الشيخ جراح في القدس الشرقية احتجاجات كل يوم جمعة تقريبا، تقوم بها مجموعة صغيرة من نشطاء يساريين إسرائيليين ونشطاء فلسطينيين منذ نحو عشر سنوات.
لكن مؤخرا، شهد الجانب الآخر من الشارع قيام مجموعة من المتظاهرين اليمينيين برفع الأعلام الإسرائيلية وصور لبن غفير، فيما قامت الشرطة بالفصل بين الطرفين.
ويرى بعض النشطاء الإسرائيليين أن نتائج الانتخابات كانت مفهومة. وفي ذلك، يقول أدا بيلو: إن الحقيقة التي مفادها أن "أشخاصا مثل بن غفير يمكن أن يمتلكوا 14 صوتا في البرلمان، تعد أمرا مروعا في ضوء أفكاره العنصرية والمرعبة".
وقال ناشط آخر يدعى عمير "أرى زيادة شعور المستوطنين بالقوة"، وهو ينظر إلى المحتجين على الطرف الآخر من الشارع.
يشار إلى أن بن غفير، الذي تحدث عن رغبته في تولي حقيبة وزير الأمن العام في الحكومة المقبلة، يدعم الأنشطة الاستيطانية في حي الشيخ جراح الذي يشهد مصادمات بين الفلسطينيين والقوميين الإسرائيليين في كثير من الأحيان.
وخلال تواجده في الكنيست، قام بن غفير بإنشاء "مكتب" مؤقت بين المنازل الفلسطينية مرتين وهو الأمر الذي استفز سكان الحي. وقالت فاطمة سالم التي تواجه عائلتها تهديدا بإخلاء المنزل بموجب قرار جرى تأجيله مؤقتا، إن بن غفير "وضع طاولة أمام منزلنا ولم يغادر. لا يعلم إلا الله ما سيحدث ".
يشار إلى أنه منذ عام 2009،سيطرت منظمات المستوطنين على أربع عقارات فلسطينية في حي الشيخ جراحفيما تقول منظمة "عير عميم" الحقوقية الإسرائيلية إن قرابة 75 عائلة باتت مهددة بالإخلاء.
ويزعم المستوطنون أن ملكية هذه االبيوت تعود لسكان يهود قبل أن يسيطر الأردن على القدس الشرقية إبان حرب عام 1948.
يشار إلى أنه في مايو/ أيار العام الماضي، كانت العمليات المحتملة لإخلاء عدد من المنازل إحدى العوامل وراء وتيرة العنف التي اندلعت بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة.
وداخل حي الشيخ جراح، كان من بين المتظاهرين جواد صيام، وهو فلسطيني من حي سلوان جنوب البلدة القديمة في القدس، انضم إلى المظاهرة بعد أن استولى مستوطنون على أجزاء من منزل عائلته في أعقاب نزاع قضائي استمر طويلا. ويقول "بات الإسرائيليون في صفوف اليمين، وما تبقى من اليسار الإسرائيلي - وهم قليل- لم يعد له صوت. سوف تزداد الأمور سوءا، لكن إلى أي مدى يمكن أن تصل فيه الأمور من السوء؟"
تانيا كريمر- الضفة الغربية/ م ع