ما هي رسائل الجزائر من الاستعراض العسكري الضخم؟
١ نوفمبر ٢٠٢٤الذكرى السبعين لـ"ثورة التحرير" في الجزائر، التي تخلد انطلاق الثورة ضد الاستعمار الفرنسي عام 1954، ليست عادية هذه المرة، فقد شهدت هذا العام استعراضا عسكريا ضخما بمشاركة مختلف قوات الجيش الجزائري البرية والجوية والبحرية، شاركت فيه أكثر من مئة طائرة مقاتلة، وطائرات مسيرة، ومئات الدبابات من المخزون الجزائري، كما تم خلاله عرض أسلحة جديدة غير مسبوقة، وشهد حضور الرئيسين التونسي قيس سعيد، والموريتاني محمد الغزواني، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي.
وليست هذه أول مرة تقوم فيها الجزائر باستعراض عسكري بكل هذه الضخامة، فقبل سنتتين تقريبا، وخلال الاحتفالات بمرور ستين عاما على إعلان الاستقلال عن فرنسا، شهدت الجزائر استعراضا مشابها، حضره ضيوف كبار من الخارج وشاركت فيه مئة تشكيلة عسكرية جزائرية.
وكان ذلك الاستعراض الأول من نوعه في البلاد منذ عام 1989، ما أكد أن الجزائر في عهد رئيسها عبد المجيد تبون عازمة على إظهار قوتها العسكرية، خصوصا مع رغبتها حسب تصريحات رسمية في تأكيد مكانتها الجيوسياسية في المنطقة.
تركيز كبير على "الدفاع"
أكبر قطاع تنفق عليه الجزائر هو قطاع الدفاع، فموازنة الجيش لعام 2025 تبلغ 25 مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق محليا، ويجعل الجيش الجزائري الأكبر من حيث الموازنة في القارة الإفريقية، الجدير ذكره أنه من أكبر جيوش شمال إفريقيا والشرق الأوسط تسليحا.
والجديد هذه المرة، أن الجزائر كشفت امتلاكها منظومة الصواريخ الباليستية "إسكندر إي" الروسية، وهي أول مرة تظهر هذه المنظومة في دولة عربية حسب مواقع عسكرية متخصصة. ويبلغ مدى هذه الصواريخ 280 كلم، وهي قادرة على "تدمير أهداف دقيقة ذات قيمة كبيرة" حسب وزارة الدفاع الروسية.
السبب في التسلح وشراء الأسلحة المتطورة وتكثيف دوريات الحدود والاستعراضات، حسب حديث المحلل السياسي والباحث الجزائري في العلاقات الدولية، توفيق قويدر شيشي، لـDW عربية، هو وجود شعور عام بأن "الجزائر في خطر، سواء من من جهة الحدود مع المغرب، أو من جهة الشرق حيث عدم الاستقرار في ليبيا".
وهناك "تهديد أكبر يأتي من المنطقة الجنوبية" حسب المحلل، بدأ بعد وصول حكام عسكريين إلى السلطة في عدد من دول الساحل لا يتقاسمون السياسة ذاتها مع الجزائر، ومنها دول تملك حدودا مفتوحة مع معها مثل مالي والنيجر وتشاد"، لافتا أن وقوع اختراقات للتراب الجزائري من هذه الحدود، وتحديدا من مسيرات تركية أو من عناصر فاغنر، ساهم في رفع حالة اليقظة الجزائرية.
وبالحديث عن منطقة الساحل، فالعلاقة الجزائرية- المالية متوترة للغاية، بسبب رفض المجلس العسكري الحاكم في مالي، استمرار تواصل الجزائر مع المتمردين الطوارق، الذين توسطت الجزائر سابقا بينهم وبين باماكو في اتفاق سلام، ثم زادت استعانة العسكر المالي بمجموعة فاغنر في تنامي الخلاف، خصوصا إثر الهجوم على مواقع للطوارق قبالة الحدود الجزائرية، ثم شراء باماكو طائرات مسيرة تركية لدعمها في هذا النزاع.
المغرب والغرب معنيان
أكبر خصم في نظر الجزائر حاليا هو جارها الغربي المغرب. العلاقات بين البلدين مقطوعة منذ عام 2021 بقرار جزائري بعد اتهام الرباط بـ"أعمال عدائية"، وهو ما تنفيه الأخيرة. ولم تخف درجة التوتر رغم مرور كل هذه المدة، فمؤخرا أعلنت الجزائر فرض تأشيرة على دخول المغاربة لترابها، ووصل التوتر لدرجة أن الجزائر سحبت سفيرها لدى باريس نهاية يوليو/ تموز الماضي، بعد قرار فرنسا دعم "سيادة المغرب على الصحراء الغربية".
وفي تفاعل مع الحدث، اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الجمعة بأن القيادي في جبهة التحرير الوطني التي قادت حرب التحرير في الجزائر العربي بن مهيدي "قتله عسكريون فرنسيون"، في استجابة لمطالب جزائرية متكررة.
ويؤكد حافظ الغويل، مدير تنفيذي لمبادرة شمال إفريقيا في معهد السياسة الخارجية بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، لـDW عربية، أن "الجزائر تحاول إرسال رسائل جادة إلى المغرب، وفرنسا، بعد موقفها الأخير لصالح المملكة، وبشكل أقل إلى الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بشأن تطور تقارب الجزائر مع كل من الصين وروسيا، وكذلك بشأن اعتراف واشنطن في عهد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية".
حالة العداء الجزائرية -المغربية تعود إلى ملفات متعددة، أهمها تطورات إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، وكذلك التطبيع المغربي- الإسرائيلي الذي يشمل كذلك الجانبين الأمني والعسكري، خصوصا ما يروج عن تعاون لإنتاج طائرات مسيرة إسرائيلية في المغرب، في وقت تعتبر فيه الجزائر نفسها مهددة من هذا التعاون.
وبسبب هذا التحالف، يقول قويدر شيشي إن الجزائر تتخوف من "تفوق المغرب عسكريا وأن يتحول إلى القوة الأولى في المغرب العربي بدل الجزائر"، ويضيف بأن التسلح الجزائري يظهر أنه "عملية استباقية لضمان عدم وصول المغرب إلى هذه المكانة، وبالتالي عدم الإخلال بموازين القوى".
من جانبه يوضح حافظ الغويل أن الاستعراض قد "يكون كذلك إشارة استباقية أيضًا لإدارة ترامب الجديدة المحتملة"، مضيفا أن " الجزائر كانت تحاول مؤخرًا إظهار قوتها قاريًا وإقليمياً، ومن ذلك قوتها في مجال الطاقة، كإعلان اكتشاف حقول جديدة للنفط والغاز، لذا فهي ترسل إشارات في كل مكان بأننا هنا، نحن أقوياء، ولا نفتقر إلى أي حلفاء محتملين، وإذا لم يكن الغرب، فلدينا روسيا والصين".
ويظهر وجود اقتناع بوجود رسائل للخارج، إذ يقول توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر: "الرسالة موجهة كذلك إلى بعض الأطراف الاقليمية التي تحاول الاستثمار في السياق الاقليمي المتوتر خاصة في منطقة الساحل من أجل احداث اختراقات في المنطقة، ستكون الجزائر الأكثر تضررا منها"، مضيفا لـ DW عربية أن الرسالة موجهة كذلك إلى ما يسميها بـ"التحالفات الهجينة التي تحاول إرغام الجزائر على تقديم تنازلات".
الرسائل موجهة للداخل كذلك
لكن توفيق بوقاعدة يشير إلى أن الرسالة الأهم من الاستعراض موجهة إلى الشعب الجزائري، وهي "رسالة طمأنة بأن القدرات العسكرية الجزائرية بمختلف أسلحتها قادرة على مواجهة التهديدات المحتملة لأمنهم القومي"، ومن ذلك تأكيد "احترافية المؤسسة العسكرية وقوة تنظيمها وتسليحها"، وقدرتها على مواجهة "التهديدات"، سواء الخاصة بالجماعات الإرهابية العابرة للحدود، وتهريب المخدرات والبشر، أو الاضطرابات في المنطقة، مشيرا من جانب آخر، إلى أن "حدة الخلافات الجزائرية المغربية قد تصل الى اشتباك مسلح".
وعكس عدد من بلدان المنطقة، يحافظ الجيش الجزائري على نفوذ قوي داخل البلاد منذ انقلاب هواري بومدين على أحمد بن بلة وإعلانه "تصحيح مسار الثورة"، وهو المسار الذي استمر إرثه لحد الآن، كما يُنظر إلى أن التوافق بين عبد المجيد تبون والجيش في الجزائر، على أنه من أكبر العوامل التي أدت إلى انتخابه ثم إعادة انتخابه رئيسا للبلاد.
ويوضح قويدر شيشي أن القيادة الجزائرية تريد قتل سياسة الحراك (الاحتجاجات التي بدأت بعد ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية جديدة)، وهي السياسة التي نادت بـ'مدنية وليست عسكرية'"، والهدف حسب قوله أن الجزائر تريد توضيح أن "كل شيء في قبضة السلطة العسكرية، وأن الشعب الجزائري ملتفّ حول جيشه ولا يثق في التسيير المدني الذي أدى إلى ظهور عصابات في السلطة استولت على الثروة والمؤسسات، خاصة بعد مرض بوتفليقة، وما رافق ذلك من محاكمة عدد من الشخصيات".
ع.ا