ماذا كانت تعرف أوروبا عن برنامج "بريزم" للتجسس؟
١٣ يونيو ٢٠١٣كان الاستياء في أوروبا كبيرا بشأن برنامج التجسس الأمريكي المعروف باسم برنامج "بريزم". لكن الكشف عن تلك الفضيحة من قبل خبير التكنولوجيا الأمريكي، ادوارد سنودن، لم يفاجأ الخبراء الأوروبيين. وفي هذا السياق قال بنيامين بيرغمان، الكاتب في المدونة الألمانية المعنية بالشؤون السياسية وعضو الجمعية الرقمية الألمانية، "ما كشف عنه سنودن حول "بريزم" كان معروفا لدى خبراء التجسس في أوروبا منذ أمد طويل". وأضاف بيرغمان في حديث مع DW" أن تقريرا صدر بطلب من البرلمان الأوروبي أظهر أنه حتى عام 2012 كان يجوز للسلطات الأمريكية الحصول على المعلومات وذلك منذ عام 2008. ولم يشكل الأمر مفاجأة للوهلة الأولى".
بيد أن تقرير 2012 وجه انتقادات شديدة للمشرعين الأوروبيين بسبب إمكانية التجسس السياسي على المعلومات، حسب رأي واضعي التقرير، خصوصا وأن مستخدمي الانترنت في أوروبا لم يدركوا بعد أهمية ذلك. وما أثار الانتباه أن لا أحدا في أوروبا، سواء على مستوى المفوضية أو على مستوى المشرع الوطني أو حتى البرلمان الأوروبي، كان على علم بمفردات برنامج التجسس الأمريكي 'FISAAA 1881a'، رغم أنه دخل حيز التنفيذ العملي منذ ثلاث سنوات. وخلص التقرير الأوروبي إلى استنتاج أن الاتحاد الأوروبي أهمل قضية حماية مواطنيه، لأن القانون الأوروبي سمح للسلطات الأمريكية بالكشف عن معلومات المواطنين غير الأمريكيين.
الاهتمام تركز على الصين وروسيا
ويبدو أن الأوروبيين استثمروا جل اهتمامهم، فيما يخص مكافحة جرائم الانترنت، على جانب واحد، كما تقول جوليان جونديزبوس، خبيرة المركز الأوروبي لحل الأزمات وأحد كتاب التقرير الأوروبي. وتضيف الخبيرة الأوروبية " تركز الاهتمام في الاتحاد الأوروبي على كل التوجهات التي قد تهدد المواطنين والتي لا تدخل في إطار برنامج حكومي". فالأوروبيون ناقشوا كثيرا قرصنة المعلومات وسرقة البيانات الشخصية، تماما كما ناقشوا مطولا شؤون تنظيم شركات الانترنت؛ لكن عندما كان الأمر يتعلق بنشاطات تنظمها جهات حكومية أجنبية، كانت أنظار الأوروبيين تتجه صوب الصين وروسيا، كما توضح جوليان جينديزبوس. وتتابع أن الأنظار "لم تتجه صوب العلاقة الحساسة مع الولايات المتحدة ـ وذلك لأسباب سياسية".
اندلع نقاش واسع ومستفيض في أوروبا بشأن قانون الحماية الوطنية الأمريكية والذي سمح بمراقبة واسعة وشاملة لجميع الاتصالات الهاتفية. وذلك في إطار مكافحة الإرهاب عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر2001. وبهذا الصدد كان هناك "اختلاف كبير بين التعاطي مع موضوع بلورة إجراءات عقابية بحق قراصنة الإنترنت من الناس العاديين، وبين تحرك محتمل ضد الولايات المتحدة" توضح جونديزبوس، خاصة وأن الولايات المتحدة تعتبر بالنسبة لمعظم أعضاء الاتحاد الأوروبي حليفا مهما وشريكا تجاريا كبيرا، كما أنها الدولة الرائدة في مجال تقديم خدمات الانترنت.
لكن صحيفة "الغارديان" البريطانية ادعت أن أجهزة المخابرات الأوروبية تستفيد أيضا من النشاطات التجسسية الأمريكية، كما يشير إلى ذلك المدون السياسي، بنيامين بيرغمان، في حديثه مع DW ويضيف " أنه أمر ينبغي على مستخدم فيسبوك وغوغل أن يأخذه في الحسبان". ويوضح " يمكن للمرء أن يقول ما هي مصلحة الولايات المتحدة في التجسس علي؟. ولكن لا ينبغي أن ينسى أن السلطات القضائية والأمنية في أوروبا يمكن أن تكون لها مصلحة في التجسس على المواطنين، ويجب النظر إلى هذا الأمر من منطلق وجود تحالف المصالح بين الجانبين". فالمعلومات التي تحصل عليها الولايات المتحدة من خلال عملية التجسس الواسعة، قد تستفيد منها سلطات أوروبية من خلال مبدأ تبادل المعلومات، وفق بيرغمان. لكن ذلك أمر ينبغي متابعته من خلال الكشف عن المزيد من المعلومات حول هذه الفضيحة، كما يقول المدون بيرغمان.
" الرمي بها في سلة المهملات"
وفي الوقت الذي يستطيع فيه المواطن الأوروبي الدفاع عن حقه في حماية معلوماته أمام المحاكم، تفتقر الولايات المتحدة إلى قوانين مماثلة. وهي حقيقة تجعل الأوروبيين يقفون في حيرة من أمرهم عندما يتعلق الأمر بنقل المعلومات إلى ما وراء البحار. في هذا السياق يقول نيكولاس هيرنانز، عضو المركز الأوروبي للدراسات الجنائية، وهي مؤسسة للإنتاج الفكري في بروكسل" من الملفت للنظر أن الكثير من القوانين التي تصدر في الولايات المتحدة تشمل اليوم المواطنين الأوروبيين أيضا. أما حقهم في حماية معلوماتهم التي تضمنها قوانين الإتحاد، فيرمى به في سلة المهملات. فالوضع القانوني يثير المخاوف والريبة".
وينتقد بنيامين بيرغمان نشاط جماعات الضغط الأمريكية التي تحاول إلغاء كل الفقرات التي تحمي المعلومات الشخصية للمواطنين الأوروبيين من قوانين الاتحاد الأوروبي. ويأمل بيرغمان وبعد انكشاف أمر هذه الفضيحة أن تنعكس أهمية حماية المعلومات الشخصية والحرمة الشخصية على القوانين الجديدة بشكل اكبر من ذي قبل. وتنضم جوليان جينديزبوس إلى رأي بيرغمان وتقول في هذا السياق" إذا لم تساهم فضيحة التجسس بريزم في اندلاع نقاش واسع حول هذا الموضوع، فلن يكون هناك نقاش بعد ذلك"؛ مضيفة " كنا نعتقد أنه يمكن جمع معلومات هائلة نظريا، لكننا لم نحسب أن ذلك موجود على أرض الواقع".
وتطالب الخبيرة الأوروبية أن يقوم الأوروبيون بالدفاع عن مفاهيمهم القانونية بكل وعي أمام الولايات المتحدة، مؤكدة أنه "علينا أن رفع شعار، الأمن وسيلة وليس غاية".
رغبات ذاتية
هناك الكثير من الأفكار في أوروبا تهدف إلى حماية الأوروبيين من التجسس الأمريكي. لكن الموقف الأوروبي غير موحد إزاءها. وهناك حاليا خلاف كبير حول مشروع قانون لحماية المعلومات، يفترض أن تتم المصادقة عليه قبل الانتخابات الأوروبية في العام المقبل، حيث ينوي المشرعون تحذير مستخدمي الشبكة العنكبوتية من أن استخدامهم لصفحة ما قد يعرضهم إلى المساءلة القانونية في الولايات المتحدة الأمريكية أو أن معلوماتهم الشخصية يمكنها أن تتعرض للرقابة الأأمريكية. ويبدو أن ضغطا سياسيا بدا بالظهور، يمكن بواسطته إجبار الجانب الأمريكي على توقيع اتفاقية تضمن الحقوق القانونية للمواطنين الأوروبيين. وهو أمر غير موجود حاليا. تجدر الإشارة إلى أن هناك دول أوروبية تستهويها أيضا فكرة مراقبة المعلومات الشخصية وتخزينها بحجة مكافحة الإرهاب. ففي ألمانيا مثلا، صدر قانون مطلع أيار/ مايو الماضي يفرض على مقدمي خدمة الانترنت في البلاد وضع إمكانية خزن معلومات شخصية على نطاق واسع. إذا، رغبة التجسس لا تنحصر على الولايات المتحدة وحدها.