مثقفون لبنانيون: الربيع العربي ولادة متعثرة
١٧ يوليو ٢٠١٣للمثقفين اللبنانيين رؤيتهم الخاصة لما تشهده بلدان عربية من ثورات وحراكات شعبية تطالب بالديموقراطية، سيما أن معظم الثورات عبر التاريخ قادها مثقفون. بيد أن المخاض العسير الذي تواجهه بعض الثورات خصوصاً في سوريا ومصر وتونس واليمن، يطرح أسئلة حول دور الإسلام السياسي في هذا المشهد؛ هل يرفد الربيع العربي أم يجهضه؟
يوضح الشاعر عباس بيضون لـ DW عربية، أن "صعود القوى الإسلامية يبدو منطقياً. ففي الركود التاريخي والسياسي الذي عاشه العرب لم يكن سوى الإسلام وحده إطاراً جامعاً وثقافة مشتركة. لكن هذا الصعود يصطدم بكون أن الإسلام بشكل عام لم يعش أبداً عصره ولم يتفاعل مع ما يتراكم في مجتمعاته، أي أنه غير قابل للتوافق وللإجابة على قضايا الساعة".
ثورة ثقافية
ويستنتج مسؤول القسم الثقافي في جريدة "السفير" البيروتية، أن "هذا ظهر بسرعة في تونس ومصر بشكل خاص، حيث بدا الإسلام السياسي منعزلا وعاجزا عن التعاطي مع عصره ومع الدولة والمجتمع ومع الحاضر بشكل عام. وهو ما بدا عجزاً كاملاً وفضائحياً ومدويّاً، بحيث لم ينقض عام حتى قام المجتمع المصري بالفصل ما بين الإسلام والسياسة، وبطرد السياسة المتسمية بالإسلام من المشهد".
وأمام الولادة المتعثّرة للربيع العربي وهيمنة الإسلام السياسي، يتوقع عباس بيضون، صاحب رواية "مرايا فرانكشتاين"، انتفاضة ثانية في كل البلدان العربية، ستكون ذات طبيعة ثقافية تعاد فيها صياغة مفهوم الدولة ومفهوم المجتمع، مع وجود "عثرات كبرى على الطريق وصعوبات شتى".
رغم ذلك يؤكد عباس بيضون بأن العرب خطوا الخطوات الأولى والصحيحة نحو حاضرهم ومستقبلهم، مظهرا في الوقت ذاته خشية من تكرار سيناريو الجزائر، في حال تمّ استبعاد الإسلاميين من الحياة السياسة، وقرر هؤلاء الالتجاء للعنف.
"المنطقة حبلى، لكنها لا تلد"
توافق الكاتبة الصحافية ضحى شمس، الروائي بيضون الرأي حول أهمية الحراك الشعبي للتغيير. لكنها تعتقد أن "تسمية ما يحصل في البلدان العربية بالربيع، هو نوع من سوء التفاؤل".
وتقول شمس لـ DW عربية "التعطش للتغيير نحو الأفضل في مجتمعاتنا العربية، جعلنا نغامر بالظن أن أمانينا أصبحت فعلاً حقائق. فلنقل إنه حراك. وكل حراك هو إيجابي إن كان يعود بالمنفعة على الشعوب التي تقوم به". بيد أنها تتساءل: "هل كانت العائدات إيجابية؟ أظن انه من المبكر قول ذلك، لا بل إن العكس هو ما حدث في بعض البلدان. فهل الحراك كان لصالح الليبيين؟ التونسيين؟ المصريين؟ السوريين؟ والبحرينيين أيضا؟ أظن أن الجواب واضح في غالبية هذه البلدان بالنفي: فالأسياد القدامى: نجحوا على ما يبدو (إلى حد أقل أو أكثر حسب البلدان) في إعادة تدوير وتأهيل استعمارهم للمنطقة بطرق جديدة".
وتتابع الصحافية اللبنانية: "لمن النفط في العالم العربي؟ لمن السلطة في مصر؟ وفي تونس؟. أما سوريا فمن نافل القول إن ما يحصل فيها ليس بمخاض ربيع، بل حرب أهلية دخلت فيها فصائل إرهابية عالمية. وفي مصر استطاع العسكر مرة أخرى السيطرة وحرق عدوهم القديم الإخوان، باستخدام طاقة الثورة، لكنهم لن يتركوا شباب الثورة يحكمون".
ومع ذلك، تؤكد ضحى شمس التي عملت على تغطية أحداث الثورة المصرية من ميدان التحرير عدم تأييدها للأنظمة، قائلة "بالطبع لا نحبذ الأنظمة السابقة وليس من شأننا أن نقرر إن كان هذا أفضل للشعوب أو ذاك. فهي التي تقرر. ولكن هل سيترك الغرب ووكلاؤه من العرب منطقة الشرق الأوسط لرسم مستقبلها بيدها؟ بالطبع لا. المنطقة حبلى صحيح، لكنها لن تلد".
الثورة انقلاب لا تمرد
من جهته، يحاول الشاعر نعيم تلحوق مناقشة مفهوم الثورة على ضوء هيمنة الإسلاميين على بعض ثورات الربيع العربي، قائلاً لـ DW عربية، بأنه "شخصياً لا يؤمن بثورات حقيقية في العالم، سيما إذا كانت موجهة إلى لون واحد، وهي السلطة واستلامها ولا تعني الوعي".
وفي رأي تلحوق تكون الثورات دائماً غير واعية. "وسواء كان الأمر يتعلق بالعالم العربي أو بمنطقة أخرى في العالم، فإن الثورة انقلاب لا تمرد. أنا أؤمن بالتغيير من الداخل من الذات الإنسانية. فالمتمرد هو الذي ينتقد نفسه وهو في السلطة وهو الذي يدرك أن الآخر هو المهم الذي يجب محاورته. لهذا اللعبة السياسية غير مضمونة النتائج وقد تؤدي إلى عواقب وخيمة"، حسب نعيم تلحوق.
وحول الأزمة التي تعيشها مصر يقول تلحوق "كنت أتوقع الذي حصل في مصر باعتبار أن الإنسان الذي ينحاز إلى لونه وجنسه من دون الاعتراف بفكرة الآخر واللون والجنس المغاير، هو دون شك إنسان متعصب وستكون لغته مؤقتة؛ فلا يمكن أن يكون الإنسان طائفياً ومثقفاً معا أو مذهبياً وشاعراً أو فناناً معا. الإنسان هو التنوع والثقافة هي الاتساع. وإذا ما كثر الدم الخرافي، اتسعت مساحة المعنى الإنساني. وعلينا أن نتجدد دائماً لتفهمنا الأرض التي نعيش عليها".
سيطرة العسكر
وفيما يتعلق بالأزمة المصرية بين الإخوان المسلمين والعسكر، يحلل الباحث في شؤون الحركات الإسلامية الدكتور أحمد موصللي هذه الظاهرة قائلاً لـ DW عربية، "واضح أنه انقلاب سياسي عسكري على حركة الإخوان، يمتد إلى كل العالم العربي. وأسبابه، تكمن في تلافي نشوء أزمة بين الولايات المتحدة ودول الخليج الرافضة للإخوان إضافة إلى التغييرات في الحكم في قطر".
ويرى أستاذ الإسلاميات في الجامعة الأميركية في بيروت، أن الضغط على واشنطن تمّ من السعودية والإمارات من أجل رفع الغطاء عن الإخوان في السلطة، وبذلك أصبح الجيش المصري هو من يمسك الدولة العميقة في مصر كما سيحصل في جميع دول الربيع العربي، إذ ستمسك الجيوش بمقاليد الأمور بغطاء من الولايات المتحدة.
ويضيف موصللي أن ما يجري في مصر سيترك أثراً على سوريا، واصفاً إياه بأنه "انقلاب على الإسلام السياسي".
ويقر بأن الإخوان أخطأوا في أدائهم واتخذوا قرارات لم يكن من داع لأخذها، مؤكدا أنهم لو جلسوا جانباً ولم يتسلّموا السلطة، لكان أفضل لهم لأن تركة الرئيس المخلوع حسني مبارك من الأزمات الاقتصادية والفساد كانت ورطة للإخوان.
ويشير موصللي إلى أن عنوان دعم الحركات الإسلامية السنية كان في الأساس مواجهة إيران الشيعية، لكن انفتاح الإخوان في مصر على إيران كان خطأ. ويصف ما يحدث الآن، بأنه عملية إجهاض للإسلام السياسي قد تدفع بالإخوان إلى "الالتحام" مع الإسلام السياسي الشيعي.
معمر عطوي- بيروت